تقديم

ما قبل ترجمة الكتاب

١

تكتسي مباحث الصورة اليوم من الأهمية ما يجعلها طلائعية، خاصةً وأن تكنولوجيا الصورة والإعلام قد حوَّلت العالم إلى راحة يدٍ، يكفي أن نبسطها كي نطَّلع على ما يدبُّ فيها. وإذا كانت الفلسفة قد بدأت منذ وقتٍ ليس بالطويل في الانفتاح على مجالات المتخيَّل، سواءٌ بجوانبه الذهنية أو بجوانبه المادية، فإننا لا نزال نحمل ذكرى ذلك التعامل التحقيري الذي خُص به فلاسفةٌ ومفكرون، من أفلاطون إلى جان بول سارتر، قضايا الخيال والمتخيَّل والصورة، بحيث كاد أن يرمي بها إلى مفاوز العدم. إننا نَدين في الحقيقة بهذا الاهتمام الفلسفي بالصورة والمتخيَّل لتلامذة هوسرل، سواءٌ في الحقل الفكري الفرنسي أو الألماني. الشيء الذي غدا معه الحديث عن الصورة والمتخيَّل جزءًا من التفكير في قضايا الإدراك والفكر والإبداع.

مع ذلك، ليست الوسائطيات (وهو الاسم الذي خصَّ به ريجيس دوبري «نظريَّته») كما قد يوحي به عنوان هذا الكتاب بحثًا في الصورة حصرًا، ولا في السمعي البصري أو الوسائط الجماهيرية الإعلامية فحسب. إنها بحثٌ في الوساطات التي تتكفل بإرسال وتناقل وتواتر المعلومات والكائنات والحالات المادية والذهنية. وهي بهذا المعنى ليست تصورًا فكريًّا في التواصل لغويًّا كان أم غير لغوي، ذلك أن التواصل حلَّة قارة (سانكرونية بلغة اللسانيين)، في حين أن الإرسالات والتناقلات والتواترات قد تأخذ البُعدين معًا؛ الزمني، والتاريخي. لهذا يلحُّ ريجيس دوبري على هذا المنحى معتبرًا أن الوسائطيات ليست نظريةً ولا مبحثًا علميًّا discipline ولا منهجًا للدراسة. إنها في الحقيقة حقلٌ للتفكير تتقاطع فيه المناهج وتتواشج فيه المعطيات.
بهذا المعنى تغدو الوسائطيات منظورًا جديدًا لمعطيات الحياة والوجود، يتَّخذ من تراكُم الاهتمام بالوساطات مركزًا منهجيًّا له. وبهذا المعنى يمكن أن نعثر في تاريخ الفكر العالمي على وسائطيين سابقين على ولادة المصطلح، ذلك أن كل المفكرين الذين اهتموا بالعلاقات والانتقالات قد ساهموا بهذا القدْر أو ذاك في منح قيمة للوسائط. وإذا كانت الوسائطيات كذلك، فإنه من المنتظَر أن يكون تطورها رهينًا بنماء الدراسات المهتمة بالوساطات médiations، سواءٌ كانت تلك الوساطات ذات طابع مفاهيمي كاللغة، أو كانت ذات طابع مادي كالصورة أو الدرَّاجة أو القطار أو غيرها. والحقيقة أن هذا الاهتمام بالوسيط médium إن لم يكن وليد اليوم، فهو مع ذلك ظلَّ توجهًا فكريًّا أكثر منه تصورًا فكريًّا أو فلسفيًّا. وقد كان من اللازم انتظار أواخر القرن العشرين كي يتبلور هذا الاهتمام ويتخذ في الآنِ نفسِه منحًى تنظيريًّا؛ لذلك، لم يلبث الوسائطيون الفرنسيون أن تجمَّعوا في إطار جمعية متخصِّصة في الوسائطيات تصدِر مجلةً متميزة ذات ملفاتٍ جديدة كلَّ الجِدة عن القضايا الوسائطية. وقد عملتْ هذه المجلة على منح الممارسة الوسائطية بُعدًا أوسع، وانتزاعها من الطابع النظري التحليلي للزجِّ بها في غمار الاكتشاف والبحث.

