سقوط دارفور
في ذلك الوقت كنت قد شفيت من مرضي — الدودة السودانية — وشعرت بأني أقوى على الخروج في تجريدة أخرى، ولكن عدد أتباعي المخلصين كان قد نقص نقصًا سيئًا، وأيضًا قلَّت ذخيرتنا، وكان سيد بك جمعة يرسل إليَّ بأنه غير قادر على أن يسعفني بما أطلب من الذخائر، واحتج في ذلك بأن عرب الزبدية والمهرية قد بدا منهم شيء من العصيان، حتى إنهم استولوا على مواشي بعض الناس المقيمين في جوار الفاشر، وعندما طلب منهم ردها رفضوا.
وكانت كل آمالي معلقة الآن بنجاح جيش هكس باشا، وكان من حسن حظي أني كنت أجهل الطريق الذي اتخذه، كما كنت أجهل أيضًا الحالة المعنوية السيئة التي كان فيها الجيش، وكان قد مضى عليَّ الآن نحو عام لم أتسلم فيه أية رسالة من الخرطوم، وكنت قد لجأت إلى الحيلة لكي أحتفظ بحماسة رجالنا؛ فادعيت بأنه جاءتني أخبار عن انتصارات الحكومة، وقد أذعت هذه الأخبار في شكل رسائل ملفقة قرئت علنًا على الجيش وقوبلت بإطلاق المدافع وهتاف الجنود، والحقيقة أني أنا الذي لفقت هذه الأخبار، ومن الحق أن أقول إني تسلمت في هذا الوقت رسالة صغيرة من علاء الدين باشا، يقول فيها إن الخديو قد عينني قائدًا عامًّا لجيوش دارفور، وإن الحكومة قد عزمت على إرسال قوة لمعاقبة الثائرين، وأرسلت نسخًا عديدة من هذه الرسالة إلى الفاشر وكبكبية، وأمرت بإذاعتها بين الجمهور وإطلاق النار عند قراءتها، واحتفلت بمقدم حامل هذه الرسالة احتفالًا كبيرًا وأثقلته بالهدايا، وأعلن أمامنا أنه عندما غادر الخرطوم كانت الحكومة تهيئ التجريدة التي قال عنها إنها لا بد منصورة، وكان الواقفون على الحالة مترددين في تصديق هذه الأقوال، ولكنهم سروا مع ذلك لهذه الأخبار.
وبعد أيام قليلة عاد إليَّ خالد واد إمام، الذي كنت أرسلته إلى كردوفان ليأتيني بصحيح الأخبار، وأفضى برسالة شفوية من زوجال، يقول فيها إن الحكومة تهيئ تجريدة لمقاتلة المهدي. ولكن بعد أيام قبض على رجل قريبًا من شقة ومعه خطاب من خالد للمادبو يطلب منه أن يستعد للقائه قريبًا لكي يساعده في إتمام مشروع، فلم يبق عندي شكٌّ في أن خالدًا قد انضم إلى زوجال وصار خادمه المخلص.
وللحال أمرت بالقبض على خالد وإحضاره إليَّ، فاعترف بأن زوجال قد أمره بأن يأخذ زوجاته إلى مكان مأمون خارج عن منطقتي، وأن يحضر زوجتين منهن إليه في كردوفان، وهذا هو سبب كتابته تلك الرسالة للمادبو.
فأمرت بالقبض على أسرة زوجال وتقييد خالد، ثم استصفيت أملاكهما وضممتها إلى بيت المال، وأقمت حراسًا على أملاك المقبوض عليهم الآخرين.
وصارت الصعوبات تتكاثر عليَّ يومًا بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة. ولم أكن لأبالي كثيرًا بخيانة زوجال؛ فقد كنت دائم التوجس منه قليلًا، ولكني قلقت قلقًا شديدًا للأخبار السيئة التي جاءتني عن تجريدة هكس.
وكان وقتي مقسمًا بين ذهابي وإيابي من القتال في قمع الفتن التي أخذت في الانتشار بسرعة مدهشة؛ ففي أحد الأيام أخرج لمنازلة المادبو، وبعد يوم أخرج لقمع فتنة قام بها رئيس آخر، ثم جاءتني في أحد الأيام أخبار هزيمة دارهو أمام الميما، فاقترحت على الضباط إخلاء دارة وحصر قوانا للدفاع عن الفاشر، ولكنهم رفضوا.
أضف إلى كل هذا ذلك الخلاف الذي فشا بين أولئك الذين كنت أحسبهم من أخلص المخلصين لي؛ فإن حسن واد سعد النور، الذي حصلت له على العفو في الخرطوم — كما يذكر القارئ — والذي ضمنت ولاءه للحكومة وأذنت له بالإقامة في دارة، والذي أعطيته منزلًا بجانب القلعة، وحين مات جواده أعطيته جوادًا آخر، والذي استخلصته لجلب الأخبار واثقًا من ولائه وطاعته؛ قد خانني وتناسى كل هذه المروءات والأفضال التي تكرمت بها عليه، وركب الجواد الذي أعطيته له وذهب إلى المهدي فصار من أخلص أتباعه.
