تحليل الإلياذة
الأنشودة الأولى
تدور الأشعار فيها حول فكرةٍ معيَّنة وثيقة الاتصال بغضب أخيل،
وهذه الفكرة هي التي تُكوِّن وحدة هذه الأنشودة وتربط بين أجزائها؛
ذلك أنه كان قد عرض أجاممنون أن يعطي ابنته خروسايس إلى كاهن
أبولو Apolo ويُدعى خروسيس Chryses غير أنه في مقابل ذلك يُطالب
أجاممنون بأن يعطي بريسايس Briseis إحدى أسيرات أخيل، إلا أن أخيل يعتبر هذا
الطلب مَسبَّة وعارًا له فيغضب ويرفض الاشتراك في القتال، ثم يذهب
إلى خيمته ويقبع فيها، يؤيده في ذلك الربُّ زوس الذي كان يُشجِّعه
على هذا المسلَك.
الأنشودة الثانية
وفيها يأتي زوس إلى أجاممنون في نومه، ويخبره بأن هناك أحداثًا
جسامًا ستقع؛ ومن ثَمَّ يعقد أجاممنون العزم على القتال ويجمع
الملوك والرؤساء للتشاور في هذا الأمر. وبعد هذا المجلس الصغير
يُعقَد المجلس الكبير الذي هو مجلس الشعب المكوَّن من جميع
المحاربين البالغين سنًّا معيَّنة لا تقل عن العشرين.
يتظاهر أجاممنون بادئ ذي بدءٍ برغبته في الرحيل، ويؤيده الجميع
في هذه الرغبة ويُبدون استعدادهم لذلك ويُعدُّون العُدة للرحيل.
وبينما هم على هذا العزم إذ يجيئهم أوديسيوس فيشُد من عزائمهم
ويُشجِّعهم ويُقدِّم لهم النصائح، ويحثُّهم على القتال فيُغيِّر من
رأيهم ويحملهم على مواصلة القتال. وفي هذه الأنشودة يَسردُ الشاعر
أسماء الزعماء والملوك والرؤساء من اليونان، وكذلك الشعوب
اليونانية المختلفة. كما أنه يَسردُ أسماء ملوك الطرف الثاني الذي
مع طروادة.
الأنشودة الثالثة
وفيها يستفز باريس الآخيين ويحملُهم على القتال، ولكنه يفر أمام
مينيلاوس ملك إسبرطة فيؤنِّبه هكتور Hector ويُوجِّه إليه اللوم على هروبه، فيتفقان على
أن تكون هيلينا من نصيب المنتصر، وتتقدَّم هيلينا على حصون طروادة،
وهوميروس في وصفه لها وهي تتقدم فوق الحصون قد وصفها وصفًا بليغًا
بلغ في ذلك آيةً كبيرة من الفن، وتشرع هيلينا في عد أسماء الملوك
والزعماء والرؤساء اليونانيين لبريام Priam والد باريس وهكتور. ويبدأ القتال، ولكن ربَّة
الجمال أفروديتي تأتي وتخطَف باريس من بين براثن الموت مؤنبةً
امرأته هيلينا على ذلك. غير أنها من فرط حبها له تنسى هذا التوبيخ
وترضى عنه، وتعود إلى الوفاق معه. أما أجاممنون فيطالب بتنفيذ
المعاهدة.
الأنشودة الرابعة
وفيها يذكر الشاعر أن الربة هيرا Hera تحصُل على موافقة زوجها زوس برجوع حالة الحرب
بين اليونان وطروادة، وتقترح الربَّة أثينا على بنداروس Pendarus أن يصوب سهمًا نحو
ديوميديس Diomedes ملك إسبرطة،
فيصيبه السهم ويجرحه ولكنه لا يموت من آثار الجرح. أما أجاممنون
فيحُض جنوده على القتال الذي يعود إلى ما كان عليه.
الأنشودة الخامسة
يقص الشاعر فيها أعمال البطولة التي قام بها ديوميديس بن توديوس Tydeus، وبالرغم من جراحه
التي أُصيب بها فإنه يواصل القتال في حماسٍ عظيم بفضل مساعدة
أثينا، ويتمكَّن من قتل بنداروس ويَجرح إنيوس Eneus فتأتي أفروديتي وتنقذ ابنها إنيوس، بيد أنها
تُجرح هي الأخرى فتصعد إلى جبل أوليمبوس، وعندئذٍ يظهر أبولُّو
ويُنقذ إنيوس ويَشفيه من جراحه.
