التوقيت المُناسب
تُمسِك بهاتفها المحمول، تحتضنه بشدة، تُراجع مستوى الصوت مرَّاتٍ للتأكد من ضبطه على أعلاه، ثم تتلمَّس موضع سماعات أذنَيها التي فرضتها عليها سنوات عمرها السبعون.
تُنير أضواء شقتها لتخيب آمال «سلطان النوم» في الاستفراد بها. تحتمي بفنجان قهوتها الثاني، فتستجديه لنصرتها عليه.
تنتهي من فنجانها، فتردُّه إلى مكانه بالمطبخ، وأثناء عودتها تطرُق الباب الوردي؛ جريًا على عادتها التي واظَبت عليها رغم غياب ساكنة الغرفة. تتنهَّد، وتستنشق بعمق لتطهِّر رئتَيها بعطرها المحبَّب.
تختلي بالألوان والكتب المبطَّنة بلمسات الأنامل الصغيرة، وتُعيد ترتيب الأوراق المحتفظة بوجهها الفوضوي بفعل الشخبطة والحروف المتعرِّجة.
تبحث عن قِطع «البازل» لتُكمل أحلامها، ثم تُصفر مع القطار ليبدأ رحلته للعودة إلى سنواتٍ حلوة، بطعم البراءة حينًا، وبالصراخ والمناكَفات حينًا آخر.
تتبادل الأحاديث مع أبطال القصص المُتراصَّة التي تُعاتبها لغيابها الطويل، وتستعطفها بإزاحة غبار سنوات زادَتها شَيبًا، فتقدِّم لها الاعتذارات، وجولة تنظيف مجانية.
تطلب من بطلاتها أن تهَبها بساطًا سحريًّا يُرسلها إلى شواطئ المحيط البعيد، أو أن تمنحها حكاياتٍ تختصر بها دقائق من لياليها المُملَّة، لكنَّ البطلات يُفاجئنها بنَوبة نُعاس طويل لن يُخرجها منه سوى لمسة من «الأميرة الوردية».
تسقط من الكتاب المصوَّر الكبير صورٌ صغيرةٌ مقصوصة ﻟ «ست الحسن»، بشعرها الطويل الذي طالما حملها لأحلامٍ أكثر براحًا، ثم يُعيدها مرةً أخرى لأحضانها في موعدها. أما اليوم فهي تودُّ لو تكتفي بجدل ضفائر «الجميلة»، أو حتى قَصِّه على الطريقة الحديثة؛ لعلَّ ذلك يمنع رحيلها مرةً أخرى.
على الحوائط، ما زالت الآثار محفورة بفرحتها المُقاسة بالسنتيمتر حتى جاوَزت المائة بقليل، فيما استطالت فرحتها اليوم بعيدًا عن عظام كتفها الهشَّة.
تدقُّ ساعتها وتُعلِمها بانتصاف الليل، فتتذكَّر هاتفها. يجرُّها عكازها لمكانه، فتُعيد النظر إليه، فترجع خائبةً.
تنتظر وتنتظر، وتمنِّي نفسها: ربما الساعة غير مضبوطة، أو لعل الخطوط مشغولة لضغط الاتصالات، تنتظر فيما يزحف خوفها كالسُّوس ينخر جسدها كآلةٍ صدئة. تنتظر وتنتظر، ربما تأتيها «ذات الرداء الوردي» بكعكها المحبَّب.
يرنُّ الهاتف الأرضي، يظل صراخه صاخبًا، والجسد على مقعده مُنتظرًا، وفي يدَيها تهمد سماعات أذنَيها، بينما يُطلُّ ثعلبها المكَّار مُستعدًّا لانتفاضته.