وكانت المواصلات بيني وبين الخرطوم قد انقطعت منذ مدة بعيدة؛ فإن المهديين كانوا يقظين وكانوا يقبضون على أي إنسان أرسله بخطاب إلى الخرطوم. وتمكنت في إحدى المرات وأنا أقاتل بني حلبة من إرسال خطاب للقاهرة بواسطة قافلة كانت سائرة إلى أسيوط في طريق الأربعين.
ولكن طرق تخبئة الرسائل التي اتبعتها إلى الآن كانت قد عرفت، فلم يعد في الإمكان استعمالها، ومن هذه الطرق وضع الرسالة بين نعلي الحذاء أو بين أديمي المزادة أو في قصبة الرمح.
وكنت في أحد الأيام أنظر في شئون القلعة فرأيت الجنود يعالجون حمارًا به عرج في ساقه الأمامية، فألقوه على الأرض ثم فتحوا في جلده على الكتف فتحة أدخلوا فيها خشبة صغيرة، ثم حززوه تحزيزات وذروا النطرون على الجروح وأخرجوا الخشبة، فخطر في بالي أن أرسل تحت جلد حمار بهذه الطريقة إلى الخرطوم، وانتخبت حمارًا طيب الجرم ثم أدخلته منزلي حيث لا يرانا أحد، وكررت هذه العملية ووضعت في الفتحة التي فتحتها مذكرة صغيرة لففتها في مثانة جدي، ولم يكن حجم هذه الرسالة يزيد عن طابع بريد، ثم خِطْتُ الجرح بخيط من الحرير ونهض الحمار بعد ذلك كأن لم يكن به شيء، وأخبرني الرجل الذي ندبته لإرسال هذه الرسالة بأنه سلمها لعلاء الدين باشا في الشط قبل أن تقوم التجريدة بيوم أو يومين إلى الأبيض، وأنه أخبر الرسول بأن الرد غير ضروريٍّ، وأنه سيصحبه إلى الأبيض حيث يرسله من هناك إليَّ بخطاب.
وكانت حالتنا من حيث المدخر من الذخائر سيئة جدًّا؛ فإن مجموع ما كان لدينا من الخراطيش لم يكن يزيد عن ١٢ علبة لكل بندقية، فإذا غامرنا بقتال فإن نصف هذه الكمية يذهب في أول معركة، ولم يكن هناك أمل بالإسعاف، فأخذت أفكر في أحسن طريقة للثبات بدون أن نفقد ذخيرتنا القليلة، واضطررت لذلك إلى أن ألجأ إلى الحيلة كسبًا للوقت.
فوسطت بعض العرب الموالين لنا لكي يفاوضوا الثائرين ويقولوا لهم إننا مستعدون للتسليم، ولكن لا يمكننا أن نسلم لهم؛ إذ لا ثقة لنا فيهم بعد قتالنا المتواصل مدة طويلة؛ ولذلك إذا أرسل المهدي رسوله فإننا نسلم له البلدة وحكومة المديرية.
وكنت في هذا الانتظار أتسقط الأخبار عن حملة هكس وأحسب المدة التي يجب أن تصل في نهايتها إلى الأبيض؛ حيث يقاتل الفريقان وتقع الوقعة الحاسمة، وكنت أختلف إلى السوق وأتحادث مع الأهالي عن الأحوال، وكان كل أحد يعرف أن جيشًا عظيمًا قد أنفذ إلى الأبيض، ولكن لم يكن أحد على يقين من النتيجة.
وأخيرًا حوالي آخر نوفمبر شاعت الإشاعات عن هزيمة الجيش، وكان على هذه الإشاعات مسحة الصدق، ولكننا مع ذلك تعلقنا بالشك، ولكن بعد يوم أو يومين جاءنا الخبر الأكيد بأن الجيش المصري قد اصطلم، فانسدل علينا الغم جميعًا لهذا الخبر، وهكذا قضي علينا بعد هذه الشدائد والخطوب أن نقع في يد العدو وقد سُدت دوننا أبواب النجاة، ولكن هل بقي من بصيص من أمل بأن الأخبار قد بولغ في رواياتها؟
لقد كان عندنا هذا البصيص ولكنه انطفأ فجأة؛ إذ علمنا أن زوجال قد وصل إلى أم شنجة، وأن المهدي قد عينه «مدير عموم الغرب.»
