التنظيم السري
في ركن النادي الذي يجمعنا للسمَر، تنطلق الآراء كالمفرقعات، لا تترك كبيرة ولا صغيرة حتى تمزِّقها جدلًا. وتتصارع المشروعات ووسائل تنفيذها حتى تُبَحَّ منَّا الأصوات إلا ذلك الصديق القديم. لا يشترك في همومنا الجِدِّيَّة برأي أو ﺑ «لا» أو ﺑ «نعم». قد يُثرثر في الأمور العابرة، ولكنه عند الجد يلوذ بالصمت. يغيب عنا بنظرة شاردة، يتخذ من هامش الحياة وطنًا. على ذلك لم يخرج من قلوبنا لمودته الدافئة وجذوره المتأصلة في منابتنا. ويومًا اتصل بي تليفونيًّا في الديوان، وقال لي: أود مقابلتك غدًا صباحًا في محل توت عنخ آمون.
فوافقت من فوري، وفي الموعد جلست أنتظره. وهلَّ عليَّ دون تأخير، فرُحنا نشرب القهوة ونتبادل نظرات التمهيد، وهو يرنو إليَّ جادًّا حتى خُيِّل إليَّ أنه استعار شخصية جديدة تمامًا. وقرَّب رأسه مني، وقال: فكِّرْ قبل أن تتكلم؛ فالكلمة هنا ارتباط أبدي.
فأثار اهتمامي لدرجة لم أتوقَّعْها، وحدَجْته بنظرة داعية للمزيد من الإفصاح. قال: لم يكن مفرٌّ من هذا التحذير، ثم أدخلُ في الموضوع رأسًا!
فقلت واهتمامي يتصاعد: ادخلْ.
فكَوَّر قبضته الضخمة وتساءل: آنست منك رغبة في العمل؟
فلمحت أول بصيص نور، وسألته في دهشة: كيف عرفت ذلك؟
– من متابعتي للمناقشات!
فقلت بدهشة أكثر: حسبتك لا تنتبه إلى أقوالنا!
فابتسم ولم ينبس، فقلت: هاتِ ما عندك.
فاعتمد على المائدة بمرفقيه وسألني: أتعني ما تقول حقًّا؟
فقلت بصدق: كل كلمة، كل كلمة!
– إذن فأنت ترغب في العمل؟
أدركت مغزى تحذيره ولكن وعائي كان طافحًا بما فيه، فقلت مندفعًا إلى مصيري: أجل.
– العمل — بخلاف الكلام — باهظ التكاليف.
فقلت بتحدٍّ: أُدرك ذلك تمامًا.
فقال ببطء: الندم فيما بعدُ غير مجدٍ.
– أعتقد ذلك.
– والتراجع يعني الموت.
– طبعًا .. طبعًا.
فقال بارتياح: صدقني حدسي.
فقلت وأنا أغالب انفعالاتي الداخلية: يا لك من داهية!
فقال كالمعتذر: هي الحياة.
فقلت بشيء من الحدة: أو هو الموت، ليفعل الله ما يشاء.
– بداية طيبة.
فقلت بشوق: هات ما عندك.
فقال بسرعة: ما لديَّ قليل، أقل مما تتصور، أسرة مكونة مني وأربعة آخرين ستعرفها مساءً، عدا ذلك لا أعرف إلا شخصًا أتلقى منه الأوامر.
– ولكن الأسرة وحدة في كلٍّ، وعلى رأس الكل رئيس، ماذا تعرف عن ذلك؟
فقال ببساطة: لا شيء.
فتساءلت في حيرة: ونظل نعمل في الأسرة يحيط بنا الظلام؟
– ربما، وربما انتقلت إلى أسرة من مرتبة أعلى.
– ومتى أصِل إلى مركز الرئيس الأعلى؟
– علمي علمك، المهم العمل والهدف!
وتفحَّصَني بنظرة ثاقبة، وقال: إنهم أدرى بما يحقق الأمان والنجاح.
ومر بي نهار لم يمر بي مثله في حياتي، كمن يبدل لحمه ودمه وخلاياه وروحه، كمن يُولد في دنيا جديدة ذات قوانين جديدة، كمن يُوَدِّع الطمأنينة واللامبالاة ليستقبل المغامرة والموت. لم يبقَ لي من الماضي إلا الاسم، وحتى هذا سرعان ما يتغير. وفي المساء انعقد أول اجتماع للأسرة في بيت صغير بمصر القديمة. كنا خمسة، على رأسنا الصديق القديم المرموز إليه ﺑ «أ». لِمَ لا؟ لقد أصبحنا رموزًا لتحقيق أهداف. وجلس على رأس المائدة ينقِّل عينيه بيننا، مكتسيًا مهابة جديدة وتأثيرًا نافذًا. قال: أُرحب بكم في أسرتنا التي جمعتنا على الخير، هي التي أخرجتنا من العبودية، وطهَّرتنا من عبادة الأصنام، فلنجعل من الكمال زينتنا، ومن الحب رابطتنا، ومن الطاعة شعارنا، ولنعمل في نطاق ما نعرف — ولا نسأل عما لا نعرف — واحذروا الخطأ؛ فلا خطأ يمر بلا عقاب.
