بحثُ دارتانيان عبثًا عن خطاب التوصية يُوحي لصاحب الفندق بفكرة
في الصباح التالي، وُضعَت ضِماداتٌ جديدة لجراح دارتانيان. ولا شك أنه بفضل شبابه، وربما أيضًا لعدم وجود طبيب، أخذ يتجوَّل في ذلك المساء، واسترد عافيته في اليوم التالي. وعندما حان وقت سداد فاتورته، كان المبلغ الوحيد المدين به للفندق، هو أَجْر حُجرته، مع وجبةٍ واحدة، بالإضافة إلى أَجْر الضِّمادات. ومن ناحيةٍ أخرى، تبعًا لقول صاحب الفندق، أكل حِصانُه ثلاثة أضعاف ما يستطيع حصانٌ آخر من نفس حجمه أن يأكل عادةً. ولم يجد دارتانيان شيئًا في جيوبه، باستثناء نقوده. أما الخطاب المُوجَّه للسيد دي تريفي، فقد اختفى!
وراح يبحث عن الخطاب بصبرٍ عظيم، وأفرغ جيوبه وبحث في حقيبته مرارًا. ولمَّا أدرك أخيرًا أنه لن يعثُر على الخطاب، استشاط غضبًا وثار. وعندما رأى صاحب الفندق أن ذلك الشاب المُتسرِّع الأرعن سيُحطِّم كل شيء في الفندق، إن لم يجد خطابه، أمسك بقضيبٍ حديدي، وأمسكَت زوجتُه بيد مِكنَسة، وأمسك الخدَم بالعِصِي التي استخدموها في اليوم السابق.
صاح دارتانيان قائلًا: «خطابُ التوصية الخاص بي! خطابُ التوصية، وإلا فإنني أُقسِم أنني سأمزِّقكُم جميعًا إربًا إربًا!»
ولسوء الحظ، كانت ثمَّة عقبةٌ كئودٌ تحول دون تنفيذ هذا التهديد؛ فإن سيف دارتانيان قد كُسرَ نصفين، ونَسِي هو هذه الحقيقة؛ ولذلك، فعندما استلَّه وجد نفسه مُسلَّحًا بقطعة من سيفٍ طولها حوالي عشرين سنتيمترًا، كان صاحب الفندق قد وضعها بعنايةٍ في غِمْد السيف. وما كان لهذا الأمر أن يُوقِف ذلك الشابَّ المتهوِّر، لولا ما أعلَنه صاحب الفندق، بأن طلب الخطاب منهم ليس عادلًا تمامًا.
قال الرجل وهو يخفض القضيب الحديدي: «دعنا نفكِّر معًا أين هذا الخطاب.»
صاح دارتانيان معقبًا: «نعم، أين هو؟ إني أُحذِّركُم بأن ذلك الخطاب مُوجَّهٌ للسيد دي تريفي، ويجب العثور عليه، فإن لم يُعثَرْ عليه، فسيعرف هو كيف يعثُر عليه. أعِدكُم بذلك!»
حَفزَ هذا التهديدُ صاحبَ الفندق للتحرُّك إلى العمل، فألقى بالقضيب الحديدي من يده، وأمر زوجته بأن تفعل نفس الشيء بيد المِكنَسة، والخدم بعِصِيِّهم، وبدأ يبحث بجِديةٍ عن الخطاب. ورغم ذلك، فلم يمضِ وقتٌ طويل، حتى تذكَّر شيئًا هامًّا، فصاح فجأةً: «الخطاب لم يضع.»
قال دارتانيان دَهِشًا: «ماذا؟»
«نعم، بل سُرِق منك.»
«سُرِق؟ ومن سرقه؟»
«سَرقَه ذلك السيد الذي كان هنا بالأمس. نزل إلى هذه الحجرة التي تركتَ فيها صِدارَك، ومكَث فيها بعض الوقت. ولا بد أنه سرقه.»
قال دارتانيان وهو لا يزال غير مقتنع: «أتظن ذلك؟»
استطرد صاحب الفندق قائلًا: «أقول لك إنني متأكد من هذا تمامًا؛ فعندما أخبرته بأن سيادتكم في حماية السيد دي تريفي، وأنك تحمل لذلك الشخص النبيل خطابًا، بدا عليه القلَق الشديد؛ وسأل عن مكانِ الخطاب. وبعدها مباشرةً نزل إلى حيث تركتَ صِدارَك وأشياءك.»
قال دارتانيان: «إذن فلا شك في أنه هو اللص. سأشكو إلى السيد دي تريفي، وسيشكو هو بدوره إلى الملك.» ثم أخرج كراونَين، بعظَمة، من كيس نقوده، وأعطاهما لصاحب الفندق، الذي رافقه إلى باب الفندق والقُبَّعة في يده.
امتطى دارتانيان، من جديد، صَهوةَ جواده الأصفر اللون، الذي حملَه بدوره إلى باريس، وهناك باع حصانه بثلاثة كراونات. وهذا يُعتبَر ثمنًا طيبًا للغاية. وهكذا دخل هذا المغامر الشاب باريس على قدمَيه، حاملًا متعلِّقاتِه القليلة في حقيبةٍ تحت إبِطِه.
وبعد بحثٍ غير طويل، وجد شقة للإيجار بسعرٍ يناسب ماليته المحدودة. بعد ذلك، ذهب ليصنع نصلًا جديدًا لسيفه. وفي طريق عودته، سأل أول فارسٍ أبصره عن مقر السيد دي تريفي الرئيسي، والذي اتضح أنه قريبٌ من المسكن الذي استأجره.
وإذ كان مقتنعًا بعد ذلك بالطريقة التي سلكها إلى ميونغ، دون أسفٍ على ما مضى، وواثقًا بالحاضر، ومفعمًا بالأمل في المستقبل؛ فقد أوى إلى فراشه، ونام نومةَ المقدام.