رقص منفرد
في دربٍ يُشبِهني في غلظته، أسير وأجواء عاصفة تعلن تمرُّدها هي أيضًا على تقارير الأرصاد الجوية. أسير مُحتميًا بمِعطفي، مُتلحفًا بأحزاني التي تُشعل خطواتي. أستمع لأنشودة الريح الشجيَّة، تُواسيني في عزفها فتُشبِه مايسترو تتبعه فِرقته في انصياعٍ تام.
لمحته يُنازع الإهمال، يفترش الطريق مُستنجدًا به كطفل، تُراوده الريح عن نفسه فيتمنَّع؛ تُغويه بعصاها فيُطاوعها، ويبدآن رقصتهما.
تأتي الخطوات الأولي خَجْلى ومُتعثرة. يُداري عثرته بدورانٍ قصير. يُعاود قراءة نوتته الموسيقية، ويُطاوع إشارات قائده، وحينما يخدِّره اللحن يمتزجان معًا، ويشتدُّ وقْعُ خطواته، فيُطلِق العِنان لخفَّته كراقصةٍ مُحترفة.
يدور تلك المرة بمهارة صانعًا دوَّامته. يُداعب روحي في صعوده، فألمحه وهو يرتطم بالجدران، وحينما أُفصح عن شماتتي يسخر مني، ويهمس لي بأنه يتحرَّش بها ويُوسوس لها لمُجاراته، ولكن يُخزيه قُعودها.
في الشرفة، يُتابعه فضوليٌّ آخر، تُغْريه رقصته، فيعقد طائرته الورقية، يُباركها بأحلامه الوردية، ويُحررها من قيدها لتُصاحبه في صعوده.
يتحرَّران مع صعود اللحن، ترتقي معهما روحي، فتتخفَّف من أحمالها، وحينما أبدأ في التخلي عن معطفي تُفاجئنا الزخات الأولى رقيقةً كالندى، يبتسم لها، ويأخذه غُروره، فيتباهى بخفَّته أمامها.
يزداد وقعها، تُثقِل القطرات وجهه، ومع توالي ضرباتها وشدَّتها يتخلَّى عن لحنه، يتوالى سقوطه، فيلمح خلوَّ مقعد المايسترو، فيُقدم قرابين طاعته وخضوعه.
ألمحه يرقد هامدًا في بركته، وبجانبه تخمد الطائرة الورقية، فأُحكِم غلق مِعطفي، وأُسرع خُطاي.