انعقاد مجلس الأربعة في ظل ظروفٍ صعبة
كما كان مُتوقَّعًا، وجد المغامرون الأربعة اثنتَي عشرةَ جثةً داخل القلعة، فجمَعوا بنادقهم الاثنتَي عشرة في الحال، وشحنوها تحسبًا لأي هجومٍ يحدث.
افترش الأربعة الأرض، حول طعام الإفطار الذي وُضعَ على مفرشٍ أبيض. وأعطى آثوس خادمه نصيبًا من الطعام، وأَمرَه بالحراسة.
قال دارتانيان: «لا خوف الآن من أن يسمعنا أحد؛ وعلى هذا، فأرجو أن تُطلِعَني سريعًا على سِرِّك.»
قال آثوس: «السرُّ هو أنني زُرتُ ميلادي في الليلة الماضية.»
«زرتُ زوﺟ…!»
قاطعه آثوس قائلًا: «صه! أنسيتَ أنَّ هذَين السيدَين لا يعلمان شيئًا عن شئوني العائلية؟ لقد رأيتُ ميلادي.»
قال دارتانيان: «أين؟»
«في فندق بُرج الحَمام الأحمر.»
قال دارتانيان: «إذن، فقد ضِعتُ!»
قال آثوس: «لا! ليس الأمر سيئًا إلى هذه الدرجة، يا صديقي. ربما تكون ميلادي قد غادرَت الشواطئ الفرنسية، الآن.»
تنفس دارتانيان الصُّعَداء.
سأل بورثوس بصَوتِه العميق: «ومن هي ميلادي هذه؟»
قال آثوس: «امرأةٌ فاتنة. امرأةٌ بالغة الفتنة. يبدو أنها مغرمةٌ بدارتانيان كثيرًا، لدرجة أنها استأجرَت رجلين ليغتالاه، فحاولا ذلك مرتَين، ولكنهما أخفقا. ثم أرسلَت له هديةً قيمة من العصير المسموم، والذي كُنَّا نُوشِك على أن نشاركَه إياه. وفي الليلة الماضية، طالبَت الكاردينال برأسه.»
صاح دارتانيان، وقد شَحَب لونُه: «مستحيل!»
قال بورثوس: «نعم، هذا جِدُّ صحيح، لقد سمعتُها بأذني.»
قال أراميس: «وأنا أيضًا.»
ردَّ دارتانيان، وقد ثَبَطَت عزيمتُه تمامًا: «إذن، فلا جدوى لي من النضال بعد ذلك. يمكنني أن أَنسِف رأسي، فينتهي كل شيءٍ.»
قال آثوس: «هذا غباءٌ محضٌ طالما لا علاج لذلك. يا لرحمة السماء! يشير جريمو بالاستعداد لاستقبال زائرين.»
لقد أنبأهم جريمو، بأن العدو يتقدَّم نحو القلعة.
قال آثوس: «كم رجلًا؟»
«عشرون.»
«وما نوعهم؟»
«ستة عشر عاملًا، وأربعة جنود.»
نهض آثوس، والتقط بندقيةً محشُوَّة، وتقدَّم من فتحةٍ في الحائط، وحذا بورثوس وأراميس ودارتانيان حَذْوه. ووقف جريمو خلفهم تمامًا، على استعدادٍ لإعادة شحن بنادقهم بمجرَّد إطلاقها.
تقدَّم العدو داخل خندقٍ يربط بين المدينة والقلعة، ووقف آثوس مكشوفًا تمامًا ليُراقبهم.
صاح دارتانيان: «خذ حِذْرك، يا آثوس! ألا تراهم يصوِّبون بنادقهم نحوك؟»
في تلك اللحظة، أطلق الجنود الأربعة بنادقَهم فأصابت طلقاتُهم الحائطَ قريبًا من آثوس.
وردَّت عليهم أربعُ طلقاتٍ مُسَدَّدَةٍ بإحكام، فسقط ثلاثة جنودٍ قتلى، وجُرِحَ جندي.
وبسرعةٍ تم تغييرُ البنادق، وانطلقَت مرةً أخرى، فسقَط الجندي الجريح، واثنان من العمال قتلى. وعندئذٍ فرَّ بقية الرجال هاربين.
صاح آثوس: «والآن، هيا بنا نطارِدهم، يا سادة.»
اندفع الأربعةُ خارجين من القلعة إلى ساحة المعركة، غير أنهم سرعان ما اقتنعوا بأن العدو لن يتوقف حتى يصل إلى موضع الأمان في المدينة. ولذا جمعوا بنادق الجنود الأربعة القتلى، وعادوا إلى القلعة ظافرين.
قال دارتانيان: «أتَذَكَّرُ أنك قلتَ إن ميلادي ستكونُ الآن قد غادرت شواطئ فرنسا، فإلى أين ستذهب؟»
«إلى إنجلترا.»
«وما هدفُها؟»
أجاب آثوس: «هدفُها أن تغتال دوق بكنجهام، أو تعمل على اغتياله. ولكن هذا لا يهمُّني في قليلٍ أو كثيرٍ.»
