حرمة الحياة الخاصة
إنني كلما قَرأتُ شيئًا في صحيفةٍ سيَّارةٍ يكشف عن الجوانب الخاصة من حياة إنسان، عَجِبتُ أن يكون هذا حقًّا مشروعًا لأصحاب الصحف، فلا يكون في القانون ما يردعهم، كأنما الأمر من التوافه التي لا تستحق عناية القانون! نعم إني لا أنكر أن في الإنسان رغبةً طبيعيةً تُحفِّزه إلى استطلاع الجوانب الخاصة من حياة الناس، ومن هنا كان لما يُنشر في هذا أحسنُ الوَقع عند القُراء، ولكنَّ في الإنسان رغبةً طبيعيةً كذلك تُحفِّزه إلى السرقة والقتل، ولولا ذلك لما جاءت الشرائع والقوانين تنهى عنهما. وإذن فليست الرغبة الطبيعية عند القارئ بالمُبرِّر الكافي لضرورة إشباعها.
وإني لأنقل إلى القارئ عبارةً أقتبسها من مقالةٍ كتبها «فوكنر» القصصي الأمريكي المعروف؛ إذ قال: «منذ عشرة أعوام أو نحوها، أنبأني ناقدٌ أديبٌ معروف، هو من أصدقائي الخُلَّص ومن ذوي المكانة الثابتة، أن مجلةً أسبوعيةً مُصوَّرةً عريضة الثراء واسعة الانتشار، قد عَرضَت عليه مبلغًا كبيرًا من المال ليكتب عني مقالًا، لا عن مُؤلَّف أو أكثر من مؤلَّفاتي، بل عني أنا بوصفي مواطنًا فردًا له حياته الخاصة، فقلت له: «لا.» وحذَّرتُه أن يكتب عن حياتي الخاصة حرفًا واحدًا؛ فعقيدتي هي أن مُؤلَّفات الكاتب وحدها هي التي تقع تحت طائلة الجمهور، يناقشونها ويبحثونها ويكتبون عنها ما شاءوا؛ لأن كاتبها قد أباح لهم ذلك ضمنًا حين قدَّم كتبه للنشر وتقاضى عنها الثمن، فلم يعد أمامه بُدٌّ من قبول ما يريد الناس أن يقولوه وأن يفعلوه في تلك الكتب، من الثناء عليها إلى إحراقها بالنار. وأمَّا حياته الخاصة فملكه الخالص؛ فمن حقه أن يدفع عن جوانبه الخاصة من أراد العبث بها، لا بل إنه من واجب الناس أن يعاونوه على ذلك؛ لأن حرية الأفراد لا تُصان إلا إذا كانت حرية الفرد الواحد تنتهي عند النقطة التي تبدأ عندها حرية فردٍ آخر.»
ألا إنه لإهدارٌ لكرامة الإنسان أن يَتحوَّل الإنسان عند أصحاب الصحف إلى سلعةٍ تُباع وتُشترى؛ فبديهي أن الصحيفة التي تخوض في الحياة الخاصة لكاتبٍ أو فنان، لا تفعل ذلك تمجيدًا لأدبه أو فنه، وإلَّا لكفاها أن تَعرِض ذلك الأدب أو الفن، ولكنها تخوض في تلك الحياة الخاصة لأنها تجارةٌ رائجةٌ ربحها وفيرٌ وعائدها غزير.