٢

أمَّا اختيار هذا الكتاب للترجمة إلى العربية، فيعود بالأساس إلى طابعه النظري التحليلي من جهة، وإلى كونه يُعتبر في نظرنا من أهمِّ المصنفات الفكرية في مجال الصورة، من جهةٍ ثانية. صحيحٌ أن كتاب دوبري «دروس في الوسائطيات العامة» سابقٌ على هذا المؤلَّف، غير أن كتاب «حياة الصورة وموتها» أقلُّ تنظيرًا وأكثر تحليلًا. إنه لا يبني نظريةً بقدْرِ ما يمنح القارئ العناصر الكفيلة بتمثلها. فقيمته تكمُن بالأساس في منظوره الفلسفي، وفي غناه الفكري وفي طابعه التساؤلي والنظري.

ولا يخفى أن مباحث الصورة في العالم العربي ما زالت تعاني من الضَّعف والوهن؛ نظرًا لهيمنة اللغوي على البصري في حقل الثقافة العربية المعاصرة، وللتعقد المنهجي الذي تفترضه مقاربات الصورة بمختلف أنواعها وأنماطها. كما أن فعل المقاومة اللاواعي تجاه العولمة أو الانحشار المتسرِّع في آلياتها يجعل من كتابٍ مرجعي من قبيل هذا، موطنًا لطرح التساؤل حول البصري وسيادته وسلطاته، ومجالًا للوعي بالحدود التي تفترضها العولمة البصرية والإعلامية.

من ناحيةٍ أخرى، فإن القارئ العربي قد تعرف على ريجيس دوبري في أواخر السبعينيات، من خلال ترجمة مذكراته النضالية في أمريكا اللاتينية، ثم من خلال الدور الاستشاري الذي لعبه طيلة الثمانينيات مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. وهو ما يجعل من هذه الترجمة انفتاحًا فكريًّا على إحدى أحدث المقاربات وأكثرها زخمًا وأعمقها تحليلًا.

بيْدَ أن ترجمة كتابٍ من هذا الحجم وبهذا التعقُّد والكثافة في التحليل والمعلومات التاريخية ليست بالأمر الهين. والحقيقة أن الرغبة في لعب دور الموضِّح والبيداغوجي قد راودتْنا. غير أن المهمة غدت ضربًا من المستحيل أمام كثرة أسماء الفنانين والوقائع المتصلة بتاريخ الصورة منذ فجر الإنسانية، مرورًا بالإغريق والبيزنطيين والرومان والعصور الوسطى. فيكفي أن يضع المترجم قائمة بما قد يستعصي على القارئ المبتدئ فَهْمه في إطاره التاريخي والجغرافي لكي يتضاعف حجم هذا الكتاب ويعسُر بالتالي نشره.

٣

إنَّ الترجمة تقوم بدورها بفعلٍ وسائطي مشهود. فالمترجِم ناقلُ نصوصٍ وأفكار ومعتقدات من لغةٍ إلى أخرى ومن مجالٍ ثقافيٍّ إلى آخَر. وهو بذلك أحد الوسائطيين الأكثر رسوخًا في ذاكرة الثقافات وتحولاتها التاريخية. وبهذا المعنى يمكن القول بأن ممارسة الترجمة تزجُّ بالمؤلف نفسه في حضن ثقافات قد غفل عن الاهتمام بها. وفي حال ريجيس دوبري، فإن الانفتاح الذي خلقتْه هذه الترجمةُ يتمثَّل في الحوار الخصب الذي تمَّ بينه وبين المترجِم، حول الصورة في الثقافة العربية، وحول إمكانية «تعريب» البحث الوسائطي، ومدى ملاءمته للحقل الثقافي العربي المعاصِر.