وتتابعت الاجتماعات لمذاكرة الأهداف والوسائل، أو لمعرفة الأجوبة عن بعض أسئلة عاجلة، ومناقشة الاقتراحات. وطيلة الوقت استحوذ رئيسنا المباشر «أ» على إعجابي بعقله الراجح وحدسه الصادق وخُلقه المتين، مع قوته الجسدية الخارقة، كأنما هو بطل من أبطال المصارعة الحرة، وإن ساءتني جديته الصارمة التي تضنُّ بالابتسامة، فضلًا عن الدُّعابة. وعزَّيت نفسي قائلًا: إنه لولا ضرورة هذه السجايا لعمله ما اختاره الرئيس الأعلى للجماعة الذي يضع، ولا شك، الرجل المناسب في المكان المناسب، والذي تتسلَّل إلينا أوامره من مثواه المجهول عبر مندوبين مجهولين كذلك، حتى إن «أ» نفسه لا يعرف مِن ذاك الجهاز المعقد إلا فردًا واحدًا. وقد رأيته يلوذ بالصمت في أعقاب مناقشة ثقيلة جرت في أحد الاجتماعات، فقلت بعفوية: ألا يحسن أن يجتمع رؤساء الأُسَر بالرئيس الأعلى في اجتماعات دوريَّة لنطمئنَّ على سير الأمور؟
فاستيقظ من صمته راميًا إياي بنظرة صُلبة، ثم قال: ارتكبتَ عدة أخطاء دفعةً واحدة!
وراح يعدِّد على أصابعه قائلًا: قطعتَ عليَّ تفكيري، تدخَّلتَ فيما لا يعنيك، خالفتَ وصية من الوصايا!
فهالني الأمر وقلت معتذرًا: إني آسف يا سيدي.
– لا بدَّ من العقاب، وإني أحكم عليك بالامتناع عن التدخين شهرًا كاملًا، ابتداءً من هذه الساعة!
وصدمني الحكم، ولكني لم أنكص عن تنفيذه — رغم ثقله — بوازع من ضميري. على أننا كنا نشعر في الوقت نفسه بأننا موضوعون تحت مراقبة خفية يمارسها جهازنا الغامض، بالإضافة إلى مطاردة الشرطة المستمرة. هذا ما تطوَّعنا للخدمة فيه بدافع تلك الرغبة الجنونية المقدسة في تغيير الكون. حسبنا أن نؤمن بأننا ضمن الصفوة المختارة بدقة، رسَمَ خطوطَها ذلك الرئيسُ الأعلى الذي صار — هو وجهازه — أسطورة يتحدث عنها الناس في كل مكان. وتنشط دوائر الأمن العام إلى اكتشافها بكل سبيل، انطلاقًا من حوادثها المتكررة ومنشوراتها السرِّية المثيرة. وما أدري يومًا ونحن مجتمعون حول المائدة إلا و«أ» ينظر نحوي ويسأل: أين القلم الرصاص الذي وجدته أمامك في الجلسة السابقة؟
فقلت ببراءة: لعلي أخذته معي.
فسأل ببرود: من أين علمت أنه وُزِّع للامتلاك؟
فقلت في استياء: سأرده في المرة القادة، أو أبتاع بديلًا عنه.
فقال ببرود أشد: نحن نعتبر ذلك نوعًا من السرقة!
فقلت بغضب: لقد بعنا الحياة نفسها دون مقابل؛ فكيف نُتهم بسرقة قلم رصاص؟
فقال بهدوء هو أشد من الحدة: لا تمنَّ علينا بالتضحية؛ فإنك لا تُضحي من أجلنا، ولكننا نُضحي جميعًا من أجل الهدف، وقد حكمتُ عليك بألا تستعمل يدك اليسرى لمدة شهر!
ركِبَني هَمٌّ ثقيل، فذهبت إلى مطعم «فلسطين» بالسكة الجديدة لتناول العشاء. وجلست إلى أقرب مائدة إلى فتاة وحيدة. لاحظت رغم هَمِّي أنها لم تطلب شيئًا، ولم يقترب منها الجرسون. ولاحظت أيضًا أنها تنظر نحوي بجرأة وثبات لا يصدران إلا عن امرأة هوًى. على جمال كانت ولكن منظرها أوحى بالفقر، بل والجوع أيضًا. قالت لي عيناها: «ادعوني للعشاء من فضلك.» ورقَّ قلبي لها فابتسمت، وسرعان ما ردتِ الابتسامةَ بأخرى مبتذلة. قلت إنها ما زالت تشق طريقها الوَعرة، وأشرت إلى المقعد الخالي أمامي، فانتقلتْ إليه دون تردد. تناولنا عشاءً من المكرونة والخبز الجاف، فالتهمت طعامها بنهَم وبلا حياء. حلَّ الارتياح مكان التوتر في وجهها، وتبادلنا الابتسام دون تعارف، ثم سألتها لأبدِّد الصمت: مِن هنا؟
فقالت بنبرة ذات معنًى: مسكني فوق المطعم.
