الفصل الخامس عشر

لم يعُد أنطونيو يعرف إلى متى سيظل صامدًا أمام ضرباتهم وأسئلتهم.

كان قد اقتيد إلى الزنزانة الموجودة في الميناء. بدأت مُعاناته عندما تبدَّل ضوء النهار وحلَّ الظلام محلَّه. لم يعُد لدَيه إحساس بالليل أو النهار. كان هناك فقط شعور بالألَم والاستراحات القصيرة بين نوبات الألَم. كانت عينه اليسرى مُغمضة ومتورِّمة وتغلغل مذاق الدم في فمه. كُسر أنفه وتخلخلت العديد من أسنانه.

شعر أنطونيو برأسه يُسحَب إلى الخلف.

«سأسألك للمرة الأخيرة. ماذا قال لك توماس بيريز؟»

جاهد أنطونيو ليتحدث. فأجاب: «لم يُخبرني بشيء.»

أعدَّ نفسه ليتلقى ضربة أخرى. كان مُوثَقًا إلى كرسي، وكانت ذراعاه مُوثَقَتَين بالعوارض الخشبية. هذه المرة، سُدِّدت القبضة إلى بطنه. توجَّع أنطونيو من الألم.

قال الرجل: «أنت تعلم أننا نحتجز الآنسة بيريز أيضًا، أليس كذلك؟»

اعتاد أنطونيو الصوت. لم يكُن هذا صوت العمدة نفسه، رغم أنه لم يُراوده أدنى شك في وجوده بمكانٍ قريب. وإنما كان هذا صوت أحد مُساعديه المُقربين. استطاع أنطونيو أن يشمَّ رائحة معطفه الجلدي الطويل. ومن أسفل غمامته، استطاع أن يرى بيادة الجندي.

سارعه بالرد: «إنها مجرد فتاة.»

«هي في السادسة عشرة من عمرها. ناضجة بما فيه الكفاية.» شعر أنطونيو بأن وجه الرجل يقترب منه أكثر. وأردف قائلًا: «وعُرِف عنها أن والدها كان يثِق بها.»

«أُقسم لك بحياتي أن بيريز لم يُخبرها بشيء.»

شعر أنطونيو بأن الرجل بدأ يلين. قال: «ستُسامحني إذا قلت لك إنني لا أُصدق كلامك بهذا الشأن.»

سمع همسًا، ثم سمع صوت العمدة.

قال: «أحضروا الفتاة إلى هنا، وسنرى ما تعرفه.»

«كلَّا!» صارع أنطونيو فوق الكرسي ليُحرِّر نفسه. ثم سمع وَقْع خطوات تَعبُر الغرفة وضحكات الجنود، وهو ما بثَّ الرعب في نفسه. فقال: «كلَّا، اتركوها وشأنها.»

•••

تحسَّسَت آنا الحافة بأصابعها واقتربت من الأرض بقَدْر ما أمكنها. تعيَّن عليها أن تتحلى بالشجاعة وتترك نفسها لتسقط الأقدام الأخيرة التي تفصلها عن الأرض.

همس كارلوس إليها: «إننا على ارتفاع قامة رجلٍ فحسب.»

عدَّت آنا إلى ثلاثة، ثم تركت لنفسها العنان. وللحظة، كانت تسقط. ثم، شعرت بارتطام كاحلَيها وسقطت لتتدحرَج على الأرض.

قال كارلوس وهو يُساعدها على النهوض: «لا عليكِ. هذا لم يكُن سيئًا.» قالت آنا، مُمسكة بيده: «أنت أشجَع منِّي. يجب أن أذهب إلى أُمي. ستكون خائفة.»

قال كارلوس: «قالت الأرملة سيلفا إنها ستذهب وتجلس معها. كانت هذه فكرة رودي.»

تنفَّسَت آنا الصعداء. وأردفت: «جيد. سنذهب لتفقُّدهما بمجرد أن نُطلق سراح أنطونيو.»

صدر عن الجبل الأسود صوتٌ مدوٍّ آخَر. تقارب وقوع الانفجارات الصغيرة على فتراتٍ أقصر من ذي قبل. سمعت آنا كارلوس يلتقِط أنفاسه.

قال كارلوس: «آنا، ماذا سنفعل؟»

أجابته: «لنبحث عن الآخرين.»

قال بنبرة صوت خافتة: «كلَّا، أقصد إذا ثار الجبل البركاني.»

نظر كلاهما إلى أعلى. توهَّجَت سماء الليل حول الفوهة على نحوٍ أكثر شراسة. تواتر صوت وقوع الانفجارات الصغيرة على نحوٍ مُتكرِّر أكثر.

أمسكت آنا بيد أخيها. وقالت: «هيا نبحث عن الآخرين.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