الفصل الأول
نظرت آنا إلى القبر المفتوح. وأخذ الغضب يتأجَّج في صدرها، وكأنه نار لاهبة بحُمرتها، حامية في حرارتها، ولكنها لن تذرف الدمع على أية حال. غرست أصابعها في راحة يدَيها حتى سكتَ عنها الغضب. منَحَها الشعور بالألم فرصةً كي يصفو ذهنها.
كان تابوتًا عاديًّا، مصنوعًا من خشب الأشجار التي تُغطِّي المنحدرات السفلية للجبل. امتلأ هذا الجزء الشمالي من جزيرة تينيريفي — حيث كانوا يعيشون بالقُرب من الجبل الأسود — بغابات الصنوبر وبساتين الأرز. كان عالَمًا تكسوه الخضرة، مليئًا بأشجار العنب. أما الجزء الجنوبي من جزيرة تينيريفي فكان طقسه جافًّا وأرضه جدباء، أو هذا ما سمعَتْه آنا. فثمَّة عدد قليل من الأشجار ينمو ولا يكاد المطر يتساقط أبدًا في هذا الجزء. يومًا ما، ستذهب آنا إلى هناك وتتحقَّق من الأمر بنفسها.
كانت هذه فترة ما بعد الظهيرة من أحد الأيام الباردة في أوائل مايو. تلبَّدت السماء بالغيوم، وهي الأجواء المناسبة تمامًا لإقامة مراسم جنازة — باستثناء، طبعًا، أنه لم يُقَم فيها قدَّاس على روح الميت من الأساس. فلا يجوز دفن رجل منتحر في أرض مقدسة. «تلك خطيئة مهلكة»، هكذا أخبرها القس. كان القس ذا وجهٍ نحيل حادِّ الملامح، تفوح منه أنفاس كريهة، وينسدل على كتفَيه شعر دُهني طويل. تعلَّمَت جميع فتيات البلدة تجنُّبه.
بدلًا من ذلك، جاءت آنا، وأُمها وأخواها إلى هنا — إلى هذه البقعة من قطعة الأرض الصغيرة التي يمتلكونها — من أجل دفن والدِهم تحت أشجار كروم العنب. كانت هذه الأسرة هي الوحيدة التي تتكسَّب قوت يومِها من زراعة العنب وصناعة النبيذ، مثلها في ذلك فرد أو اثنان من المزارِعين.
ارتجفت آنا وانتابها شعور مُفاجئ بالبرودة. ظلَّت واقفةً بلا حراك لفترة طويلة جدًّا. نظرت حولها. لقد رحل الجميع، حتى أُمها التي تُواري وجهها وراء وشاحٍ أسود من الدانتيل. لقد شعرت آنا بأحدهم يلمس كتفها لدى مغادرة الآخرين. لم تكُن تعلم ما إذا كانت هذه لفتةَ دعمٍ أم شفقة. ولم يبقَ في المكان سوى الرجل الذي تقاضى أجرًا نظير حفره القبر بلا شاهد يعلوه. وقف متكئًا على مجرفته على بُعد خطوات قليلة منها، كان ينتظر رحيلها حتى يتمكَّن من إنهاء المهمة.
نظرت آنا إلى أسفل مرةً أخرى. كان أحدهم قد نحت اسم والدها على الصندوق؛ توماس بيريز. لا شيء آخَر. لم يكُن هذا كافيًا ليُعبِّر عن حياة.
تمتمت بالإسبانية قائلة: «آسفة.» ثم أشارت آنا إشارة الصليب على نفسها، ووضعت هديتها — وهي عبارة عن باقة من الزهور البرية البيضاء والأرجوانية — على غطاء التابوت. تبع ذلك صوت مكتوم خافِت، ثم انفك الشريط لتتبعثر الزهور إثر ذلك.
قالت: «ارقد في سلام يا أبي،» ثم أومأت برأسها إلى حفَّار القبور.
بينما ابتعدت آنا، وهي تُجرجر خُطاها بتنُّورتها الطويلة لتكنس الغبار، سمعت صوتَ التراب ينهال على التابوت، ليُواري رفات والدها في تلك البقعة من الأرض التي هام بها حبًّا.