استدار آثوس نحو خادمه، وقال: «أي جريمو، اربط فوطة مائدةٍ في ساقٍ خشبية، وضعها بحيث ترفرف فوق القلعة؛ فيُبيِّن هذا للعدو، أنهم يتعاملون مع جنودٍ صناديدَ مخلصين من جنود الملِك.»
أطاع جريمو الأمر، وسرعان ما كان العلم الأبيض يرفرف عاليًا فوق الأبطال الأربعة، فاستُقبِل ظُهورُ العَلَم بهتافاتٍ عاليةٍ من المُعسكَر.
استمر الأصدقاء الأربعة في تناول طعام الإفطار، والتحدُّث عن ميلادي. وارتجفَت يدا دارتانيان حين فتح آثوس الورقة التي أَجبَر ميلادي على أن تسلِّمه إياها.
قال دارتانيان، وكأنما في هذه الورقة الحكم بإعدامه: «يجب تمزيق هذه الورقة!»
قال آثوس: «لا؛ فلهذه الورقة أهميةٌ أكثر مما تظن.»
سأله دارتانيان: «ولكن، ماذا هي فاعلةٌ الآن؟»
ردَّ آثوس: «لا شك في أنها ستكتب للكاردينال، تُبلِغَه أن فارسًا ملعونًا اسمه آثوس أجبَرها على أن تسلِّمه الورقة التي تحميها. ومن المحتمل أن تشير عليه، في الوقت نفسه، بالتخلُّص من صديقَيه أراميس وبورثوس. وعندئذٍ يتذكَّر الكاردينال أننا اعترضنا طريقه أكثر من مرة. وفي صباحٍ جميلٍ مُشرِق، عندما يُقبَضُ على دارتانيان، وَيُلْقى في غياهب السجن، سيرسلوننا إليه لنؤنس وحدته!»
صاح دارتانيان: «عندي فكرة.»
بادره الثلاثة الآخرون، في صوتٍ واحد، قائلين: «ما هي؟»
قاطعهم صياح جريمو بقوله: «إلى السلاح!»
هبَّ الشبان الأربعة المغامرون، وأمسكوا بنادقهم.
كان العدو القادم، في هذه المرة، أكثر عددًا، كانوا ما بين عشرين وخمسةٍ وعشرين رجلًا. وكانوا كلهم جنودًا مُسلَّحين.
قال بورثوس: «فلنعُد إلى المُعسكَر، إذ لا أظُن أن الجانبين متعادلان تمامًا.»
ردَّ آثوس: «لن يحدث هذا؛ لثلاثة أسباب؛ أولًا، لم نُنهِ إفطارنا، وثانيًا، لدينا أمورٌ هامةٌ جدًّا تجب مناقشتها، وثالثًا، لا يزال أمامنا عشرُ دقائقَ لنُكمِل مُدَّة الساعة!»
قال أراميس: «في هذه الحالة، فلنُعِدَّ خطةً للقتال.»
قال آثوس: «لا شيء أسهلُ منها؛ فبمجرَّد اقتراب العدو، حتى يصير على مَرمَى أسلحتنا، نُطلِق النار. فإن استمر في الزحف، أعدنا الكَرَّة، مرةً ومرَّات، ما دامت لدينا بنادقُ محشُوَّة، فإن استمرَّ الباقون في هجومهم، فلنستدرجهم إلى الخندقِ أسفلَنا، ثم ندفع فوقَهم الجدارَ الذي لا يزال قائمًا بمعجزة.»
أثنى الجميع على هذه الخطَّة، قائلين بأنها رائعة، وصوَّبَ كل واحدٍ منهم بندقيته نحو جندي.
صاح آثوس: «أطلِقوا النار!»
وأُطلقَت أربعُ بنادق، فسقط أربعةُ جنودٍ صرعى.
ودقَّ العدو طُبولَه بسرعةٍ أكثر، فتقدَّمَت الفرقة الصغيرة عَدْوًا. واستَمرَّ الأربعة في إطلاق النار، وأخَذ الجنود في السقوط، على حينَ استمرَّ الباقون يتقدَّمون.
وأخيرًا، وصل اثنا عشر جنديًّا إلى الخندق أسفل جُدران الحصن. وبدون توقُّف، أخذوا يستعدُّون للتسلُّق.
صاح آثوس: «والآن، الجدار، الجدار!»
انقضَّ الأربعة، يساعدهم جريمو، على الجدار الضخم الذي يميل إلى الخارج، فدفعوه ببنادقهم، فهوى إلى الخندق مُحدِثًا دويًّا هائلًا، وإذا بصرخات الجنود المحبوسين في الخندق تتعالى، وارتفعَت سحابةٌ ضخمةٌ من الغُبار، وبدا السكوتُ الذي أعقب هذا، غيرَ عادي.
قال آثوس: «لست أدري، ما إذا كنا قد أبَدْناهم جميعًا أو لا.»
قال دارتانيان: «يبدو أننا أبَدْناهم جميعًا.»
صاح آثوس: «لا؛ فهناك ثلاثة أو أربعة يزحفون إلى الخارج.»
والواقع أن أربعة جنود، سيِّئي الحظ، مُسَربَلينَ بالتراب والدم، كانوا في طريقهم داخل الخندق عائدين إلى المدينة. كانوا هم وحدَهم الأحياء من القوة المُهاجِمة.