ما بعد ترجمة الكتاب

لكلِّ ترجمة حكايتها وسِفْر تكوينها … فلقد مرَّ أكثر من عشرين عامًا على صدور هذه الترجمة، التي قمتُ بها في فترةٍ عُدت فيها من العمل الإداري إلى وضعيتي السابقة كأستاذٍ باحث في الجامعة. وهي ترجمةٌ تكلَّفتُ فيها ليس فقط بالاتصال بمصلحة الكتاب في السفارة الفرنسية بالرباط للحصول على منحة للترجمة، وإنما أيضًا بالاتصال بالمكلَّفة بحقوق النشر الخارجية في دار غاليمار الباريسية الشهيرة، خلال إحدى زياراتي لباريس. كما سدَّدتُ من منحتي الخاصة بالترجمة، حقوقَ الترجمة التي كانت تساوي حينها ما يقارب ثلث المنحة التي تلقيتُها من مصلحة الكتاب في السفارة الفرنسية. طبعًا كان تدخُّل ريجيس دوبري شخصيًّا مسهِّلًا لهذا التواصل وسببًا في تخفيض الحقوق تلك. وهكذا حصل الناشر على كتابٍ لم يدفع في نشره قرشًا آخَر غير مصاريف الطبع.

بعد ظهور الترجمة في ٢٠٠٢م، اكتشفتُ في الشبكة العنكبوتية أن الكتاب قد حقَّق، حسب منظِّمي معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام ٢٠٠٣م، ثاني أفضل المبيعات فيه، بعد كتابٍ إسلاموي! كما حكى لي صديقي جمال الغيطاني، الذي كان قد نشر لي فصلًا، في جريدته المعروفة «أخبار الأدب»، من ترجمتي ﻟ «مواقع» لجاك دريدا، حين الْتقيتُه بعد ذلك، أنَّ هذا الكتاب كان يَسري في مصر بين القرَّاء سريانَ النار في الهشيم، بحيث يتمُّ نسخه بالفوطوكوبي عن نسخةٍ أخرى بالفوطوكوبي.

لا يمكن أن يتصور القارئ مدى سعادة المترجِم الكاتب والباحث، الذي قادتْه أبحاثه السابقة عن الجسد والصورة إلى هذه الترجمة كأنها نجمته الهادية. كان الفضاء الثقافي العربي ما زال منغلقًا حول اللغة والشِّعر وكأنه يجترُّ تاريخه الأدبي والبلاغي اجترارًا، في وقتٍ كانت السينما والفوتوغرافيا والتليفزيون فيه قد استبدَّت بكيانه الحميم في غفلةٍ من فكر اللغة وعُنجهيتها واعتدادها بنفسها وتاريخها اللاهوتي والميتافيزيقي.

لقد أضحى هذا الكتاب، مع الوقت، مدخلًا لكل بحث عن الصورة والمتخيَّل في العالم العربي، حتى إنَّ شاكر عبد الحميد صدَّر به أحد كتبه، سنوات بعد ذلك، وعبَّر لي في الهاتف عن امتنانه لذلك.

ما الذي يميِّز هذا الكتاب، بعد هذه السنوات من استنباته في ثقافة اللغة العربية ومتوقعاتها؟

الوسائطيات هي علم الوسائط، سواءٌ كانت إعلاميةً أو غير إعلامية. بل إن الجانب الإعلامي فيها ضعيف. وما يعنيه دوبريه بالوسيط ليس «الميديا» média وإنما الوساطة médiation، الذي نحته انطلاقًا من الوسيط medium، أي كل ما يكون وسيلةَ نقل ووساطة. وحين اطَّلعتُ على ترجمةِ كتاب «دروس في الوسائطيات العامة» في صيغته العربية (لفؤاد شاهين وجورجيت حداد بعنوان: محاضرات في علم الإعلام العام — الميديولوجيا، الصادر سنة ١٩٩٦م، عن دار الطليعة) وجدتُ نفسي أمام خطأٍ فادح في الترجمة بالنظر إلى أنها ترجمةٌ اختزالية تحصر مفهوم الوساطة في الوسيط الإعلامي؛ والحال أنه يجاوز ذلك بكثير. فحين نتصفَّح أعدادَ مجلة «الميديولوجيا»، التي أصدرها ريجيس دوبريه، نجد أن الدراسات التي تتضمنها تشمل كافَّة الوسائط، كالكتاب والقطار والدرَّاجة والتليفزيون وغيرها. والتعريف الذي أعطتْه لها موسوعة ويكيبيديا واضحٌ لا غبار عليه: «الوسائطية نظريةٌ للوساطات التقنية والمؤسسية للثقافة، بلوَرَها بشكلٍ أساسي الفيلسوف ريجيس دوبريه.» فكيف نبيح لأنفسنا إذن اختزال هذه النظرية في الإعلام؟