لم تكن في رأسي خطة نهائية، فنظرتُ في الساعة، فسألتني: نقوم؟
فاستسلمتُ بلا حماس وبلا فتور، فتأبَّطتْ ذراعي ومضَتْ بي نحو مدخل المبنى في عطفة خلفية. لستُ من مدمني ذلك ولا من الهواة، ولكنها تعرض لعازب. وكانت رقيقة وثرثارة وغير مُحنَّكة، فدار حديثها حول ضجيج العاصمة. وسألتني: ما ليدك اليسرى؟
فقلت بامتعاض: روماتيزم خفيف.
فقالتْ مجامِلة: ولكنك في عِزِّ الشباب.
فقلتُ بضيق: أمراض عصرنا لا تُفرق بين شيخ وشابٍّ.
وغادرتُها وهي تقول: لتكن أُولى الزيارات لا آخرها.
وصادفتني متاعب متلاحقة في البيت والديوان لعدم استعمال يدي اليسرى، بالإضافة إلى سوء المزاج الناتج عن الامتناع عن التدخين. وتمخَّض اجتماع الأسرة التالي عن مكدِّرات جديدة لم تكن في الحسبان؛ إذ التفت «أ» نحوي قائلًا: ما زلتَ ماضيًا في طريق الضلال!
فنظرتُ إليه مبهوتًا، فقال: الزنا بعد السرقة.
فالتهبتْ وجنتاي وغضَضْت بصري، فقال: كأنك لا تُدرك خطورة زلَّتِك؟!
فقلت باستماتة: هفوة شخصية، لا تمس سلوكي العام.
– هراء، المرأة أشد خطورة من الشرطة.
فقلت مدافعًا: الزواج عسير جدًّا في هذه الأيام.
فقال ببرود: في الهدف ما يغني ويُسلي عن سواه.
وواصل عقب صمت قصير: إنك كثير الجدل، فمتى تتعلم الطاعة؟
وفكر قليلًا ثم قال: مراعاةً لظروفك، سأكتفي بتغريمك مائة جنيه تؤديها على أقساط.
وجدتُني في مأزق. كِدت أندم على فكرة التطوع نفسها، ولكن لم يغِبْ عني أن التراجع الآن يعني الموت. وتعزَّيت بما أحرز من نجاح حين عرض الآراء، وتنفيذ ما أُكلَّف به من أعمال. وتخيلت رئيسنا الأعلى — قياسًا على «أ» — في صورة عملاقة جبَّارة، جديرة حقًّا بالإجلال والخوف. ومازج شوقي إلى معرفته رغبةٌ في البقاء بعيدًا عن بابه. ولم أُخطئ بعد ذلك، وتقدمت في الدرس والتدريب تقدمًا محمودًا سمعت من أجله الثناء تلوَ الثناء، فتلاشى الحرَج وذكرى العقوبات. وفي ختام اجتماع هام للأسرة، استبقاني «أ»، ووضع أمامي مظروفًا مغلقًا، وقال: تسافر إلى «…»، وتقابل «…» الكاتب بالمحكمة، وتُسلِّمه الرسالة خِفْية، وتعمل بما يشير به عليك.
كنت تدرَّبْت تمامًا على وسائل معرفة المكان، ومواعيد القطارات والاتصالات الخفِيَّة. وشرعت في العمل خطوة فخطوة، حتى سلمت الرسالة للرجل. وأشار عليَّ بالنزول في فندق بالبلدة والانتظار. وفي الصباح جاءتني سيارة فورد قديمة، ودعاني السائق إلى الجلوس إلى جانبه، وانطلق بها بلا تعارُف أو كلام. وفي وسط الطريق قال: في الصندوق الخلفي حقيبةٌ جلدية.
ووقف على مبعدة من البيت الذي تجتمع فيه الأسرة بمصر القديمة. حملت الحقيبة رغم ثقلها، وسرت بها نحو البيت. غالبتُ توتري لدقة الموقف وخطورته، ثم وضعتها على المائدة أمام «أ»، وجلست مزهوًّا وأنا أشعر بأنني هجرت دنيا الناس إلى الأبد. وفتح «أ» الحقيبة، فحال غطاؤها بيني وبين رؤية ما بداخلها. ودام فحصه ربع ساعة، ثم أغلق الحقيبة وقال: أمضيت وقتًا في المقهى، ناسيًا أن الغريب يلفت الأنظار في البلدان الصغيرة.