أما ديوميديس فإن أثينا تَحثُّه على القتال حتى يتمكَّن من جرح
أريس.
الأنشودة السادسة
فيها يأخذ أهل طروادة في التقهقُر والتراجُع، ويترك هكتور ميدان
القتال بعد أن ينصحه بذلك هيلينوس Hellenus، ثم يذهب هيكتور لينصح أمه هيكوبي Hecupe ويتوسَّل إليها أن تذهب إلى
الربة أثينا للحصول على مساعدتها، ثم يُحرِّض هيكتور باريس ويدفعه
إلى ميدان القتال ليحارب هناك، ثم يُودِّع هكتور زوجته أندروماخي Andromache الوداع الأخير. وفي هذه
الأنشودة فضلًا عن ذلك قِطعٌ جميلة جدًّا منها وصف المحادثات التي
دارت بين هكتور وأمه هيكوبي، وكذلك بين هكتور وباريس، ثم بينه وبين
زوجته أندروماخي.
الأنشودة السابعة
فيها يستفز هكتور أشجع شجعان اليونان ويُدعى أجاكس Ajax فتنشأ بينهما معركةٌ لا تنتهي إلى
النتيجة، ولكن على أثَرها يعقد الطرفان هدنةً لدفن الموتى، ثم يأخذ
اليونان في تحصين معسكرهم فيحصنونه بسورٍ وخندق، ثم يأتي الليل
مصطحبًا معه حوادث جسامًا.
الأنشودة الثامنة
فيها يُهزم الآخيون؛ ذلك أن زوس أكبر آلهة اليونان يُحرِّض
الآلهة جميعًا على عدم التدخُّل بين الطرفَين المتعاركَين، ويدعوهم
إلى التزام الحياد في هذا القتال. أو هو يعود إلى مكانه فوق جبل
إيدا Ida ويصعد إليه ليرى من فوقه
الجيشَين المتحاربَين. وكان القتال بينهما سجالًا في بادئ الأمر،
ثم انتهى بنتيجةٍ إيجابية وهي انتصارُ جيش طروادة، فاضطُر اليونان
بعد هزيمتهم إلى التراجُع نحو تحصيناتهم، كما حاول أجاممنون إلى أن
يشُد من أَزْر جنوده وتقوية روحهم المعنوية، بيد أن هكتور ظل
منتصرًا؛ ومن ثَمَّ حاولَت الربَّة هيرا والربة أثينا التدخل في
القتال فمنعَهما زوس، ولمَّا أقبل الليل فصَل بين المتحاربَين
وعَسكَر الطرواديون في السهل.
الأنشودة التاسعة
يجمع أجاممنون الزعماء ويعقد مجلسًا ليأخذ رأيهم، ثم يقترح عليهم
الرحيل ومغادرة أرض طروادة، ولكن يُعارِضه في هذا الرأي كلٌّ من
ديوميديس وأوديسيوس، ثم يقترح نسطور Nestor أن تُبذل الجهود لعقد الصلح مع أخيل، فيقبل
أجاممنون هذا الاقتراح ويعلن استعداده إلى رد بريسايس التي كان قد
أخذها من أخيل على أن يعطيه بعض التعويضات لإرضائه. ويُقرِّر
المجلس إرسال سُفراءَ إلى أخيل فأحسَن مقابلتهم، ولكنه رفض
الاشتراك في القتال في جانب الأغارقة.
الأنشودة العاشرة
تُعتبر هذه الأنشودة عند معظم النقاد من الأناشيد المضافة إلى
الإلياذة، وهناك بعض المؤرخين القدامى يأخذون بهذا الرأي
أيضًا.
يظهر الخوف بصورةٍ واضحة من جانب زعماء اليونان ورؤسائهم في هذه
الأنشودة؛ لذلك يعقدون مجلسًا جديدًا ويقترح البطلان ديوميديس
وأوديسيوس في هذا المجلس أن يأخذا على عاتقهما مهمة الذهاب إلى
معسكر جيش الطرواديين للتجسُّس على ما يقوم به ذلك الجيش من
استعدادات حربية، ولكنَّ هذَين البطلَين يقابلان رجلًا من جيش
طروادة اسمه دولون Dolon أَرسلَه
هكتور للتجسُّس على جيش اليونان ونقل أخباره إلى الطرواديين، فيخاف
هذا الجاسوس على حياته عند مقابلته للبطلَين اليونانيين؛ ومن ثَمَّ
يكشف عن أسرار جيش طروادة أملًا في النجاة بحياته من الخطر
المُحدِق به، ومع ذلك يقتله ديوميديس ثم يعود البطلان إلى معسكر
اليونان.