بصراحة، لم أطَّلع على ترجمة كتاب «دروس في الوسائطية العامة» في ترجمته للغة العربية قبل أن أُصدر ترجمتي لهذا. بل إنني حين بدأتُ ترجمتي تلك لم أكن على علمٍ بهذه الترجمة، وإلا كنت أشرتُ إلى ذلك في المقدمة التي حرَّرتها لها. فالإنترنت لم يكن حينَها متطوِّرًا ليمكِّن من البحث، كما أنَّ تلك الترجمة لم تكن حسب علمي قد وصلتْ إلى المغرب.

لكني استعملتُ محرك غوغل عنوةً لأجد نفسي أمام كمٍّ هائل من المقالات التي تنطلق من تلك الترجمة وعنوانها الخاطئ، والتي تعتبر في أغلبها أنَّ ريجيس دوبريه إعلامي، وأنَّ نظريته في الوسائطيات نظريةٌ إعلامية! كيف يمكن تحويل فيلسوفٍ لا يتدخل في الصحافة إلا نادرًا، وإلا بصفته مفكرًا، إلى إعلامي؟ ولنأخذ أنموذجًا واحدًا من هذه المقالات فقط، عنوانها: «من أجل نظريةٍ جديدة في الإعلام العام»، كتَبَ صاحبها ما يلي: «لقد أصبح من المتجاوز الحديث عن علوم الاتصال ووسائط المعرفة الإعلامية، وتجوزت تلك النظرة التي ترى في «علم وسائل الإعلام والاتصال» أو ما يصطلح على ترجمتها ﺑ Mass-Médiologie مجالًا للانبهار من خلال أدوات اشتغالها ووظائفها المتعددة، بل تمَّ خلقُ علمٍ جديد عُرف باسم «علم الإعلام العام»، أو «الميدولوجيا» الذي يعتبر الإعلامي ريجيس دوبريه أحد المنظِّرين الحقيقيين لهذا العلم، إن لم نقُل أحد مؤسِّسيه.»
تنبني أغلب هذه الكتابات على أربع مغالطات: مغالطة اعتبار ريجيس دوبريه إعلاميًّا، وهو الفيلسوف والمحلِّل السياسي والمحلل الفني؛ ومغالطة اختزال الوسائطيات (الميديولوجيا) في الإعلام؛ ومغالطة اعتبار دوبريه أحد المنظِّرين بل أحد المؤسِّسين للوسائطيات، وهو المؤسس المنظِّر الأوحد لها، بحيث لا تجِد لها أنصارًا في فرنسا أبدًا، إذ لم يصدر كتابٌ لحد اليوم يتبنَّى هذه النظرية في العالم الفرانكفوني، عدا بعض المؤلَّفات القليلة في العالم الأنجلوساكسوني؛ وأخيرًا، وهذا هو الأدهى، مغالطة خلق «مفهوم» فرعي يسمى Mass-Médiologie أي وسائطيات للإعلام.

إنها للأسف مغالطات ناجمة عن ترجمةٍ خاطئة لكتابٍ نظري لم يُكتب لمفهومه التداول والحياة في تُربته الأصل، فوجدت لدينا مرتعًا كنت أتمنى لو كان صحيحًا. فلقد كانت تلك الترجمة في الأصل مغالطات كثيرة في الحقل الثقافي العربي، المهووس بالنظريات الجديدة والمفاهيم المستجدة، التي يقلبها رأسًا على عقب. وتحوَّلت نظريةٌ تدرس الوسائط الاجتماعية كافة إلى وسيطٍ وحيد هو الإعلام. فكان ذلك هو الشجرة التي حجبت الغابة.