فخفق قلبي متوقعًا عقوبة جديدة، ولكنه قال: ولكنك عبرتَ البحر بسلام!
فشاع في نفسي الرضا، وامتلأتُ ثقة وإحساسًا بالنصر، وقمت بأعمال قيِّمة على مدًى غير قصير، في وثَبات متلاحقة حققت لي مركزًا لا بأس به. واستدعاني «أ» ذات يوم، فوجدته وحده بحجرة الاجتماع. أجلسني في أقرب مقعد إليه، وقال لي: تقرَّر أن تفارقنا إلى أسرة جديدة.
نظرت إليه مليًّا وأنا أُغالب انفعالاتي، ثم سألته في حذَر: أتسمح لي بسؤال أو أكثر؟
فحنى رأسه بالإيجاب، فسألته: ماذا يعني أسرة جديدة؟
– أسرة الزميل الوحيد الذي أعرفه خارج أسرتنا، ويُدعى «ب»، وهي وحدة ضمن وحدات متصاعدة، لا فكرة لي عن عددها، تنتهي بالجهاز الأعلى.
فداخلني ارتياح، وسألت: وما نوع العمل في الأسرة الجديدة؟
– لا أدري!
– مَن الذي رشحني للأسرة الجديدة؟
فأجاب ببساطة: عملك.
وقام آخذًا بيدي إلى حجرة صغيرة داخلية، وهو يقول: دعني أقدمك إلى رئيسك الجديد.
وجدناه جالسًا ينتظر. ومن عجَب أنْ طالعني بصورة مناقضة تمامًا لتخيُّلي له. تصورته يفوق «أ» في القوة والعملقة، فإذا بي حيال شاب يكبرني بأعوام، جميل المحيا، رقيق الحاشية، يأسر الناظر إليه بلطفه وعذوبته. كيف يرأس هذا الشاب أسرة هي أقرب في موقعها من الرئيس الأعلى، وعليها مهام — ولا شك — تجاوزها في الشدة والعنف؟! وكيف يضع رئيسنا الأعلى ثقته في شخصينِ تقطع الدلائل بتناقضهما الكامل؟ تُرى متى يُتاح لي مقابلة ذلك الرئيس العجيب الذي أَقَضَّ مضاجع الشرطة، وأثار الرأي العام لدرجة الهوَس؟ وتبادلت مع «ب» كلمات رقيقة، فاستحوذ على حبي من اللحظات الأولى. ومضى بي في سيارته الصغيرة ١٢٨ إلى حديقة «الوردة البيضاء» بطريق سقارة. سألته قبل أن ندخل: أعندك فكرة عن هذه الحديقة؟
فدخل مبتسمًا وهو يتأبط ذراعي. وسرعان ما احتوَتْنا مقصورةٌ تكتنفها الخضرة والأزهار، وتحبو فوقها أشعة الشمس في مطلع شتاء لطيف. وجدت الأسرة الجديدة بكامل عددها، وهي مكونة مثل أسرتي الأولى من خمس، ولكني عجبت لاختياره مكان الاجتماع في حديقة سيئة السمعة لا يرِدُها عادةً إلا طلاب الحب المحرَّم. وقلت: لعله داهية ذات قشرة ذهبية، أو ماء تحت تِبْن. وشربنا الشاي بسرور وارتياح وهو يقول: أهلًا بكم في أسرتنا الجديدة.
وتفكَّر قليلًا ثم واصل: لكلٍّ منكم سابقته المحمودة المتسمة بالشدة والخطورة، ونحن الآن بصدد عمل جديد ذي أسلوب آخر، لا تنكُّر للماضي، ولكننا نستكمله بأسلوب جديد كل الجِدَّة، وإلا ما دعت الضرورة إلى إنشاء أسرة جديدة، مستهدفين في النهاية غاية واحدة، وإياكم والاستهانة بعملكم الجديد ذي المظهر الخادع؛ فمثلكم مثل زارع يرمي في الأرض ببذرة لا تكاد تُرى، ولكنها ستنمو ذات يوم شجرةً باسقة يلوذ بظلِّها المعذبون في الأرض.
وصمت قليلًا ثم قال: كانت مهمتكم السابقة التصدي للوجه القبيح، والانهيال على قبحه باللكمات الصادقة، أما مهمتكم الجديدة فهي التغنِّي بالوجه الجميل المنشود، حلم اليوم وحقيقة الغد، ولكن أي أغانٍ وأي ألحان؟! .. أغانٍ جديدة وألحان جديدة.
الْتَمع في الأعين حب استطلاع وَهَّاج فقال: سأكون المؤلف والملحن، وستكونون المغنين، وسأضع في كل حنجرة اللحن الذي يناسبها!
وضَح في الوجوه ما يشبه الذهول، فقال: المهمة ظاهرها الترفيه، ولكنها تنطوي على جدية فائقة، ويحف بها الخطر من كل جانب .. فليوطن كلٌّ نفسه على التضحية.