الأنشودة الحادية عشرة
وهي عبارة عن سرد لمخاطرات أجاممنون. وتدور كلها حول الفكرة
الرئيسية المسيطرة على الإلياذة؛ لذلك فإن مكانها الحقيقي بعد
الغناء الأول؛ لأن نُقادًا كثيرين يقولون بأن الأناشيد الواقعة ما
بين الأنشودة الأولى والحادية عشرة كلها مضافة إلى الإلياذة. كما
أن موضوع هذه الأنشودة متصلٌ جدَّ الاتصالِ بموضوع الأنشودة
الأُولى، ولكن لا يجب علينا أن نأخذ بهذه النظرية القائلة بأن
الأناشيد السابقة مضافة إلى الإلياذة.
يُحاول هوميروس في هذه الأنشودة أن يعطينا صورةً واضحة عن
الهزيمة التي مُني بها الآخيون. ولهذا نراه يسرد الهزائم المتتابعة
التي لحِقَت بالبطل اليوناني مينيلاوس، وكذلك أجاكس وديوميديس، كما
يسرد لنا الهزيمة التي لَحِقَت حاليًّا بالزعيم الأكبر
أجاممنون.
وتدور المعركة من جديد بين الجيشَين. وفي هذه المعركة يُظهِر
أجاممنون كثيرًا من الشجاعة حتى يضْطَر أهل طروادة إلى التراجُع
إلى تحصيناتهم، ولكن أجاممنون يُجرح ويصبح غير قادرٍ على مواصلة
القتال؛ لذلك ينتصر أهل طروادةَ من جديد ويُجرح أوديسيوس
وديوميديس. وأخيرًا يرسل الملك نسطور بتروكلوس Patroclus أعزَّ أصدقاءِ أخيل إلى هذا الأخير ليوقفه
على الهزائم التي نزلَت باليونانيين، آملًا من وراء ذلك أن تأخذه
الشفقة باليونانيين، فيعطف عليهم ويعود إليهم ليُناصرهم ويُساعدهم
في هذا القتال العنيف.
الأنشودة الثانية عشرة
وكلها عن الموقعة الحربية التي وقعَت بجوار أسوار المدينة. يقترب
الجيش الطروادي من تحصينات الجيش اليوناني، ويستعد لعبور الخندق،
ولكنه يفشل في أول الأمر، ثم يتمكَّن أخيرًا من فتح ثغرة في
الأسوار، بالرغم من دفاع اليونانيين المستميت، وخصوصًا دفاع
البطلَين أجاكس وأوديسيوس. وكان يقود الطرواديين ساربيدون Sarpedon وجلاوكوس Glaucus ثم يتمكَّن البطل العظيم
هكتور من اختراق معكسر اليونانيين، ويتبعه الطرواديون حتى يصلوا
إلى داخل معسكر الأغارقة نفسه.
الأنشودة الثالثة عشرة
كلها سردٌ للمعركة التي نَشبَت بجانب الأسطول، وفي هذه الأنشودة
ينصرف الرب زوس انصرافًا مؤقتًا عن الحرب؛ لذلك ينتهز الرب
بوسايدون هذه الفرصة، ويهبط من أعلى قمم جبال أوليمبوس لمساعدة
اليونانيين في محنتهم هذه. وبعدئذٍ تدور معركةٌ بحرية كان فيها
الجناح الأيسر للأسطول اليوناني تحت قيادة إيدومينيوس Idomeneus والقلب بقيادة أجاكس.
وتدور رحى موقعةٍ بحرية عنيفة تسيل فيها دماء الطرفَين. وأخيرًا
يتقهقر الجيش الطروادي قليلًا، ولكن هكتور يجمع الرؤساء والزعماء
ويستشيرهم في هذا الموقف العصيب، ويُقرِّر بعد أخذ رأيهم مواصلةَ
القتال ثم يتحدى أجاكس هكتور، وتبدأ المعركة من جديدٍ أشدَّ هولًا
مما كانت عليه.