وفي ٢٠ ديسمبر سنة ١٨٨٣ جاءني الرسول الذي كنت أرسلته إلى المهدي، وكان لابسًا جبة، فروى لي خبر الهزيمة المنكرة التي نالت الجيش، وناولني خطابًا من زوجال يطلب مني فيه التسليم ويخبرني عن هزيمة المصريين، ولكي يثبت لي هذه الهزيمة أرسل إليَّ بعض تقارير الضباط ومذكرات فاركار وأيضًا مذكرات أودنفان.
وفي المساء جاءني فرج أفندي وعلي أفندي الطوبجي ضابط المدفعية، وأخبراني بأن الضباط قد قرروا التسليم للمهدي لا لزوجال بك، وقد أوضحوا الأسباب التي ألجأتهم إلى هذا القرار؛ فإن كل واحد منهم قد اقتنع تمام الاقتناع بأنه لا سبيل الآن للحكومة أن تنقذهم، وأن الجيش في دارة لا يزيد عن خمسمائة وعشرة رجال، ومنهم عدد كبير لا يصلح للقتال، وأن الحالة المعنوية للجيش منحطة، ولا أمل في الحصول على أي انتصار، وأن الذخائر لا تكفي معركة واحدة سواء كنا مدافعين أو مهاجمين، وقالا لي أيضًا إنه لا يمكنني أن أسوم الجيش على القتال؛ لأن الجميع قد عزموا على التسليم، فأخبرتهما بأني سأفكر في هذا الموضوع وأخبرهما في صباح اليوم التالي عن رأيي الأخير.
وفي تلك الليلة لم تغمض عيناي، فجعلت أتحسر وأندب هذا الحظ الذي يقضي علينا بعد معاناة الشدائد والأهوال بأن نسلم ونخضع، ثم بعد الخضوع ماذا خبأه القدر لنا؟
وعرضت الحالة من البداية إلى النهاية وأنا في هذا السهاد، لقد مضى عليَّ أربع سنوات وأنا أجاهد لتثبيت الحكومة ومقاومة الفتن الداخلية التي قمعتها، ثم مقاومة حركة المهدي التي دخلت إلى أصول الإدارة وفشت فيها كالسوس وأخذت تتأكلها وتسري فيها من الغصون إلى الأوراق حتى ذبلت وجفت.
والخلاصة أن هذه الدعوة المهدية قد تغلغلت إلى قلوب الضباط والجنود؛ فقد كانوا قبلًا ينصبون لها العداء ويكافحونها لأني كنت ألوح أمامهم بقوة الحكومة وعودة سلطتها بنجاح حملة هكس، وبالفوائد التي تعود عليهم إذا ثبتوا على الولاء إلى حين يهزم الجيش المهدي. وكنت أجهد جهدي لكي أثبت للجنود والضباط ضرورة فوز الحكومة في النهاية، ولكن جاءت هذه الهزيمة المنكرة فانقطع كل أمل. وقد كافحت الدسائس من الداخل والخارج، والقارئ يعرف مبلغ النجاح الذي نجحته في ذلك، وكان يمكنني بواسطة الكمية القليلة من الذخائر التي لديَّ أن أقاتل بضع ساعات، ولكن هل كان من المتيسر أن يخضع لي الضباط والجنود في مثل هذا القتال؟ فقد ذهبت رغبتهم في القتال ولم يعد لي حقٌّ في أن أجبرهم على أن يضحوا بأنفسهم في قضية لم يعودوا يبالون بكسبها.
وبعد أن عرضت الموقف من جميع جوانبه، تبين لي أن التسليم ليس فقط أسلم السبل، بل هو السبيل الذي لا مفر منه. وبعد أن قررت في ذهني هذا القرار عدت إلى الوجه الشخصي للمسألة؛ فإني باعتباري ضابطًا كنت أمقت هذا التسليم، ولم أكن أخشى شيئًا أو أخاف على حياتي، وكنت واثقًا بأني إذا سئلت عن مسلكي في المستقبل يمكنني أن أبرر كل ما عملته.
ولكن لفظة التسليم نفسها كانت كريهة، وكان يكرِّهها أكثر في نظري أني أوروبيٌّ مسيحيٌّ، وأني سأكون بين آلاف من السودانيين كلٌّ منهم ينظر إليَّ كأني دونه في المقام. صحيح أني أسلمت وتركت ديني، ولكني لم أفعل ذلك إلا لكي أهدئ ثائرة الضباط والجنود عليَّ، وقد نجحت في غايتي أكثر مما توقعت، ولكن هذا العمل لم يكن وفق مزاجي، ولم أكن أدعي فهم الآراء الدينية بدقة تخولني الحكم على صلاح عملي أو فساده، ولكني كنت في قرارة قلبي مسيحيًّا مثل جميع المسيحين الذين أعرفهم، وعلى ذلك لم أكن أستمرئ الظهور بمظهر ادعاء الإسلام، دع عنك أني كنت أعرف أن تسليمي سيضعني في يد هذا المصلح الديني السخيف — المهدي — وأني سأضطر لذلك ألا أظهر فقط بمظهر المسلم العادي، بل بمظهر المؤمن بالمهدي المتحمس لدعوته.
