في حضرة رجل
أُسرع الخُطى في محاولةٍ بائسة لإثبات رجولتي المُبكرة. أُخفي أنفاسي المُتلاحقة كدليل إدانة على ضعفي. بجوار ذلك الحائط، ترتطم المخاوف والأحلام كما ترتطم الأجساد.
درجات السُّلم تمتدُّ أمامي، أشعر بها قاسيةً، أصعدها تلك الليلة كعربةٍ خرِبة تصعد مرتفَعًا شديدًا، أحمل قدمي فيما تخذلني هي.
تُذهَل أمي حينما تراني، تبقى في استسلامها، وتسألني دموعها المُتحجرة: هل ذهب حقًّا؟ لا أعطيها فرصةً لمحاصَرتي بأنينها، فأدخل الغرفة، وأغلقها كقبرٍ علينا.
مسجًّى أمامي الآن، عاريًا تمامًا من سطوته وغضبه ورجولته التي طالما استعرضها أمامي. أتذكَّر صموده أمام بكائي، وردَّه بابتسامةٍ باردة. هذا الصمود خذله، فتركه وحيدًا في لحظاته الأخيرة.
أقرأ المشهد في عينيه الثابتتين على نظرة الرعب الأخيرة. تذكِّرني بارتعادي أمام قوَّته، وتحت حزامه الذي ترك آثاره على لحمي الغض. لعلها حلَّت أخيرًا لحظة انتقامي الأول والأخير منه.
الآن، أصبحت رجلًا كما أراد، أصبحت دموعي عصيَّة، يحلو لي انتقامي واستغلال لحظة ضعفه، رغم توسُّلات نظراته، أُعيد المشهد عليه كضربات لاعب مُحترف.
يُعيد ذهني لعبتي القديمة؛ حينما كانت تُوهمني كوابيسُ رعبي بقدراته المارقة، فيضبطني في نوبة نعاس أفتِّش في وجهه عن قناع المارد، فتُوقظني صفعة من يده، ويُزيحني عن أحلامي. الآن، أُعيد بحثي مُطمئنًّا أنه لن يُزعجني ولن أُزعجه.
أجرِّده من أسلحته المتجبِّرة على ضعفي؛ حزام، ويد، وسباب، وركلات. أحكم دفنهم في طبقات الأبيض، وأسدُّ ثناياه كماردٍ محكوم عليه بالحبس في قُمقُمه.
أسمع تساؤلاتهم وثرثرات فضولهم: ماذا حدث؟ وكيف؟ ولماذا جاء مُتجردًا؟ وأين ملابسه التي انتفضت عنه؟ تستحلفني نظراتك ألا أخذلك هذه المرة، وأن أكون رجلًا ولا أُبيح سرك، وأن أُبقيك «ماردًا» في ذاكرتهم، أن أمحو هذا الحادث ومفرداته، في استسلامٍ تام.
الآن، سأكون أهدأ، سأجلس عند ناصيتك، أهمس إليك، أبثُّك أسئلتي، وظلال تلك النظرة تُلاحقني، هل كان الحادث عذرًا لموتك أم لإحياء هذا الرجل الذي تمنَّيتَه؟