الأنشودة الرابعة عشرة
تدور حوادثها الرئيسية حول الحب الذي بين كبير الآلهة وهيرا، ومن
الجائز حذفُ هذا الغناء من الإلياذة دون أن يصيب وحدة الموضوع أدنى
ضرر. وعلى كل حال فإن وجوده لا يضُر مطلقًا. في هذه الأنشودة أيضًا
يُوافِق اليونانيون على رأي ديوميديس القاضي بمتابعة القتال، ولكن
هيرا تأخذ في تجميل نفسها؛ لأنها تُريد أن تَفتِن كبيرَ الآلهةِ
فتستعير من أفروديتي ربة الجمال الزنَّار الذي تربط به خصرها
وتستدعي إله النوم من جزيرة ليمنوس Lemnos، وتقترح عليه تنويم كبير الآلهة، فينام زوس
ويغفُل عن الحرب، فينتهز بوسايدون هذه الفرصة ويُساعِد اليونانيين
مساعدةً جدية حتى ينقلب الموقف في صالحهم، ويتمكَّن أجاكس من جرح
هكتور. أما الطرواديون فيتقَهقَرون ويدفعهم اليونانيون بعيدًا عن
الأسطول بقيادة البطل أجاكس.
الأنشودة الخامسة عشرة
فيها يستيقظ زوس من نومه، ويحتد على هيرا، ويرسل أيريس Iris وأبولو لمساعدة جيش طروادة؛ عندئذٍ
يترك الإله بوسايدون ميدان القتال فيخلو الجو أمام أبولُّو
ويتمكَّن من شفاء هكتور وبَثِّ روح الثقة بين الطرواديين، وإدخال
الرعب والفزع في قلوب اليونان، وتشجيع جيش طروادة حتى يتمكن من
الوصول إلى داخل المعسكر اليوناني، ثم يذهب بتروكلوس لمقابلة أخيل
كي يرجوه أن يساعد إخوانه في الجنس واللغة والدين، ثم يدافع
اليونانيون عن معسكرهم دفاعَ المستميت، وفي هذه الأثناء يستعد
هكتور لإيقاد النيران في سفينة بروتيسيلاوس Protisilaus.
الأنشودة السادسة عشرة
فيها يعطي أخيل بتروكلوس حُلَّته الحربية لإدخال الرعب والفزع في
قلب جيش طروادة بشرط ألا يستخدمها في المعركة، بل يكتفي بالظهور
بها لِبَثِّ الرعب والخوف، ولكن بتروكلوس ينسى وعده في أثناء
المعمعة، ويُقدِم على مهاجمة الطرواديين هجومًا بالغ العنف،
فيتقهقر جيش طروادة على أثَره، وينجح بتروكلوس في قتل ساربيدون، ثم
يغريه هذا النجاح على التقدُّم في الهجوم آملًا في أن يستولي على
طروادة، ولكن أبولُّو ينتزع منه السلاح الذي كان قد أعطاه إياه
أخيل، فيتمكَّن يوفوربوس Euphorbus من جَرْح بتروكلوس، ثم يتقدم هكتور ويُجهِز
عليه تمامًا.
الأنشودة السابعة عشرة
يرغب يوفوربوس في الاستيلاء على أسلحة بتروكلوس، ولكن مينيلاوس
يُدافع عن جثة بتروكلوس ويستدعي أجاكس ليساعده في هذه المهمة.
يتراجع هكتور في بادئ الأمر ثم يعود بعد ذلك، وتستمر المعركة
سجالًا بين الطرفين، ثم تَفْزع خيول أخيل، ولكن زوس يُهدِّئ من
رُوعِها ويعود بها إلى ميدان القتال. وعندئذٍ يحاول هكتور ومعه
إنيوس الاستيلاء على هذه الخيول، وتستمر الحرب في صالح جيش طروادة،
ثم يُضطَر مينيلاوس إلى أن يبعث رسولًا إلى أخيل ليُبلِغه نبأ موت
صديقه بتروكلوس والهزيمة التي لحِقَت باليونانيين، ثم يتمكَّن
مينيلاوس وميريونيس Meriones من
حمل الجُثَّة، ويتراجعان في حماية البطل أجاكس.