فهل يمكن أحدًا أن يعتقد أني كنت أنظر للمستقبل بعين السرور؟ ومع ذلك يجب أن أعترف بأن هذه الاعتبارات الدينية لم يكن لها في نظري وزن يعادل تلك الاعتبارات الأخرى عن تأدية واجبي، وعلى وجه العموم أقول إني شعرت بأنه قد يُحتم عليَّ الآن أن أسلم، وأن أحقن الدماء التي لن تجدي إراقتها شيئًا، ولم يكن هناك سبب يدعوني إلى الخضوع للذل والهوان وما يشبه الرق بعد التسليم؛ فقد خطر لي أن أنتحر، ولكن نفسي ثارت على هذا الخاطر؛ فقد كنت في شبابي وقد مضى عليَّ أربع سنوات كلها تبعات ومجازفات، ولم أكن أشتهي أن تختم حياتي وأنا في هذا العمر، حتى مع انتظار تلك الأيام السود القادمة، وقد منَّ الله عليَّ برحمته وأبقاني في تلك الحروب المتوالية، وهو لا بد يبقيني حتى أعود فأخدم تلك الحكومة التي حاولت أن أخدمها في الماضي بولاء وأمانة.
هذه هي الخواطر التي كانت تساورني عندما بدأ شعاع الفجر يقشع الظلام في تلك اللحظات التي لن أنساها في حياتي، وانتهيت بعد التفكير الطويل إلى أنه لم يبق لي سوى التسليم، وأن أرضى بأن أكون محكومًا لأولئك الذين كنت أحكمهم، وأن أخضع لأولئك الذين كانوا يخضعون لي، ويجب فوق كل هذا وذاك أن أكون صبورًا، وإذا مارست هذه الخلائق في نفسي ورُضْتُها عليها وحقنت دمي بها ونلت بعد ذلك حريتي، فإن هذه التجارب ستفيد بلا شكٍّ الحكومة التي أخدمها. ونهضت من فراشي وأنا على هذا العزم، ولبست ملابسي الرسمية لآخر مرة؛ إذ استبدلت بها بعد ذلك جبة المهديين التي مثلت فيها دورًا جديدًا في حياتي. ومع ذلك فقد كان يخفق تحت الجبة قلب كله ولاء للحكومة، وكله عزم على الاستفادة من هذه التجاريب إذا أذن الله بالعودة، ورأيت أن المسألة ستتلخص بيني وبين هؤلاء الأسياد الجدد في أيِّنا يتغلب ذكاؤه على الآخر. ولم أجبن عن هذا الكفاح المنتظر، مع أني لم أكن في حاجة إلى الاعتذار والتبرير لو أني جبنت، إذا اعتبرت السنين الطوال التي قضيتها في الأسر وفي الحياة المزدوجة التي اضطررت إلى الظهور بها.
وفي صباح اليوم التالي حضر إليَّ الضابطان، فعرضت عليهما خطاب زوجال الذي يطلب فيه مني التسليم وأن أقابله في ٢٣ ديسمبر في حلة الشعيرية حيث يسلمني بيده خطاب المهدي إليَّ، ومما كتبه إليَّ زوجال أيضًا أنه يضمن حياتي وحياة جميع من معي من الرجال والنساء والأولاد.
ثم طلبت الكاتب وأمليت عليه خطابًا لزوجال، أعلنت فيه خضوعي وخضوع الحامية، واتفقت على مقابلته في ٢٣ ديسمبر عند حلة الشعيرية، وسلمت هذا الخطاب لرسول يقوم به لإيصاله إلى زوجال الذي صار اسمه الآن سيد محمد بن خالد.
وفي أصيل الغد جمعت الضباط وأخبرتهم بأنه لما كانت المقاومة غير مجدية فقد قبلت اقتراحهم عن التسليم، ولكني سأغادر دارة في هذا المساء لكي أقابل زوجال في حلة الشعيرية، وإني سآخذ القاضي معي، أما الضباط فسأتركهم مع الحامية. ثم شكرتهم بكلمات قليلة كانت شجًى في حلقي لولائهم واستعدادهم للتضحية بأنفسهم في سبيل خدمة الحكومة وطاعتهم لي، ثم ودعت كلًّا منهم باليد واحدًا بعد آخر، وودعت الموظفين المدنيين جملة وشرعت في السفر.
