الفصل السادس
تحامَلَت آنا لتقف على قدمَيها.
كانت آنا قد غابت عن المنزل لفترة طويلة جدًّا، إلا أنها كانت بحاجةٍ للتحدُّث مع أنطونيو، صديق والدها المُقرَّب. عاش أنطونيو على مسافةٍ بعيدة أعلى الجبل. من شأنه أن ينصحها بما ينبغي أن تفعله.
كان أنطونيو راهبًا، اختار أن يقضي أيَّامه في عزلةٍ بكوخ على منحدرات الجبل الأسود. كان يُربِّي عنزة من أجل الحليب ونادرًا ما ينزل إلى البلدة. اختلفت ملابسه عن معظم ملابس سكان الجزيرة. كان يرتدي سروالًا قصيرًا حتى رُكبتَيه وسُترة ضيِّقة. وكان لون شَعره ولحيته رماديًّا، ولكن لا أحد يعرف عُمره تحديدًا.
أحاطت به الشائعات مثلما يُحيط الضباب بالأجواء في فصل الخريف. بعضهم قال عنه إنه مجنون، وقال بعضهم الآخَر إنه مالكُ أراضٍ، ثريٌّ فقَدَ ثروته. وآخرون قالوا عنه إنه كان دخيلًا جاء من إحدى جزر الكناري الأخرى أو من البر الرئيسي. وزعم غيرُهم أنه تعرَّض للغرق إثر تحطُّم سفينته على الساحل الشمالي لتينيريفي وكان مُختبئًا. وقالوا إنه كان قرصانًا، أو إنه كان بحارًا، أو جاسوسًا لملك إسبانيا. ولم ينفِ أنطونيو شيئًا من هذا، ولم يُعلِّق بشيء، وإنما واصَلَ نشاطه الهادئ فحسب.
كل ما عرفَتْه آنا هو أن أنطونيو أكثر صديق يثِق به والدها. لقد عارضَ بثباتٍ الأثرياءَ القليلين الذين فرضوا سيطرتَهم على البلدة مثلما فعل والدها تمامًا. كان العمدة والكاهن شقيقَين وينتميان إلى عائلةٍ ثَرِية من إسبانيا تشتغل بتصنيع النبيذ. وكان الأخ الثالث يعيش على البر الرئيسي ويشتري النبيذ ويبيعه. وكانت الأخت الوحيدة مُتزوجة من رجلٍ لدَيه أسطول من السفن وأموال طائلة. لم يُبدِ أيٌّ منهم احترامًا لعادات الجزيرة وتقاليدها.
فعندما حاول العمدة إجبار والدِها على بيع أرضهم له، ساعد أنطونيو عائلة بيريز على التصدي له. وعندما جاء الرجال في الليل بالمشاعل لإحراق أشجار الكروم الخاصة بهم، كان أنطونيو هو مَن دقَّ ناقوس الخطر.
ركضَتْ آنا مرَّة أخرى على الطريق وكانت على وشك البدء في الصعود إلى كوخ أنطونيو، عندما أوقفها صوتٌ وهي في طريقها.
«آنا!»
تردَّد صدى اسمها وسط جنبات الجبل.
«آنا!»
الْتَفتت. وعلى المنحدر خلفها، استطاعت أن ترى أحد أخوَيها التوءم يُلوِّح بذراعَيه. ظنَّت أنه بابلو. فعلى الرغم من أن الشقيقَين التوءمَين كانا مُتشابهَين في مظهرهما الخارجي، كانت شخصياتهما مختلفة تمامًا. كان بابلو صاخبًا، دائم الصراخ. بينما كان كارلوس هادئًا، دائم الإنصات.
تظاهرت آنا بأنها لم تسمع.
«يجب أن تأتي! أُمي تريدك.»
لم تستطع سماع ما كان يقوله، ولكنها خمَّنَت ما أراده من إشارات يده. كان يتعيَّن عليها العودة إلى المنزل. سيتعيَّن عليها تأجيل زيارتها إلى أنطونيو حتى الغد.
الْتَفتَت آنا بتنهيدةٍ ونزلت لتلحَق بأخيها.