الأنشودة الثامنة عشرة
ييأس أخيل عندما يعلم بخبر موت بتروكلوس، ولكن أمه ثيتيس Thetis تُعزِّيه في مُصابه وتَعِدُه أن
تُحضِر له أسلحةً جديدة تُعوِّضه بها عن الأسلحة التي سبق أن
أعطاها لبتروكلوس، كما تَعِده بأنها ستُساعده على خصمه العنيد
هكتور على أن يتم ذلك بعد يوم، ثم تذهب إلى جبل أوليمبوس وترجو
هيفايستوس أن يصنع لها هذه الأسلحة، ثم يخرج أخيل من خيمته وهو
يصيح عاليًا ومنظره غاية في الرعب حتى خاف أهل طروادة على أنفسهم
فولَّوا الأدبار، ثم يقضي اليونانيون تلك الليلة في معسكرهم باكين
نائحين حول جثة بتروكلوس. ويلي ذلك وصف الشاعر لدرع أخيل التي
بلغَت درجة عظيمة جدًّا من الإتقان الفني، ثم تنتهي هذه الأنشودة
بوصول ثيتيس من جبل أوليمبوس ومعها الأسلحة التي وعدَت بها ابنها
أخيل.
الأنشودة التاسعة عشرة
تدول حول صُلح أخيل مع اليونانيين، فيعقدون مجلس الشعب وهو عبارة
عن جميع رجال الجيش في ذلك الوقت، ثم يقف أمامه أخيل ويُعلن على
أسماع جميع أعضاء هذا المجلس نياته الطيبة وحسن استعداده لخدمة
إخوانه الآخيين، ثم يخلُفه في دور الخطابة أجاممنون الزعيم الأكبر،
ويعترف الأخير علانية بالأخطاء والذنوب التي سبق أن ارتكبها في
بادئ هذه الحملة، ثم يتقدم نحو أخيل ويُربِّت على كتفَيه، ويعرض
عليه هدايا ثمينة جدًّا، ولكن أخيل يرفضها رفضًا باتًّا في إباءٍ
وشمم. وعندئذٍ يتقدَّم إليه أوديسيوس ويُلحُّ عليه بشدة في أن
يقبلها، فيُضطر أخيل إلى أن يقبلها، ثم نرى بريسايس تعود إلى سفينة
أخيل باكية، ويشاركها في هذا البكاء صديقها أخيل، وكلاهما يبكي على
هذا المصاب الفادح بفقدهما العزيز بتروكلوس، ثم تُعلِن إلى أخيل
نبوءةً بأنه سيموت قريبًا غير أنه لا يهتم بهذه النبوءة؛ لأنه كان
قد صمَّم على الانتقام لصديقه بتروكلوس ويريد إشباع نهم هذه الرغبة
وهي تُحتِّم عليه أن يقتل أشد خصومه البطل هكتور، مع علمه بأنه
سيموت يقينيًّا في القريب العاجل.
الأنشودة العشرون
وفيها يسمح زوس للآلهة بالاشتراك في هذه الحرب فتنقسم الآلهة
قسمَين؛ فريق مع اليونانيين وفريق مع الطرواديين. كان مع الآخيين
هيرا وأثينا وهيرميس، وكان مع الطرواديين أريس وأرتيميس Artemes وأبولُّو وأفروديتي.
يتقدَّم أبولُّو بالنصيحة إلى أهل طروادة ويُشجِّع إنيوس على
مبارزة أخيل، كما أنه ينصح هكتور بعدم مبارزة أخيل أو مقاتلته،
فيركن هكتور إلى نوعٍ ما من الهدوء، ولكن أخيل يقتل أصغر إخوته
واسمه بولودوروس Polydorus أصغر
أبناء بريام ملك طروادة، فيتحمَّس هكتور من جديد ويريد أن يثأر
لأخيه، وبينما هو يستعد يسرع إليه أبولُّو أملًا في إنقاذه من
الخطر الذي يكاد يتعرض له هكتور، ثم يُمعِن أخيل في قتل عددٍ كبير
جدًّا من جيش طروادة.
الأنشودة الحادية والعشرون
تتجلى فيها هزيمة الطرواديين، وتأخذ الربَّة أثينا في تشجيع
البطل أخيل غير أن الخطر يُحدِق به، فتتقدَّم هيرا وتُرسل
هيفايستوس لإنقاذه من براثن الموت، ثم تأخذ الآلهة في محاربة بعضها
البعض الآخر، وبعد ذلك تعود جميعها إلى جبل أوليمبوس، وتترك
أبولُّو وحده، فيتمكَّن الأخير بمكره وخداعه من مساعدة أهل طروادة
وإنقاذهم من الخطر الذي أشرفوا عليه. والظاهر أن هذه الأنشودة قد
أُضيفَت إلى الإلياذة؛ ومن ثَمَّ فمن المستطاع حذفُها دون أن يؤدي
ذلك إلى الإخلال بوحدة الإلياذة أو توازنها أو إنقاص أي شيءٍ مهم
عن الشخصيات البارزة المختلفة.