وكنا في منتصف الليل حين خرجت مع القواصين من دارة، وقد لاقيت المشاق في سفراتي الماضية وأنا بدارفور، ولكن هذا السفر كان أشق ما احتملته؛ فقد كنا جميعًا غارقين في تأملاتنا المحزنة حتى لم ينطق أحدنا بكلمة. وعند الغروب استرحنا قليلًا ووضع الخدم الطعام أمامنا ولكنا لم نمسه؛ إذ لم تكن لنا شهوة للطعام. ثم استأنفنا السير، ولما اقتربنا من حلة الشعيرية بعثت ياوري لكي يتقدمنا ويرى هل حضر زوجال أم لا، وعاد إلينا في الحال وأخبرنا بأنه هناك ينتظرنا منذ الأمس، وبعد مدة قليلة بلغنا المكان فوجدناه واقفًا، وترجلت وتقدمت إليه لكي أحييه، فضمني إلى صدره وأكد لي صداقته ورجاني أن أقعد ثم سلمني خطاب المهدي، ولم يكن في هذا الخطاب سوى تعيين زوجال — أي سيد محمد بن خالد — حاكمًا على الغرب، وأن المهدي قد عفا عني وأوصى بمعاملتي بالإكرام الذي يليق بمنصبي، وأن يعامل سائر موظفي الحكومة السابقة باللطف والكرم. وبعد أن انتهيت من قراءة الخطاب قال لي زوجال إن المهدي إنما عفا عني للشهادة الطيبة التي شهدها في حقي عنده، وإنه سيقدم لي كل معونة، فشكرت له عطفه. ثم قدم إليَّ الأمراء والطيب وحسن نجومي، وقد كنت قابلتهم سابقًا، ثم تناولنا الطعام وأخبرني زوجال أنه ينوي السفر إلى دارة.
وبينما كنا نتحادث وصل إلينا أحد ضباطي محمد أغا سليمان، فلما رآني لم يكترث لي أقل اكتراث، بل ذهب إلى زوجال وحيَّاه تحية الحفاوة المبالغ فيها، فتذكرت أنه كان قد اتهم مع اثنين آخرين بأنه جاسوس زوجال.
وأخذني محمد — زوجال — وتنحى بي قليلًا وخاطبني في شأن أقاربه وأسرته، فأخبرته بأن الجميع في صحة جيدة وأن أقاربه لا يزالون معتقلين، ووافقني على الإجراءات التي اتخذتها وقال إنها أفادتنا نحن الاثنين. ثم قمنا وسرنا إلى دارة وقضينا الليلة في الخيام قريبًا منها، ووافانا هناك عدد كبير من الأهالي والموظفين، وكلهم قد لبسوا ملابس الدراويش وحيوا الوالي الجديد.
ولم تغمض عيناي في تلك الليلة، وكانت ليلة عيد الميلاد، فتذكرت أهلي وأعياد الكنائس البهيجة التي يحتفل بها في وطني في ذلك الوقت، في حين أجدني هنا وحيدًا مهزومًا مضطرًّا إلى تسليم رجالي وذخائري إلى العدو. وفي تلك الساعات الهادئة التي كانت أحفل ساعات حياتي حزنًا وغمًّا، أخذت أعرض أمام ذهني كل ما جرى لي، فتحققت عندئذ أن أولئك الذين قتلوا في ميدان الشرف كانوا أحسن حظًّا مني.
وفي الغد استقبل زوجال جميع الذين جاءوا إليه لكي يقدموا إليه طاعتهم وولاءهم، ثم احتل الدراويش القلعة فتم له بذلك احتلال المديرية، وتوافد عليه الأهالي لكي يقسموا له يمين الولاء للمهدي، وفي النهاية عرض الجيش وأدى هذه المهمة نفسها.
ولقيت هنا المادبو الذي كان قد لحق بعبد الصمد في برنجل، فشيعني إلى المنزل وطلبت منه أن يقعد فقال: «يبدو عليك كأنك مغتاظ مني، وكأنك تعتقد أني خنتك، ولكن أصغِ إليَّ؛ لقد فصلني إميلياني من وظيفتي باعتباري رئيس المشايخ، فذهبت إلى بحر العرب حيث طلبني المهدي، ولما كنت مؤمنًا مسلمًا اتبعته؛ فسمعت عظاته وتحققت من قداسة رسالته وحضرت هزيمة يوسف شلالي وانتصار رجال المهدي عليه انتصارًا مدهشًا، فآمنت بدعوته وما زلت كذلك للآن، وقد وثقت أنت بالطبع بقوتك وأبيت أن تسلم بلا قتال، وعلى ذلك تحاربنا، ولكني لم أكن أقاتلك أنت شخصيًّا وإنما كنت أقاتل الحكومة، والله يعلم أني ما نسيت قط أنك كنت تنظر إليَّ نظرة الصداقة، فدعك من الغضب وكن أخًا لي.»
فقلت: «لم أغضب لما فعلت فإنك واحد من آلاف، ولو كان في قلبي غيظ فإن كلماتك قد أزالته.»