كما أنها مغالطاتٌ جعلتْ قرَّاء الترجمة يستنكفون عن الخوض في تحليل دور القطار والدرَّاجة والكتاب والصورة والشاشة، وغيرها من الوسائط في حياتنا الاجتماعية والثقافية المتسارعة التحولات.

استيهامات ريجيس دوبريه

اطلعتُ على كتاب «دروس في الوسائطيات» (الميديولوجيا) العامة في أوائل التسعينيات، وبعده مباشرة على كتاب «حياة الصورة وموتها»، فوجدت نفسي أمام اختيارين: إما أن أنصاع مع الاستيهام التنظيري لريجيس دوبريه، في مسعاه إلى محاكاة فرديناند دو سوسور في بناء نظريةٍ جديدة في مجالٍ جديد هو الوسائطيات، أو الاهتمام بمنظوره التاريخي والتحليلي لوسيط محدَّد ومهم هو الصورة. إن اختيار المترجِم هو تعبيرٌ عن موقف فكري. وهو موقف أكَّدته السنوات التي تلتْ نشر الكتابَين. فالمنزع التنظيري والتقعيدي للوسائطيات، باعتبارها دراسةً لكافة الوسائط من صورة وكتاب ودرَّاجة وقطار وغيرها، في الحياة الإنسانية، كان في نظري عبارةً عن استيهامٍ لم يُكتب له النجاح على الرغم من الجهد الجهيد للمؤلِّف. ففي الوقت الذي صارت فيه اللسانيات العامة مبحثًا — كان وراء ولادة أجيال من اللسانيين — كانت الميديولوجيا عبارةً عن استيهامٍ نظري وفقاعة لم يُكتب لها الاستمرار ولا الانتشار؛ إنها تعبيرٌ عن وهْم المفكِّر في أن يصبح عالمًا وذا تيارٍ «فكري».

هذا الميل والتفضيل لكتاب «حياة الصورة وموتها» يعبِّران أيضًا عن موقفي حينها من البنيوية وأوهامها العلمية، واتجاهي نحو الفلسفة الظاهراتية لقدرتها التحليلية على الإمساك بالظواهر، ومنها ظاهرة الصورة. لم تكن رغبتي في ترجمة كتاب «حياة الصورة وموتها» أنْ أبشِّر في العالم العربي بمبحث جديد هو الوسائطيات؛ وإنما أن أثير الاهتمام بقضيةٍ جديدة صارت تغزو عالمنا هي قضية الصورة. ولم يخِب اعتقادي في هذا المضمار؛ فكتاب «حياة الصورة وموتها» صار مرجعًا في دراسة الصورة لدى الباحثين والكتَّاب العرب، والاحتفاء الذي لقيه لدى القارئ العربي فاق كلَّ التوقعات.

ليس المترجم معنيًّا بأن يتبنى ما يترجمه. إنه وسيط أيضًا، غير أنَّ وساطته تكون فاعلةً في اختيار النَّص وفي حُسن ترجمته، أي في تقديره لعملية استنبات ذلك النص في تربته الثقافية العربية ومعرفة مدى تأثيره مسبقًا، وكذلك في قدرة النص على فتحِ فجواتٍ جديدة في المجال الثقافي.

إننا حين نُعيد قراءةَ الكتاب اليوم، لا نزال نحسُّ بالدهشة أمام الطريقة التي تناول بها ريجيس دوبري تاريخَ الصورة والبصر في الغرب، وقدرته الباهرة على التركيب والمقارنة والتدقيق. وهو بالرغم من الإحاطة التي يملكها عن تاريخ الصورة وحاضرها وتطوراتها، يظل مع ذلك محافظًا على رؤيته النقدية الفاحصة التي تعتبر المرئي مَدخلًا للامرئي … إنه يظلُّ في نظري من أهم الكتب المترجَمة التي صدرتْ في العقود الثلاثة الأخيرة عن الصورة.

الرباط، في يونيو/حزيران ٢٠٢٣م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