الوجه الخيزراني
بيدَين مُرتعشتين، أتمسَّك بطرَف السجادة. تُنبهني أمي بنظراتٍ يتطاير منها التحذير ألا أُفلِتها، فأسقط بين ظلمات الخوف.
هل يمكن أن يتسبَّب شيءٌ صغير في دوائر مُتعاقبة من الرعب، كلٌّ منها تُسلِمك لأخرى أوسع؟
أُتابعها ترقُد في سكون على وجه حائط مطبخنا، تصدمني بوجهها البيضاوي المُتشابك كلما حاولت غلق الباب، أو إحضار بعض الأدوات من الخِزانة.
يقشعرُّ بَدني حينما أتذكَّر وظيفتها، فأنشغل بإحضار ما طلبته أمي مني من الخِزانة العُلوية. أستطيل على أطراف أصابعي كي أصل إليها، فيرتطم كوعي بساقها، فتسقط، فأضطرُّ إلى حملها وإعادتها إلى موضعها.
يدور عقلي مع التواءات تلك الأسطوانات الرفيعة، فأتعجَّب لطبيعتها التي منحتها تلك التقسيمات الأنثوية، ولمساتها السخيَّة في نعومتها كوجه وليد، فتتداعى لذهني صور النبتة المُقعَدة التي حُرِمت من سيقانها، فيما ظلَّت هذه وفيَّةً لجيناتها الصابرة والقادرة على التحمل.
تُفيقني أمي بصدى صوتها يتردد في جنبات المنزل، كأحد إجراءات هذا الطقس الأسبوعي. أُتابع شرر نظراتها، وأحاول تجنُّبها مُحتميةً بأحلام يقظتي الصغيرة مثل عمري؛ فهي تفقد في يوم التنظيف، بسبب تعبها وجسدها المُتهالك، كثيرًا من هدوئها الهشِّ؛ فأحاول ألا أتدخَّل إلا حينما تطلب، وفي حدود المسموح لي.
تأتي الدعوة آمرةً من فم أمي، فتضيع كل رجاءاتي هباءً. تتشبَّث أصابعي القصيرة بهذا الطرف المنسوج وعناقيده المُتدلية، ثم يبدأ الضرب، فأرتطم ككرةٍ صغيرة بمُحيط دوائر الخوف المُثيرة والمُتعاقبة. ماذا ستفعل بي لو أصابت أصابعي؟ هل يمكن أن يتطاير أحد أجزائه على غِرار الأفلام الأجنبية؟ وهل ستُوبِّخني أمي حينها أم ستنشغل بالبحث عن الجزء الهارب مني؟
تستحيل أحلامي كوابيس مع بداية الارتعاش الذي تسبِّبه الضربات في هذا السور الذي يحمل سجادتنا كمقصلة لتنفيذ عقوبتها الأسبوعية، فأتمنَّى أن تصير قدمي وتدًا مثبتًا في الأرض، فلا يخلعه أشد الاهتزازات، وتزداد وتيرة تساؤلاتي.
يزيد هلعي؛ فلا أفقه إن كان بسبب اهتزازات البلاط أم اختلاجات جسدي. تبدأ عيناي في الذهول، ويغيب عقلي في ترنيمةٍ أخرى؛ لعلها تهدِّئ من رَوعي. وأخيرًا، لا أرى وجه أمي أو خيزرانتها.
تهزُّني أمي بشدة، فأفتح عينيَّ بتراخٍ. يُواجهني هلعها وفي يدها زجاجة عطرها. تفتِّش في أنحاء جسدي ورُوحي عن سبب لهذا العطب المُفاجئ، بلا أمل للإجابة.
امتنعت أمي عن طلبها الأسبوعي منذئذٍ، ولم تعُد تعلِّق على أحلام يقظتي، لكن هلعي من الاهتزازات ما زال مستمرًّا.