غرور

والحديث ذو الشجون؛ فلقد ذكرتُ لك ذلك الأستاذ الأرجنتيني بخبرته الواسعة وحديثه الطلي. وأذكر الآن أني سألته مرة: «إلى أي حدٍّ ترى الشعب الأمريكي حريصًا على العفة الجنسية؟» ذلك أني قد رأيته من أشد الناس محافظة، فقال: «إن الأمر ليختلف هنا اختلافًا شديدًا من إقليم إلى إقليم، والتعميم في الحكم على الشعب كله مُحال.» ثُمَّ سكت قليلًا وابتسم واستطرد يقول: «على أني سأروي لك قصةً في حياتي الشخصية هنا في مدينة «سياتل»، فقد توثَّقَت أواصر الصداقة الحميمة بيني وبين طبيبة، حتى لقد كنتُ أزورها كل يومٍ مُعيَّنٍ من أيام الأسبوع باطِّرادٍ لا يتخلف، فراودتني فكرة الزواج، ولبثتُ شهورًا كلما عَزمتُ أَحجَمْت، وكلما أحجمتُ مرةً عزمتُ مرة، كأنما الأمر كله مُتوقِّف على قرارٍ أُصدره أنا. وأمَّا هي فلم أَشُك لحظة في أنها إنما تنتظر صابرةً حتى أنطق لها بهذه الكلمة المرتقَبة الحاسمة: «أريد الزواج منك يا فلانة.» وأخيرًا حزمتُ أمري وجمعتُ شجاعتي، وذهبتُ إليها في موعدي المضروب من كل أسبوع، ولم تكد تستقر بنا الجلسة ويستطرد بيننا الحديث، حتى عرضتُ الزواج حاسبًا أنها ستكون لحظة النشوة الكبرى في نفسها. ويا ما أشد دهشتي عندما أجابت بالرفض في صراحةٍ حاسمة، فسألتها والصدمة تُوشِك أن تُفقِدني صوابي: «كيف؟ ألم يختبر أحدنا الآخر شهورًا عديدة، فإذا بيننا من اتفاق الطبع وانبساط النفس ما يَندُر أن يتحقق بين رجل وامرأة؟ إنني كما تعلمين مُضرِبٌ عن الزواج مُصممٌ على العزوبة الدائمة، فإذا وَجدتِني قد عَرضتُ ما عرضتُه عليك، فما ذلك إلا لأنني وَجَدتُ فيك «إنسانة» رأتني أنسب الرجال.» فنظرت إليَّ ساخرةً وقالت: «هذا غروركم أيها الرجال، تحسبون أن أمر الاختيار مرهونٌ بكم، وأمَّا المرأة فقبولها مُؤكَّدٌ مضمون. ألا فاعلم يا سيدي أنك كما قررتَ لنفسك العزوبة فكذلك قد قررتُها لنفسي، وكما أردت التمتُّع بي يومًا من كل أسبوع، فكذلك قد أردتُ التمتُّع بك يومًا من كل أسبوع. على أني أُضيف إليك الآن ما لم تكن تعلمه، وهو أن لكل يومٍ من بقية أيام الأسبوع صديقًا سواك!»»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