وقلَّب عينيه في وجوهنا متسائلًا: هل من أسئلة؟
وفي الحال سألته: أنعتبر حديثك من المجاز والرمز؟
فأجاب ببساطة: بل إنه واقع وحقيقة!
– هل حقًّا تُحفِّظنا ألحانًا لننشدها؟
– بكل تأكيد.
– لكننا لسنا مغنِّين.
– كل فرد يستطيع أن يُغني في حديقة عامة، فيسمعه من يشاء أن يسمع.
– من ناحيتي لا أملك أي موهبة غنائية.
– لا يهم. العبرة باللحن، أما الأغنية فأغنية حب من لون جديد!
– قد يعتبر الجمهور غناءَنا تكديرًا لصفوه.
– ربَّما.
– وقد يسخر منَّا.
– ربما.
– وقد يعتدي علينا.
– ربما؛ ولذلك لا بد من توطين النفس على التضحية.
فقال زميل منفعلًا: عملنا السابق أخفُّ رغمَ عُنفه.
فأجاب باسمًا: محتمَل جدًّا.
وترددتُ قليلًا ثم قلت: لديَّ سؤال وأخاف العقاب.
فقال «ب» بسرعة: لا موضع للعقاب في قاموسنا.
فسألته: وما جدوى الأغاني والألحان والغناء؟
فقال بهدوء: أكبر مما تتخيَّل!
فسألت مندفعًا بشجاعة جديدة: وهل وافق رئيسنا الأعلى على عمل أسرتنا؟
فقال باسمًا: لسنا إلا أدوات تنفيذ.
ثم بنبرة حماسية: اسمحوا لي أن أدعوكم إلى عشاء من الشواء والنبيذ لنتعاهد على الحب والعمل ونحن في أطيب حال.
وشرَعْنا في الحال في الحفظ والتدريب، ثم في العمل. وتعرضت لحرج ومتاعب لا نهاية لها. آمنت بأن عملي الجديد أشق من القديم، رغم إحساسي بأنني أعمل في جوقة موسيقية تحت إشراف شاعِر وملحن في آنٍ. وعجبت لشأنه، وعجبت أكثر لشأن رئيسنا الأعلى الذي يستعمل كل هذه الحيل المتناقضة والأساليب المتضاربة لتحقيق أهدافه. واستقرت في وجداني عبارة «ب»: «لا موضع للعقاب في قاموسنا.» فشجعني ذلك على التخفيف من توتر أعصابي بزيارة جديدة لفتاة مطعم فلسطين بعد انقطاع، رغم ما سمعت من إدانة لذلك، وتحذير من المرأة التي هي أشد خطرًا من الشرطة، ورغم علمي المسبق بأن سلوكي لن يخفى عن رئيسي كما لا يخفى سلوك أحد من أفراد الجهاز بعامة. وسُرت الفتاة بزيارتي سرورًا أنساني قلقي ووساوسي، وهداني إلى اكتشاف جانبٍ رقيق في قلبها لا يوجد عادةً في حومة الاحتراف. وقال لي «ب» في أول اجتماع تلا مغامرتي: لا اعتراض لي على الحب.
فاشتعل وجهي بالحياء فقال: ولكنه دونما رباط عبءٌ على نقاء القلب.
ففطنت إلى ما يشير إليه، وقلت باستنكار: ولكن …
فقاطعني: لا تستشهد بمأثورات حياة قد أعلنتَ الحرب عليها!
ثم تحول إلى موضوع الاجتماع كأنما قال قولته الأخيرة في المسألة. وجاء زواجي من الفتاة مغامرة لا تقل في خطورتها عن كبرى مغامراتي التي قمت بها وأنا عضو في أسرة «أ». وفي ليلة الزفاف أتى «ب» دون دعوة، وأهداني قارورة من أفخر أنواع النبيذ الأحمر. وهمس في أذني وأنا معه آخر الليل: صُن سرك في أعماق قلبك وحده.
وواصلتُ حياتي ما بين الديوان والحدائق العامة وعش الزوجية فوق مطعم فلسطين. وكان الاجتماع لم يُسبق بمثله؛ إذ تخلف عنه لأول مرة أحد الزملاء. وأشار «ب» إلى المقعد الخالي وقال بأسًى: أُلقي القبض عليه.
فذُهلت أنفسنا وتغيرت ألواننا، فقال: لعله تهاون في الكتمان.
فقال زميل: قد يدفعه التعذيب إلى الاعتراف بما يهدد أمن الأسرة.
فقال: من أجل ذلك سنؤجل اجتماعاتنا إلى أجَل غير مسمًّى، وسنختار مكانًا آخر. على أني متيقن أنه سيتحدى الموت قبل أن يعترف!