فقال المادبو: «أشكرك وأدعو الله أن يقويك وأن يرعاك في المستقبل كما رعاك في الماضي.»
فقلت له: «إني أضع ثقتي في الله، ولكني أجد من المشقات أن أتحمل ما أنا فيه، وإن كان لا بد من تحمله.»
فقال: «كلا، كلا، أنا عربيٌّ، ولكن اسمع ما أقوله لك؛ كن مطيعًا صبورًا، عليك بالصبر؛ فقد قيل: إن الله مع الصابرين.
والآن أخبرك أني جئت إليك لكي أطلب منك شيئًا؛ وهو أن تقبل مني جوادي عربونًا للصداقة بيني وبينك وأنت تعرفه وهو «صقر الدجاج».»
وقبل أن أجد الوقت للإجابة غادرني، وبعد دقائق قليلة عاد ومعه جواده، وكان من أجمل وأكرم خيول القبيلة، ثم سلمني رسنه، فقلت له: «لست أقصد إهانتك برفض هديتك، ولكني أخبرك أنه لم تعد لي به حاجة، وإني لن أركب كثيرًا في المستقبل.»
فقال: «ومن يدري، اللي عمره طويل بيشوف كتير، فأنت ما زلت شابًّا وستركب كثيرًا إن لم يكن هذا الجواد فجوادًا آخر.»
فقلت: «قد يكون ما تقول هو الصواب ولكن هل تقبل مني أنت أيضًا هذه الهدية؟»
قلت ذلك وأشرت إلى طبول الحرب التي كنا غنمناها منه، وأخذها خادمي وسلمها له، ووضعت على الطبول سيفًا آخر قدمته أيضًا هدية مني، وقلت: «لا تزال هذه الأشياء ملكي اليوم، ولذلك يمكنني أن أهديها إليك، أما في الغد فلا أعرف من يملكها.»
فقال: «إني أشكرك وأنا أتقبلها بكل سرور، لقد غنمها رجالك منا ولكن العرب تقول: الرجال ستراده وراده. وهذا حقٌّ، فكم من مرة قاتلت وفررت ولكني كنت أعود فأكرُّ وأنجح.»
وأمر المادبو رجاله بحمل الطبول وخرج وهو مسرور، وقد أثر حديثه فيَّ وتذكرت كلامه عن الصبر وأن «اللي عمره طويل بيشوف كتير».
وفي صباح الغد أمر الحاكم الجديد الأهالي بالخروج من منازلهم، ثم فتش هذه المنازل وأرسل ما بها إلى بيت المال، وكل من اشتبه في حيازته مالًا كان يُجلد بلا رحمة، أو تقيد قدماه ويربط إلى حائط ورأسه مدلى حتى يغمى عليه، وكنت أناقش وأحاج ولكنْ خالد لم يكن ليثنيه كلامي.
ثم أُخذ خدم الموظفين من رجال ونساء وقُدموا للمهديين، ولكن الفتيات الوسيمات احتفظ بهن للمهدي.
وبعد سبعة أيام من تسليمنا، أخبرني خالد أن سيد بك جمعة قد أرسل كبار الموظفين مع عمر واد دارهو لكي يعرضوا تسليم المدينة؛ ولذلك قر رأيه على أن يسافر بنفسه إلى الفاشر، ولكنه عندما اقترب من المدينة كان الأهالي قد سمعوا بسوء معاملته لأهالي دارة، فقرروا عدم التسليم، واضطر الدراويش لذلك إلى حصار المدينة، وفُتق المحصورون فتوقًا عديدة في القوة المحاصرة، ولكن الأهالي بعد ١٥ يومًا من الحصار سلموا المدينة، فدخلها خالد ومثَّل هناك الفصول المروعة التي مثلها قبلًا في دارة بشكل أقسى، وعذب عددًا كبيرًا من الناس تعذيبًا وحشيًّا.
وكان بين المعذبين ضابط يدعى حمادة أفندي، وقد طولب بما عنده من المال فأصر على أنه لا يملك شيئًا، وكانت إحدى إمائه قد أخبرت عن وجود مقدار من الفضة والذهب عنده، ولكنها لا تعرف مكانهما، فأُحضر أمام خالد الذي قال له إنه كلب كافر، فلم يقدر حمادة أفندي على ضبط نفسه ورد على خالد قائلًا إنه دنقلاويٌّ سافل، وهاج خالد لهذه الإهانة وأمر جنوده بجلد حمادة أفندي حتى يعترف بمكان المال. ومضت ثلاثة أيام وهو يضرب كل يوم ألف سوط ولكن بلا أدنى فائدة، ولو كان حجرًا لما تحمل هذا الضرب كما تحمله، وكان كلما سأله الجلادون عن ماله يجيبهم قائلًا: «أجل عندي أموال ولكنها ستدفن معي.»
