عقدُ رهانٍ سخيف على عملٍ خطير
ما إن وصل الأصدقاء الثلاثة إلى مقرِّهم، حتى أرسل آثوس في طلب دارتانيان.
رأى آثوس أنه من الخطر الكلام بحُريةٍ حيث هم؛ لذا قرَّروا تناوُل طعام الإفطار مبكرًا في فندق القرية، حيث يختلفون معًا. رفض آثوس أن يُفصِح بكلمةٍ واحدةٍ قبل أن يبلغوا مكانًا يمكنُهم التحدُّث فيه دون أن يتنصَّت عليهم أحد، وحيث يبدو اجتماعهم طبيعيًّا.
ولسوء حظهم، وُجِدَ أن الفندق غيرُ مناسب للحديث الخاص؛ إذ دائمًا ما يأتي إلى هناك أفواجٌ من رجال الحرس، والفرسان، والجنود لطلب المرطِّبات؛ لذا طرحوا فكرة المناقشة الخاصة مؤقتًا، وانهمكوا في حديثٍ عام.
كان أهم ما دار حولَه الحديث، هو الهجوم الذي شُنَّ على القلعة في اليوم السابق، وطرد جنود روشيل، على حين غادر جنود الملك القلعة؛ خشيةَ أن تسقُط جُدرانُها عليهم.
قال آثوس لأربعةٍ من ضباط الحرس: «أيها السادة، لديَّ رهانٌ أريد أن أَعقِدَه معكم: أُراهن على أن أتناول، أنا ورفاقي الثلاثة، طعام الإفطار في القلعة. وسنمكُث هناك ساعةً كاملةً، رغم ما قد نتعرَّض له من العدو لإجبارنا على تَركِه.»
نظر بورثوس وأراميس، كُلٌّ إلى الآخر، نظرةً ذات مغزًى.
قال السيد دي بوسيني، وهو أحد الضباط: «إذن، فلنُحدِّد قيمة الرِّهان.»
قال آثوس: «أنتم أربعة رجال، ونحن أربعة؛ ومن ثَم، فلتكن قيمة الرِّهان العَشَاء هنا في الساعة الثامنة؟ أهذا يكفي؟»
وافق الضباط الأربعة، على الفَور.
نادى آثوس خادمه جريمو، وأشار إلى سلةٍ كبيرةٍ في الركن.
فَهِم جريمو أن سيده يريدُ منه أن يضع في السلَّة طعام الإفطار، الذي أحضَره صاحبُ الفندق. وبعدها ينطلِق الأصدقاء الأربعة، يتبعُهم جريمو بالسلة إلى القلعة.
وعندما غادروا المُعسكَر، استدار دارتانيان نحو آثوس قائلًا: «أخبرني، يا آثوس، إلى أين نحن ذاهبون؟»
«لا داعي لهذا السؤال؛ يُمكِنكَ أن ترى بوضوحٍ أننا ذاهبون إلى القلعة.»
«نعم، ولكن ماذا سنعمل هناك؟»
«نتناول الإفطار.»
قال دارتانيان بضيق: «ولِمَ لا نُفطِر في الفندق؟ أنت غامضٌ في هذا الصباح، يا آثوس!»
قال آثوس: «لدينا أشياءُ هامةٌ يجب مناقشتُها. ومن المستحيل أن نتكلَّم ولو لدقيقتَين فقط في الفندق، دون مقاطعة. أما في القلعة، فنستطيع على الأقل أن نتكلم بحُرية.»
قال دارتانيان: «يبدو لي أنه كان بوسعنا أن نتكلم بحريةٍ في الحقول، أو على شاطئ البحر.»
قال آثوس: «هناك سوف يلاحظوننا، نحن الأربعة، في الحال، وبعد ربع الساعة يصل الخبر إلى الكاردينال عن طريق عُيونه، بأننا نعقد جلسةً سرية.»
استطرد آثوس قائلًا: «عقدنا رِهانًا، وأتحدى أي شخصٍ غيرنا، أن يخمِّن الغرض الحقيقي من هذا الرهان. ولكي نكسبه، سنبقى داخل القلعة ساعةً كاملةً، سواء هوجِمنا أو لم نُهاجَم؛ فهذا لا يهم. سيكون لدينا متَّسَع من الوقت للحديث، وأنا على يقين من أن تلك الحوائط ليس لها آذان! فإذا هوجمنا، فلا يزال بمقدورنا أن نتحدَّث في شئوننا. أضف إلى ذلك أننا في دفاعنا عن أنفسنا، نُجلِّل أنفسنا بالمَجْد والفَخار. وهكذا ترى أن كل شيءٍ في صالحنا.»
قال دارتانيان: «نعم، ولكن من المؤكَّد أننا سنكون هدفًا لقذائف العدو.»
قال آثوس: «هذا ممكن جدًّا، ولكنك تعرف، كما أعرف أنا، أن القذائف التي تُخْشى أكثر من أي شيء، لا تأتي من العدو!»
قال بورثوس: «كان علينا أن نُسلِّح أنفسَنا لمثل هذا العمل الخطير.»
ردَّ آثوس: «سيكون هذا عبئًا عديم الجدوى. أنسيتَ ما أخبرنا به دارتانيان عن الهجوم الذي حدَث بالأمس؟»
سأله بورثوس بحدَّة: «ماذا قال؟»
أجاب آثوس: «في هجوم الأمس، قُتِلَ ثمانية جنودٍ أو عشرةٌ في القلعة، ومثلهم من رجال روشيل.»
«وبعد؟»
ردَّ آثوس: «لم يُدفَنوا، ولم تُؤْخَذ أسلحتهم؛ لذا سنجد بنادقَهم وبارودَهم وخراطيشَهم.»
عند ذلك وصل الأربعة إلى القلعة، وتطلَّعوا فيما حولهم، فوجدوا ثلاثمائة جندي على الأقل، في جماعاتٍ صغيرة، على طول حدود المُعسكَر. وفي إحدى تلك الجماعات، تعرَّفوا على السيد دي بوسيني، وأصدقائه الثلاثة.
خلَع آثوس قُبَّعتَه ووضعَها على طَرَف سيفه، ولوَّح بها في الهواء.
وعندما دخل الأربعة القلعة، أمكنَهم سماعُ هُتافاتِ الجنود من بعيد.