الأنشودة الثانية والعشرون
وهي عن موت البطل هكتور. فيها يعود أخيل ويقترب من أسوار مدينة
طروادة، ويتقابل مع البطل هكتور الذي يعتمل في دخيلة نفسه حُب
منافسة البطل أخيل، ثم يقترب أخيل من هكتور ويظل يقترب رويدًا
رويدًا، إلا أن منظر أخيل كان غاية في الهول والرعب، فيخاف هكتور
على نفسه عندما يرى غريمه ويهرب مسرعًا، ولكن أخيل يعود وراءه،
ويستمر الاثنان في هذا العَدْو حول أسوار المدينة ثلاث مرات.
وأخيرًا يزن الإله زوس مصير البطل هكتور في كفَّة من كفَّتَي
الميزان ومصير أخيل في الكفَّة الأخرى ويوازن بين الكفَّتَين.
وأخيرًا يُصمِّم زوس على التخلي عن هكتور، ويُلقي به إلى الربة
أثينا؛ لذلك يُفلِح أخيل بعد تخلي زوس عن هكتور من قتل هذا الأخير،
ونزع الملابس التي كان يرتديها، ويبدأ في جَرِّ الجثة حتى يصل بها
إلى الأسطول. أما أهل طروادة وخصوصًا أُسْرة هكتور وهم أبوه بريام
وأمه هيكوبا وزوجته أندروماخي فإنهم يَبْكون عليه بكاءً
مُرًّا.
الأنشودة الثالثة والعشرون
فيها يحتفل الآخيون بجنازة بتروكلوس، فيُشعلون النيران، ويضعون
فوقها جثة بتروكلوس، ثم يذبحون الذبائح ويقدمونها للآلهة. وفي هذه
الساعة المحزنة الرهيبة يتقدَّم أخيل ويُودِّع جثَّة صديقه العزيز
الوداع الأخير، وينتظر بُرهةً حتى تنطفئ النار، فيستخرج منها بعد
ذلك البقية الباقية لصديقه العزيز، ثم يُقيم الشعب الذي ينتمي إليه
بتروكلوس وهم جماعة المورميدون Myrmidones مقبرةً لبتروكلوس مكان النيران المشتعلة،
وبعد ذلك تُقام المباريات الرياضية وتُعيَّن الجوائز الكثيرة
للفائزين في هذه الألعاب؛ كسباق العربات، والملاكمة، والمصارعة،
والعَدْو على الأقدام، والنزال بين الجنود المسلَّحين وبين رماة
السهام والأقواس والأقراص.
الأنشودة الرابعة والعشرون
يُخيِّم اليأس على أخيل من فَرْط حزنه على فقد صديقه العزيز الذي
كان يُحبه حبًّا جمًّا؛ لذلك كان يريد أن يُشبع غريزة الانتقام
المتولِّدة فيه، فلا يكتفي بقتل هكتور بل يريد أن يمثل بجثته
تمثيلًا شنيعًا؛ لذلك نراه يجُر جثة هكتور ويطوف بها مرارًا حول
مقبرة بتروكلوس، ولكن كبير الآلهة زوس يتدخل من جديدٍ في صالح أهل
طروادة، ويأمر أخيل بإعادة جثة هكتور إلى أهله وأبناء عشيرته
وإرجاعها إلى أبيه بريام، ثم يبعث الرسل إلى بريام ليُبلِغه الخبر
ويطلب الرسل منه أن يذهب لشراء ما بقي من جثَّة ابنه، فيذهب بريام
متنكرًا إلى أخيل دون أن يعلم أهله وعشيرته شيئًا عن هذا السعي؛ إذ
يذهب بريام بإرشاد هيرميس فيتقابل مع أخيل الذي يوافق أخيرًا على
أن يُسلِّم الأب جثة ابنه هكتور ويعود بها إلى طروادة. يلي هذا ذلك
المنظر المحزن الذي تبكي فيه أُسرة هكتور عليه بكاءً مرًّا، فإذا
بالنساء وزوجته المخلصة وأمه هيلينا يبكينه بكاءً يُفتِّت الأكباد،
ثم وصف جنازة هكتور والاحتفال بدفنه احتفالًا رهيبًا جدًّا.
