الفصل السادس عشر
مكث أنطونيو وحيدًا في زنزانته، رغم أن الجنود وقفوا على أُهبة الاستعداد خارج الباب.
حاول فكَّ وثاق الحبل الذي يُقيِّد يدَيه، لكن لم تُجْدِ محاولته نفعًا. شعر باليأس. لم يكُن أنطونيو يهاب الموت؛ ولكنه وعد توماس بيريز أنه سيحمي أُسرته إذا وقع له أي مكروه.
لقد أخفق.
وعَبْر قضبان النافذة سمع صوتًا مدوِّيًا أعلى، كصوت هزيم الرعد فوق الرأس. وحتى في خِضَمِّ مِحنته، أدرك أنطونيو أن الأصوات القادمة من الجبل كانت تقترب أكثر فأكثر. لم يكُن أمامه مُتَّسع من الوقت آنذاك.
تحدَّب كتِفا أنطونيو. وحتى هذا فشل في الوفاء به أيضًا.
بذل قصارى جهده لكي يُحذِّر البلدة من الخطر المُحدق، لكنهم لم يُنصتوا إليه. كانوا مُستقرين في بيوتهم الرائعة ومُنعَّمين في ملابسهم الجميلة، بالإضافة إلى الثروة التي جلبتها السفن التجارية معها إلى الميناء. لم يُصدِّقوا أن الجبل الأسود سينقلب عليهم بعد كل هذه السنين الآمنة التي عاشوها في كنفه.
فجأةً، سمع صوتًا آتيًا من ورائه. ضجيج مكتوم. وعلى الرغم من أن عينَيه كانتا مَعصوبتَين وكانت الأجواء مُظلمة بحق، شعر أن شخصًا — أو شيئًا — موجودًا معه في تلك اللحظة بالزنزانة. أكان هذا جرذ؟ كانت الزنزانة تعجُّ بالجرذان كما هي الحال في الميناء ذاته.
غضَّ صوته قائلًا: «مَن هناك؟» ثم تساءل في نفسه ما إذا كان هذا هو المُخطط منذ البداية. ربما تركوه وحده في الزنزانة حتى يتمكَّن أحدُهم من الدخول عليه واغتياله.
تأهَّب أنطونيو، وقد توقَّع بشكلٍ أو آخَر أن يشعر بسكين تُستل وتخترق رقبته. وبدلًا من ذلك، شعر أن وثاقه يُحَلُّ والعصابة تُنزع من على عينَيه.
ومع ذلك، لم يختلف الأمر؛ إذ هبَّ أنطونيو واقفًا من على الكرسي، متأهبًا للدفاع عن نفسه.
صرخ رودي: «لا تؤذِني!»
حدَّق فيه أنطونيو بدهشة. قال: «باسم الرب، كيف دخلت هنا؟»
أشار رودي إلى النافذة العالية. قال: «حمَلَني بابلو وانزلقتُ عَبْر القضبان.»
عقدتِ الدهشة لسان أنطونيو. كان رودي ضئيل البنية شديد النحافة، وحتى مع ذلك كان من المُدهش أن يتسلَّل الصبي عبر القضبان بسهولة.
قال: «رودي، لا يمكنك البقاء. سيُعاقبونك إذا وجدوك هنا. لا أريد أن يُؤنِّبَني ضميري على هذا.» ثم رفع ناظرَيه مرة أخرى إلى النافذة. وأردف: «ما من سبيل يُمكنني من الخروج بهذه الطريقة.»
لم يُلقِ رودي لقوله بالًا. وأردف: «هناك حارسان فقط بالخارج. علينا أن نجعلهما يفتحان الباب. سيُشتِّت بابلو انتباههما.
نظر أنطونيو إلى الصبي ذي الأسمال البالية. كان رودي وحيدًا دائمًا، يتحاشاه الصبية الآخرون دومًا في ألعابهم. ولكنه بدا الليلة أكثر جرأة وإقدامًا. لم يرَ أنطونيو أن ثمة أملًا في نجاح الخطة، إلا أنه تأثر بجهود الصبي الرامية لمساعدته.
قال: «حسنًا.»
نظر أنطونيو حوله في الزنزانة. كان الشيء الوحيد الذي بمقدوره استخدامه كسلاح هو الكرسي نفسه. قال: «قف خلف الباب.»
بمجرد أن اتخذ رودي موقعه، بدأ أنطونيو يخبط الكرسي على الأرض، محاولًا نزع الأرجل. وبدأ يصرخ.
صرخ قائلًا: «مرحبًا! أيها الحراس!»
على الجانب الآخَر للباب، سمع صوت الجنود. صفع أحدهم الباب بطرف بندقيته.
«الزم الهدوء بالداخل.»
لم يكترث أنطونيو؛ وإنما واصل الصراخ وخبط الكرسي بالحائط والأرضية. انخلعت رجل أخرى من الكرسي، مرَّرَه إلى رودي ليستعمِله كسلاح.
قال أنطونيو: «هاجِمه من عند ركبتَيه.»
أومأ رودي برأسه.
صاح أنطونيو مرةً أخرى: «أيها الغبي! يا أحمق! تقف عندك طوال الليل، بينما ينام العمدة قرير العين في فراشه. لن يأتي حتى الصباح، بينما ما زلتَ أنت تقف هنا.»
«قلت لك الزم الهدوء!»
واصل أنطونيو إحداث الضجيج حتى سمع أخيرًا صوت المفتاح يدور في القفل. أومأ إلى رودي، الذي وقف متأهبًا ممسكًا بالرجل الخشبية المكسورة في يده السليمة.
وفي اللحظة التي بدأ فيها الباب ينفتح، سمعا أحد الجنود يصيح.
«مَن يلقي بهذه الأشياء؟»
ثم سمعا صوت بابلو بالخارج. كان يقول: «لا يمكنكم القبض عليَّ!»
صاح أحد الجنود غاضبًا: «تعالَ هنا!»
سمع أنطونيو وَقْع خطوات راكضة لحذاء بيادة ودعا أن يكون بابلو أسرع من الجندي. فجأةً فتح أنطونيو الباب على مصراعَيه على أمل أن يُباغت الجندي الثاني. اختل توازُن الجندي داخل الزنزانة. استهدفه رودي وهوى بالخشبة على ركبته.
صرخ الجندي عندما هوى أنطونيو بالكرسي على رأسه، ليُفقده الوعي. أمسكه من أسفل كتِفَيه وجرَّه إلى داخل الزنزانة، ثم تسلَّل الرجل والصبي وأغلقا الباب خلفهما. وضع أنطونيو المفتاح في جيبه وربَّت على ظهر رودي.
«أحسنت صنعًا.»
ومن الخارج، سمِعا صوت طلقة نارية. تجهَّم أنطونيو.
صاح رودي قائلًا: «بابلو!» وبدأ يركض بأسرع ما تسمح به ساقه المعاقة.