رجعت إلى وحدتي الأولى. وانسربت إلى نفسي سموم الهواجس والمخاوف، فتوقعت أن تصل إلى عنقي القبضة الحديدية في أي وقت من ليل أو نهار. أجَل، كانت حياة كل زميل مجهولة تمامًا من بقية الزملاء خارج نطاق العمل المشترك، ولكن أيُّ ضمان ثمة لذلك؟! كانت أيام خوف وضياع. وصادفني يومًا أحد الزملاء في ميدان العتبة. صافحني خارقًا تقاليدنا الثابتة وقال: معذرة، ثمة أخبار غاية في الخطورة.
تولاني رعب من قبل أن يُفصح، واستوضحته بعينيَّ دون لساني، فقال: قبضوا على رئيسنا «ب» نفسه!
فهتفت بفزع: من أين لك هذا؟
قال بغموض: شائعات تطايرت في مكان عملي، والشائعة في مكان عملي تُعتبر خبرًا!
تجهم وجهه حتى الظلمة، وقال: ويقال إنه قُتل وهو يُستجوَب!
هتفت: يا للفظاعة!
فقال: وثمة همس عن أن زميلنا المقبوض عليه أولًا قد باع نفسه، ودلَّ على الرجل!
فقلت باضطراب: يجب أن نهرب.
فقال بحنق: لا خوف من ناحيته بعدُ؛ فقد وُجد في السجن ميتًا بالسُّم، والتحقيق جارٍ مع الجميع.
وتابعت الصحف ولكنها لم تُشِر من قريب أو بعيد إلى جماعتنا. تُركنا في الظلام، وانقطعت الصلة بيننا وبين الجهاز، وانطويت على سري دون شريك أحاوره أو ألتمس عنده العَزاء. واحتوتني غربة وسط عالَم مُعادٍ لا أدري متى ينتشلني اليأس من العذاب. واستدعاني رئيسي المباشر في الديوان وسألني: ما لك؟ لست كعادتك، أهو الزواج؟
فادعيت المرض فقال: قُمْ في إجازة تجنبًا لمزيد من الأخطاء.
هربت من الديوان لأسقط بكليتي في قبضة نفسي. أما زوجتي فأرادت أن تُخفِّف عني بعض ما لمست من اضطرابي فقالت: ستكون أبًا يا حبيبي.
فتظاهرت بسرور لم أعُد أتذكر طعمه أو رائحته. واتجه فكري إلى رئيس الجهاز الأعلى، فتساءلت عما يدبر لرتق الفتق الذي مزَّق جهازه؛ كيف يصل ما انقطع؟ وهل يعلم بما نعاني في ضياعنا، أو يفكر في التخلص منا حفظًا لأمن جماعته كما تخلص من زميلنا الخائن؟! وانطوت الإجازة، ورجعت إلى عملي، وكلما مرَّ يوم دون مفاجأة أخلدت إلى شيء من الطمأنينة، حتى بتُّ أعتقد أني راجع حتمًا إلى تفاهة الحياة ومرارتها اليومية كفرد من ملايينها الذين يتعذَّبون ويتشكَّون ويتصبرون وينتظرون دون جدوى. وقلت لنفسي على سبيل التعزِّي: لعل التفاهة في النهاية أرحَمُ من الخوف والضياع. وتعاقبَت الأشهُر حتى خرج وليدي الأول إلى الوجود، ومضيت أنهمك في مجريات الحياة اليومية. وذات صباح وعقب أُبوتي بشهر، دق جرس الباب فذهبتْ زوجتي لترى الطارق، ثم عادت لتقول بدهشة: يقول إنه مندوب شركة الشرق للتأمين!
فذهبت بنفسي إلى الباب، وسألته عما يريد، فقال بصوت عريض مليء: اسمح لي بخمس دقائق، إني قادم من أجل ابنك، ربنا يحفظه بعين رعايته.
وجلسنا في حجرة الاستقبال متواجهينِ. كان متوسط الطول، متين البنيان، أنيق المظهر، بشوش الوجه كما يجدر بتاجر، قوي النظرات، بيده حقيبة، وجاءت زوجتي مدفوعة بحب الاستطلاع، فانتظر حتى جلست وقال: جئت يوم الجمعة لأضمن لقاءك، ومهمتي هي صميم عملي؛ فنحن نتابع المواليد ونزور الأُسر لإقناع الآباء بالتأمين على الأبناء، ويا بخت مَن يرى غده في يومه!
فسألته زوجتي: أيكلِّفنا ذلك ما لا نطيق؟
فأجاب بنبرة مُشجعة: التأمين أصلًا للذين لا يملكون، وهو درجات، ولكلٍّ درجته، وإن بَعْد العسر يسرًا.
وفتح حقيبته فتناول كراسة أعطانيها وهو يقول: إنها حاوية لكافة الأنواع، وستجد فيها ما يناسبك إن شاء الله.