إلى هنا تنتهي الإلياذة وينتهي تحليل الإلياذة؛ ولذلك يحسن أن
نقف قليلًا لنسترجع ما علقَ بأذهاننا من قراءة الإلياذة.
جليٌّ أن الإلياذة تغلب عليها الوحدة، وأنها كُتبَت حسب خطةٍ
موضوعة سبق للشاعر أن درسها وفكَّر فيها تفكيرًا عميقًا جدًّا،
ولكن هذا لا يمنع من القول بأن هناك بعض الأغاني يشعر المرء حين
قراءتها بأنها أُضيفَت إلى الإلياذة؛ مثل القائمة التي سَردَت
أسماء السفن المحاربة، ومثل الغناء الذي وصف فيه الشاعر نزاع
الآلهة، بحيث يمكننا أن نتصور هذه القصائد كأنها أدراجُ الصوان إذا
أُخرج درجٌ فهذا لا يؤثِّر عليه في قليل أو كثير؛ ذلك أن فكرة
الإلياذة نبتَت حين جال بخاطر الشاعر أن يجمع كل هذه القصص حول
فكرةٍ أساسية هي غضب البطل أخيل، ولكن من ذا الذي جال بخاطره هذه
الفكرة؟ هل هو شاعر كتب في هذا الموضوع قصيدةً طويلة، ثم أُضيفَت
إليها قصصٌ أخرى فيما بعدُ عن أحداثٍ جديدة أم هو رجل من الأجيال
المتأخرة بعد جيل الإلياذة، له موهبة التنظيم والترتيب عَمِل على
أن يجمع قصائدَ منفصلة حول فكرةٍ واحدة؟ أم هو شاعرٌ استعار هذه
الحوادث من خرافاتٍ قديمة أخرى؟ هذه كلها فروضٌ تجول بخاطر الناقد،
ولكن لا يجد لها جوابًا شافيًا.
•••
يجدر بنا الآن الاتجاه إلى الأوديسة لنأخذ فكرة عنها:
عندما نبدأ في قراءة الأوديسة في أُولى أشعارها يتبادر إلى ذهننا
أن هذه الأشعار والقصائد لا تختلف كثيرًا عن أشعار الإلياذة من حيث
الأسلوب والفن الشعري؛ فكلها من مرتبةٍ شعرية واحدة، الفن الشعري
فيها واحد، وكذا الأسلوب واحد؛ أي إن كل ما يتصل بالشعر في
الأوديسة لا يختلف في أصله عن شعر الإلياذة، ولا أدلَّ على ذلك من
أن القصيدة في الأوديسة تبتدئ بالتوسُّل إلى ربَّة الشعر كالإلياذة
تمامًا، ولكن بالرغم من هذه الوحدة الفنية الأدبية تلاحظ بعد
مواصلة القراءة في الأوديسة أننا نجد أنفسنا في عالمٍ جديد يختلف
كل الاختلاف عن عالم الإلياذة، وذلك لأن موضوع الأوديسة يختلف تمام
الاختلاف عن موضوع الإلياذة.
كانت فكرة الإلياذة الأساسية هي غضب البطل أخيل وخلافه مع كبير
ملوك اليونان أجاممنون. أما الأوديسة فتدور فكرتها حول عودة البطل
أوديسيوس من حرب طروادة، فهي تسرد مخاطراته التي قابلَتْه أثناء
رحلته في عودته إلى بلاده، فالأوديسة عبارة عن قصيدةٍ طويلة
أُنشدَت حول البحر، وما أعظم القصائد التي أُنشدَت عن البحر!