وأمر خالد بوقف الضرب ثم سلم هذا المسكين لعرب الميما لكي يحرسوه، وقد دهش عرب الميما أنفسهم لجلد هذا الرجل الذي لم يلِنْ عوده أمام هذا التعذيب.
وخشي إبراهيم نجلاوي الجلد، فسمع أحد الأمراء يدعونه بالعبد فقَتل في الحال زوجته ثم أخاه ثم انتحر! وانتحر أيضًا أغا فولا مؤثرًا الموت على التعذيب، فلما رأى خالد ذلك أمر بوقف الجلد واكتفى بنفي المصريين في أماكن متفرقة قريبة من المدينة.
وبعد سقوط الفاشر طلبني خالد لكي ألحقه، فبلغتها في أوائل فبراير، فأعطاني منزل سيد بك جمعة لكي أقيم فيه، وأذن لي في طلب خيولي وخدمي من دارة، أما أمتعة البيت فيجب تسليمها لبيت المال على سبيل الزهد في الدنيا.
فنفذت كل هذه الأوامر وسلمت جميع أثاث المنزل لبيت المال ليد جابر واد الطيب، ولم أحتفظ إلا بالأشياء الضرورية للحاجات اليومية.
وكنت قد سمعت عند وصولي عن شجاعة حمادة وجلده، فبحثت عنه ووجدته في حالة مروعة؛ فقد كانت جروحه من كتفيه إلى ركبه واسعة متهرئة، وكان الموكلون بتعذيبه يدرُّون عليها الملح والفلفل؛ لكي يستخرجوا منه وهو في هذه الآلام اعترافًا بمكان أمواله.
ولكن كل هذا التعذيب لم يكن ليحدوه إلى الاعتراف، فذهبت وأنا يائس إلى خالد وأخبرته بحالة هذا المسكين ورجوته أن يسمح لي بنقله إلى منزلي لكي أعالجه، فقال خالد لي: «إنه رجل ماكر أخفى أمواله وأهانني علنًا؛ ولهذا يستحق أن يموت موتة شنيعة.»
فقلت له: «أرجوك بحق الصداقة القديمة أن تعفو عنه وتسلمه لي.»
فقال: «حسنًا، أفعل ذلك إذا ركعت أمامي.» والركوع في السودان علامة الهوان العظيم، فشعرت بالدم يصبغ وجهي، ولو أني دعيت إلى هذا العمل لكي أنجي حياتي لما قبلت، ولكني رضيت بهذه الفضيحة لكي أنجي هذا الرجل التعس من آلامه المروعة، وترددت لحظة ثم ضبطت نفسي وركعت ووضعت يديَّ على قدميه العاريتين، فرفعهما وكأنه خجل مما طلب مني وأنهضني وقال: «سأعفو عن حمادة لأجلك، ولكن عدني بأنه إذا أخبرك عن أمواله أن تبلغني.»
فوعدته بذلك، وأرسل معي رجلًا إلى حمادة، فهتفت بالخدم وحملناه على عنجريب ونحن نرفق به كل الرفق إلى منزلي، ثم غسلنا جروحه ونضحناها بالزبدة لكي تخفف آلامه، ولم يكن من الممكن أن يعيش كثيرًا، وقدمت له حساء فطفق يلعق ويلعن أعداءه بصوت خافت، وبقي في منزلي أربعة أيام ثم طلب مني أن أقعد بجانب فراشه، وأشار إلى الخدم بالخروج، ثم همس إليَّ كلمات لا أكاد أسمعها وقال: «لقد حان حيني، والله يجازيك الجزاء الحسن على ما أسديته إليَّ من رأفة وشفقة، ولست أستطيع مكافأتك، ولكني أريد أن أظهر لك اعترافي بجميلك، لقد خبأت أموالي …»
فصحت به: «قف هنا، هل تريد أن تخبرني عن مكان أموالك؟»
فقال: «نعم، لعلك تستفيد منها.»
فقلت: «كلا، لن أستفيد منها، فقد جئت بك هنا على شرط أن أخبر خالد بالمكان الذي أخفيت فيه أموالك إذا علمتُ ذلك، وأنت قد تألمت وقاسيت كثيرًا وتوشك أن تفقد حياتك لإصرارك على إخفاء أموالك ومنعها من أن تقع في يد أعدائك، فدعها إذن في الأرض حيث هي، فستبقى صامتة.»
وكنت وأنا أتكلم قد أخذ حمادة يدي في يده فقال: «شكرًا لك، الله يغنيك عن أموالي، الله كريم.» ثم مد ساقيه وذراعيه ورفع سبابته قليلًا وقال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله.» وأغمض عينيه وأسلم روحه.