ونهض قائمًا، فاصطحبته إلى الباب مودعًا. ودسَّ في يدي ورقة، وصافحني وهو يهمس: لا علاقة لي بشركة التأمين، اقرأ ما في الورقة بعيدًا عن عينَي زوجتك، ستجد فيها المكان والوقت فلا تتأخر.
قال ذاك وذهب. وددت لو بقي دقيقة أخرى ليبلَّ ريقي الجاف. هكذا بُعثتُ فجأة واشتعلت روحي بالنار المقدسة من جديد. رجعتُ إلى الحياة ومعاناة الإحساس المُضني بحمل الأمانة.
وفي الموعد كنت في بيت عتيق بالقلعة، يقع في بقعة فاصلة بين العمران من ناحية وبين مدينة الأموات من ناحية أخرى. وكالعادة الأسرة الجديدة مكوَّنة من خمس يرأسها «ج» (مندوب شركة الشرق)، أما الأربعة الآخرون فكان اثنان منهما — أنا أحدهما — من أسرة المرحوم «ب»، وواحد زاملته في أسرة «أ»، والرابع جديدًا لم تقع عليه عيناي من قبل. قال «ج»: مضى ما يقارب العام دون اتصال.
فقلت من فوري: عام محنة وعذاب.
أما زميلي من أسرة «ب» فتساءل: هل عادت أسرتنا القديمة، أسرة «ب»، برياسة جديدة؟
فقال «ج»: أسرة «ب» موجودة برياسة جديدة، أما هذه الأسرة فهي أسرة جديدة بالنسبة لكم.
وتنحنح ثم واصل حديثه: لم يمضِ العام هدرًا، كلا، ولكنه مضى في التحري والمتابعة والمراقبة، كان على رئيسنا الأعلى — وهذا محض ظن مني — أن يطمئن إليكم، وأن يسبر غَور الشرطة وعيونها الشرهة، وأعتقد أني تلقيت أوامره في الوقت المناسب.
وقلت لنفسي إن هذا الرجل يعني ما يقول، وإنه قادر على ملء الفراغ بالثقة، وسرعان ما أحببته. أما هو فقال: أهلًا بكم في أسرتكم الجديدة، هي الأخيرة أيضًا، يليها مباشرةً الجهاز الأعلى، ولا أُخفي عنكم أني أتلقى التوجيهات من السكرتير العام نقلًا عن الرئيس الأعلى حفظه الله ورعاه.
وأشعل سيجارة، آذنًا بإشارة لنا بالتدخين لمن شاء، ثم قال: ولعلكم تتساءلون عن أسلوب العمل، أول ما أقول إنه يقوم بصفة مبدئية على القواعد المرعية في الأسرتين السابقتين، فلا يجوز أن تُهمَل تجربة ناجحة أثبتت جدواها، فلا تنسوا ما تمرَّستم به في أسرتكم الأولى، وما تمرستم به في أسرتكم الثانية، بالإضافة إلى ما سيجِدُّ، ولا تنسَوا أن جميع الأُسر وحدات في أسرة كبيرة واحدة ذات هدف واحد ورئيس واحد.
وقلَّب عينيه في وجوهنا، ثم واصل حديثه: وفي كل أسرة طالبوكم بحب زملائكم فيها، وهو أول مطلب أطالبكم به في نطاق أسرتكم، ولكنكم مطالَبون إلى ذلك بحب الجميع بلا تفرقة؛ وفاءً بحق المنبع الذي منه نهلتم، ولو لم يبادلوا حبكم بحبٍّ مثله؛ لجهلهم بوجود أسرتكم!
وتمهل قليلًا ثم قال: وعملنا عجيب، ومحيِّر إلا لمن يعقل. يحتاج إلى الصبر كما يحتاج إلى التهور، إلى التضحية بالمال والروح والحرص على المال والروح، إلى الاعتماد على النفس والتوكل على الله، إلى الزهد في كل شيء، والشكر على كل طيب، إلى حب الحياة وحب الموت!
وانتظر حتى نفذت كلماته إلى أعماقنا، وراح يقول: وقد ألفتم الطاعة فيما مضى، وما زلتم مطالَبين بها هنا فيما أنقل إليكم من أوامر. ولكنكم مطالَبون بالإبداع فيما عدا ذلك. لا راحة ولا كسل ولا رجوع إليَّ إلا فيما أبلغت من أوامر صريحة، وقد تمرستم بكافَّة الأساليب، ولكم أن تضيفوا إليها ما تقتنعون بصوابه، ومصيركم رَهنٌ بفطنتكم.
ولأول مرة أشعر بأن المهمة أشقُّ مما تصورت؛ فإذا به يقول: وما العاقبة؟ .. قد تكون الشرطة والعياذ بالله، أو ميتة بطولية، أو الترقي إلى مكتب الرياسة!
ولم أتمالك أن رفعت إصبعي؛ فأذِن لي بالكلام، فقلت: تصورت أنني كلما اقتربت من الرياسة أن تجب الطاعة أكثر، ويقل الاعتماد على النفس.
