النجم الدءوب
أظنه «جيته» هو الذي قال عن نفسه إنه كنجوم السماء، تسير في غير عجلة، لكنها تسير سيرًا دءوبًا لا يعرف السكون. وبهذه العبارة نفسها أُجيب طالبي الذي أرسل إليَّ يسألني كيف أُتيح لي أن أُخرِج حتى اليوم أكثر من ثلاثين كتابًا تقع في عشرة آلاف صفحة، فأنا أسير في عملي سيرًا وئيدًا لكنه دءوب. هل يعلم صاحب السؤال أنه لو كتب في اليوم الواحد صفحتَين كان له في آخر العام مُجلَّدٌ ضَخمٌ من جُزأَين؟
هذا الدأب الوئيد الذي لا يعرف السكون هو الطابع الذي يُميِّز الحياة النامية في شتى صورها: فانظر إلى الشجرة كيف تنمو. إنها لا تكتمل نماءً بين عَشيَّة وضحاها، بل تسير في طريق النماء قليلًا قليلًا حتى ليستحيل على أيِّ عينٍ أن تُدرِكها متحركةً في نموها، لكنها تَدأَب دأبًا موصولًا، فإذا هي الشجرة الوارفة الظليلة. وانظر إلى الإنسان تنمو مداركه من ألفاظٍ قليلةٍ يُتمتِم بها حتى يُصبِح الرجل الناضج صاحب العلم الغزير والخبرة الواسعة، بل انظر إلى دخيلة نفسك: إلى هذه الأنفاس شهيقها وزفيرها تتعاقب الهُوينا تعاقُبًا لا يقف إلا مع نهاية الحياة. إنني لو استَثنيتُ أمثلةً قليلةً من الطبيعة كالسيل الدافق في عجلة وكالمطر المنهمر في سرعة الملهوف، وكالعاصفة الهوجاء، جاز لي أن أقول إن الطبيعة بأَسْرها تكره التسرُّع ولا ترضى عن السكون؛ فهي تُفضِّل لظواهرها أن تسير في بُطءٍ سيرًا دءوبا … فحبَّذا لو سار الإنسان في حياته العملية على غِرارها.