ولربما كانت أهم فضائل العالم الفرنسي فكتور إبرازه لنا هذه الفكرة
وتوضيحه إياها وكشفه عنها. وحقيقة الأمر أن فكتور لم يكشفها لأن أي
قارئٍ عادي مُجرَّد من الثقافة الكلاسيكية يستطيع أن يلاحظ منذ
البداية أن القصة تدور كلها حول البحر، ولكن فكتور بيرار ترجم
الأوديسة ترجمةً شائقة وعلَّق عليها تعليقاتٍ مهمة واضحة كل
الوضوح. وكل ذلك بأسلوبٍ فني رائع جعلَنا نشعر معه بأن البحر هو
الموضوع الأساسي الذي دارت حوله الأوديسة، والبحر المقصود هنا هو
البحر الأبيض المتوسط؛ إذ لا يمكن فصل البحر الأبيض المتوسط عن
الأوديسة ولا فصل الأوديسة عنه، كما فعل بعض العلماء والنقاد الذين
ذهب بعضهم إلى القول بأن المقصود بالبحر هنا هو الخليج الفارسي،
وبعضهم الآخر بأنه البحر الأسود. وهذا كله غير صحيح لأننا نَشتَم
رائحة البحر الأبيض في ثنايا هذه الأشعار من أولها إلى آخرها ولا
نستنشق غير عبيره منذ بداية الأوديسة؛ لذلك حاول بعض العلماء البحث
عن الأماكن والبلاد التي تكلَّمَت عنها الأوديسة وتحقيق مواضعها في
الوقت الحاضر. وقد سار النُّقَّاد في هذا السبيل أثَر فكتور بيرار
الذي طاف حول البحر الأبيض المتوسط وأخذ يجوب أطرافه المختلفة
باحثًا ومنقبًا عن الطريق الذي سلكه البطل أوديسيوس في قديم
الزمان. ولقد تهكَّم عليه الناس وسخروا منه كل السخرية، ولكنهم
كانوا مخطئين في هذا كل الخطأ؛ إذ من الجائز أن يكون فكتور قد بالغ
في تحقيقاته الجغرافية؛ فهناك من المؤرخين الألمان مثل شميدت الذي
يقول بأن جغرافية الأوديسة ترتكز في كثيرٍ من الأحيان على جزءٍ
عظيم من الخرافات والأباطيل والخيالات والأوهام. ومن الجائز أن
يكون في قولهم هذا شيء من الصحة؛ لأننا نرى فكتور بيرار يخطئ عندما
يقول إن بلاد الكوكلوبيس (أي أصحاب العيون المستديرة) هي البلاد
الواقعة عند خليج نابولي، وإن بلاد اللايستروجونيين تُوجد في جزيرة
سردينيا أو على ساحل شبه جزيرة سيبيريا، ولكن فكتور بيرار لم يُخطئ
دائمًا إذ نجد في كلامه وتحقيقاته الجغرافية كثيرًا من الصحة؛ إذ
ليس هناك شك في أن الشاعر كان يتكلم عن علم ودراية، وفي أن خيال
الشاعر هوميروس كان يدور حول بلادٍ حقيقية ومراكز تاريخيةٍ صحيحة.
وليس هناك شك في أن الكثير من معلوماته الجغرافية كانت دقيقة كل
الدقة بحيث تدعو إلى الإعجاب. وهذا لا يناقض القول القائل بأن في
شعره كثيرًا من الخرافات التي لا تقوم على أساسٍ صحيح. وليست هذه
المناظر وحدها أو الوصف البديع لهذه المناظر الطبيعية هي التي تجعل
الأوديسة تختلف كل الاختلاف عن الإلياذة في الموضوع. وليست أيضًا
هذه المناظر فحسب هي التي تجعلنا نقول بأن البحر الأبيض المتوسط هو
المقصود في الأوديسة. أما الخرافات
الشعبية folk-lore الموجودة في الأوديسة فإنما هي خرافاتٌ
لشعوبٍ بَحرية تسكُن حول البحر الأبيض المتوسط. والأوديسة مملوءة
بهذه الخرافات، كخرافة الكوكلوبيس وكالوبسو وكيركي وسكولا. كل هذه
تنتمي إلى خرافاتٍ شعبية أقدم بكثير من حرب طروادة؛ إذ تجد لها
آثارًا فيما تبقَّى من آثار الحضارة المينوية.
وتختلف الأوديسة عن الإلياذة في العادات التي تُوصف فيها؛ ذلك أن
الآراء قد تهذَّبتْ وأصبحتْ تتعلَّق بالجنس البشري بحيث لم نعُد
نرى أبطالًا يتصفون بالقوة والوحشية وحب إراقة الدماء. نرى هذه
التغيُّرات في أفكار الناس عن الآلهة؛ فالآلهة في الأوديسة تُعتبَر
كالبشر لها عواطف ونوازع، كما أن الناس ابتدءوا ينظرون إليهم
كحُماةٍ يُدافعون عن هذه القوانين السائدة في المجتمع، كما يدُل
على هذا الكثير من الفقرات المتعلقة بهذا الموضوع.