فقال بثقة: تصوُّر خاطئ؛ فرئيسنا حُر، وما كانت ثورته إلا من أجل الحرية.
فتماديت في السؤال قائلًا: لمَ لا يسمح لنا القائد لنستمد منه الشجاعة والقوة؟
فأجاب: لا سبيل إلى ذلك إلا بالعمل إلى ذلك؛ فهو يتابع العمل بكل يقظة.
فتماديت أكثر قائلًا: رغم ذلك؛ فقد ترك «ب» لجلَّاديه يقتلونه!
فرَنَا إليَّ طويلًا حتى عصرني الندم، ثم قال بصوت مهموس: لا أحد يملك أن يقطع برأي في مصير زميلنا العزيز …
وتبادلنا نظرات هاتفة جياشة، ولكنه قال بعجَلة وحزم: آن لنا أن نرفع الجلسة التي ما قصدت بها إلا التعارف، وإلى اللقاء!
وتعاقبت الاجتماعات، وتتابعت الأوامر، وكثرت الاجتهادات، وأنجزنا أعمالًا كبارًا، حتى لاح النصرُ في الأفق مثل إشراقة الفجر. وسقط كثيرون متلفِّعين بالبطولة، فزادنا ذلك استبسالًا وإصرارًا، وجعل رئيسنا «ج» يقول لنا كلما اجتمعنا: حقًّا إنكم لرجال!
أو يقول: سيرحل الشر عما قليل؛ فقد يئس من الأرض.
وكان ذا حلم يشجِّع على المناقشة، فقلت له ذات مرة: أما آن لي أن ألقى الرئيس؟
فقطَّب في غير غضب، وسألني في عتاب: أيداخلك شك في عدالة تقديري؟
فقلت بسرعة وصدق: معاذ الله يا سيدي.
– ألا يكفيك ما أنت في شغل به؟
فقلت بتوسل: أصبحت يا سيدي وكأنني من مجانين العشق.
فضحك ضحكة خفيفة، وقال: مَن يدري؟ لعلك رأيته وأنت لا تدري.
فرمقته بذهول غير مصدق، فقال: إنه — على مدى علمي — لا يعيش في برج عاجي، ولكنه يمارس حياته بين الناس، وربما غَشِي الأماكن التي تجوبها للعمل أو الراحة.
فقلت منكرًا: لو لمحته للفت نظري بقوة شخصيته.
فقال باسمًا: ما أكثر الأشياء الجديرة بجذب الأنظار، لولا انغماسنا في الأمور العابرة!
ردَّدت قوله على مسمع قلبي طويلًا، وكِدت أُشغل به عن كل شيء، لولا نداء العمل الذي لا يكف عن الصراخ.
•••
وتواصل النجاح واقترب الشروق، حتى انفجر رأي لم يقنع بكافة الإنجازات التي تمَّت، وتلهَّف على النصر النهائي. من أي أسرة انبثق ذلك الرأي؟ أم هل انبثق في الأُسر الثلاث في وقت واحد؟ بدأ بدعوة إلى عقد مؤتمر عام تحت الإشراف المباشر للرئيس الأعلى؛ لإعادة النظر في الخطة من أولها إلى آخرها. ولما لم تلقَ الدعوة القبول وقع ما يمكن اعتباره التمردَ الأول في الجماعة؛ فقد اجتمع ممثلون عن الأسر، وتسابقوا في عرض تصوراتهم الجديدة. واحتدم النقاش حتى انتهى بكل فريق إلى التحيز إلى أسرته، وإيثار أسلوبها على جميع الأساليب والمناداة العامة بالانضواء تحت لوائها. وزلَّت القدم زلة أخرى فراح كل فريق يسخر من أساليب الفرق الأخرى. وارتفعت موجة الغضب إلى تبادل السباب والشتائم، ثم انزلقوا إلى الاشتباك بالأيدي والأرجل، وتمزقت الوحدة، وانعزل الناس الطيبون وهم يذرفون الدمع، متوقِّعين أن تنقضَّ الشرطة في الوقت المناسب، فتقوض البناء من أساسه. ولم أصدق ما أرى وما أسمع، وقطَّع الأسى قلبي، وهُرِعت إلى رب أسرتي، وقلت له: ما حدث لا يُصدق.
فقال بحزن: هذه الأمور تحدث.
فتساءلت بحسرة: أبعد مشارفة النصر نقع في اليأس؟
فهتف بحدة: لا تلمس اليأس بلسانك!
– أما يزال لديك أمل؟
فقال بنبرة قوية واضحة: انتظر، كلا، لا تنتظر. اندفع بلا تردد لصنع ما هو صادق وطيب، ما هو إلا امتحان؛ وككل امتحان، فالأجوبة الصحيحة معروفة من قبل.
وتلقيت كلماته كما يتلقَّى الظمآن قطرة من الماء العذب.