وتأملت في هذه الجثة الممزقة فامتلأت عيناي بالدموع وتساءلت: كم بقي لي من السنين أتحمل فيها الآلام حتى أرتاح هذه الراحة الأخيرة؟ ثم ناديت الخدم وأمرتهم بإحضار رجلين صالحين لغسل الجثة ولفها في قماش، وذهبت أنا إلى خالد لكي أخبره بموته، فقال لي: «ألم يخبرك عن مكان أمواله؟»
قلت: «كلا، فإن الرجل قد تصلب فلم يفشِ سره.» فقال: «لعنة الله عليه، ولكن بما أنه مات في بيتك فادفنه وإن لم يكن ليستحق الدفن وكان أجدر بنا أن نلقيه كالكلب على التل.»
فتركته وذهبت إلى منزلي حيث دفنا حمادة أمام المنزل بعد الصلاة المعتادة.
وكان خالد غاية في الخبث والدهاء؛ يقسو على موظفي الحكومة السابقين ويساهل الأهالي بلا داع، وكان يضع قرابته في الوظائف، وكان مع اجتهاده في أخذ أموال الأهالي يتجنب كل ما من شأنه أن يحدث استياءً عامًّا، وكان يحتفظ لنفسه بمعظم الإيرادات ويرسل من وقت لآخر هدايا للمهدي والخلفاء، وكانت هداياه عدة فتيات وسيمات أو بعض خيول عتيقة أو بعض الجمال؛ وذلك لكي يبقى محمود الذكر عند مولاه ووليِّ نعمته.
وكان منزله حافلًا بالضيوف والولائم، وقد تزوج مريم عيسى باصي أخت سلطان دارفور، مع أن عمرها كان فوق الخمسين. وكان لهذه السيدة حاشية مؤلفة من المئات من العبيد والإماء على الطريقة السودانية، ولم يخطر ببال خالد أنه يجب عليه أن يمارس فضيلة إنكار النفس بعض الشيء كما يأمر المهدي، وكان يأمر كل مساء أن تُصف مئات الأطباق والقفع المحملة بمختلف الأطعمة لأتباعه الذين كانوا يقعدون تحت النخيل فيذكرون مدائح المهدي ولا ينسون ذكر الأمير خالد من وقت لآخر.
وحوالي هذا الوقت جاءني خطاب مطول من القاهرة بواسطة مدير دنقلة، حمله إلينا عربيٌّ موثوق به، وفي الخطاب أمرني بحصر قوات في الفاشر وأن أسلم المديرية لعبد الشكور بن عبد الرحمن شطوط، وهو من سلالة سلاطين دارفور، ثم عليَّ بعد ذلك أن أخرج بالجيوش والذخائر إلى دنقلة، ولكن هذا الأمير الذي ذُكر لي في الخطاب كان لا يزال في دنقلة غير قادر على المجيء إلى الفاشر، وأنا أشك فيما إذا كان وصوله يغير أو يبدل في الحالة، ولم يكن من الممكن حصر قوات الفاشر بالنسبة لروح التمرد الذي فشا بين الجنود، ولو كان في قدرتي أن أجمع الجنود وأذهب بها إلى الفاشر لما كان حينئذ ثَم حاجةٌ إلى هذا الأمير؛ فإن الحكومة كانت تجدُ فيَّ الأمانة والكفاية أكثر مما تجد فيه. وأطلعت خالد على هذا الخطاب، وأذن لي أن أكتب خطابًا لأحد الأهالي يحمله هذا العربي الذي جاء من دنقلة، فكتبته ولكني لا أظن أنه وصل إلى من أرسلته إليه.
وجاءتنا أخبار في هذا الوقت تنبئ بسقوط بحر الغزال، الذي كان يتولاه لبتون بك وأنفذ المهدي إليه الأمير كرم الله لكي يتولى حكومته. وكان لبتون بك قد اضطر إلى التسليم لأن جميع إخوانه تركوه، فسلم المديرية بلا قتال في ٢٨ أبريل سنة ١٨٨٤، ولو لم يهجره أعوانه لتمكن لبتون بواسطة قبائل الزنوج من الاحتفاظ بالمديرية ورد غارات المهدي عنها جملة سنوات.
ورغب خالد في أن يرافقني سيد بك جمعة الذي كان لا يزال مقيمًا في القبة، وقد قبلت مرافقته على الرغم من دسائسه السابقة. وأيضًا طلب أحد التجار اليونانيين مرافقتي فلم يعارض خالد، وكان اسم هذا اليوناني ديمتري زيجادة.
وحوالي منتصف شهر يونيو غادرنا الفاشر أنا وزيجادة وكان معنا حرس مؤلف من عشرة رجال، وبلغنا الأبيض بعد سفر شاقٍّ فتلقانا السيد محمود حاكم المهدي بلا حفاوة، وأمرنا بأن نسافر في اليوم التالي إلى رهاد حيث يقيم المهدي.