العشيق والقرين
ففتحت له كونستانس الباب، فدخل وهو يقول: لله ما أبْلَدَ زوجك. قالت: وهل سمعت ما دار بيننا؟ قال: لم تَفُتْنِي منه كلمة. قالت: وكيف تسنَّى لك ذلك؟ قال: مِنْ شَقٍّ في السقف أسمع منه وأرى، وبه سمعتُ ما جرى لكِ مع شرطة الكردينال. قالت: وعلامَ وقفْتَ من أمرِنا؟ قال: على شيءٍ كثيرٍ، منه أن زوجك رجل بليد بارد وهو ما أُسَرُّ له، وأنك حائرة في أمرٍ وهو ما كنتُ أتمناه ذريعة لبعض الخدمة لك ولو كان دونها ذهاب نفسي، وأن الملكة في حاجة إلى رجل شجاع يذهب في رسالة لها إلى لندرة، وإني ذلك الرجل. قالت: وهل تَصْدُقُني الخدمة إذا سَلَّمْتُكَ سِرِّي؟ قال: إي وحياتِك، وحياةِ أشواقي إليك وتربة صبري الجميل فيك. فقالت وقد تنهَّدت: ويْلاهُ، وكيف أبوح لك بالسر وأنت غلامٌ حَدَث؟ قال: أفتريدين مَنْ يشهد لك بي؟ قالت: نعم وهو أقرب للثقة فيك. قال: أتعرفين أتوس وبرتوس وأراميس؟ قالت: لا، فممن هم؟ قال: من حُرَّاس الملك، وقائدهم دي تريفيل، أفما تعرفينه؟ قالت: بلى سمعت به. قال: فاستوصي إليه بسرك فإنه رجل قوي أمين. قالت: إن سري ليس لي فأبوح به. قال: وكيف بُحْتِ به لزوجك؟ قالت: إنه مغفل لا يدري ما يسمع. قال: أفما تَرَيْنَ بي الثقة لسِرِّك في الذي تطلبينه مني؟ قالت: نعم، فإني أراك شجاعًا أمينًا كريم النبعتين نبيل الحسَب. قال: وأزيدك على ذلك أني عاشق لك، وأنتِ أَدْرَى بِفِعْلِ مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ. قالت: أقسم لك بالله أنك إذا خنتني وأفشيت سري أقتل نفسي وأتهمك بقتلي. قال: وأنا أقسم لك أن موتي أدنى إليَّ من أن أبوح بكلمة من سرك، وإني ممن يقول وأكتم السرَّ فيه ضربة العنق. قالت: أبلغْتَ، فاسْمَعْ. وقصَّت عليه القصة من أولها إلى آخرها، فازْدَهَى الفتى كِبْرًا وتِيهًا وقال: أنا لها واللهِ، وأسافر الآنَ. قالت: ألا تذكر أن لك قائدًا تطيعه؟ قال: نعم، فقد أنسيتني ذلك، فأنا أستأذنه ويكون وسيطي في ذلك دي تريفيل فهو صهر قائدي دي زيسار. قالت: وهل في يدك مال؟ قال: لا. فقامت إلى الخزانة وأخذت الصُّرَّة التي جاء بها زوجها وقالت له: خذْ هذه واسْتَعِنْ بها على نفقة الرحيل. قال: تبارك الله، قد استعنَّا على الكردينال بماله. قالت: نعم، وذلك دأب العادل في الظالم. ثمَّ أنصتت وقالت — وقد أخذتها الرِّعْدَة: إنِّي أسمع كلامًا في الطريق وهو صوت زوجي. فوثب الفتى إلى بابه السري وقال: لا تفتحي حتى أصعد. قالت: وأنا فما أصنع إذا وجدني هنا ولم يَجِدِ الصُّرَّة؟ قال: فاخْرُجي من البيت. قالت: إذا خرجْتُ يراني. قال: فتعالَيْ إلى بيتي ولا تتماهلي. ثمَّ أخذ بيدها وصعد بها إلى منزله وأوصد الباب ووقف وإياها في النافذة ينظر مِنْ خَصَاصِها، فرأى زوجها مقبلًا ومعه رجل متدثر برداء، فما هو إلا أن رآه حتى شَهَرَ سيفه ووثب إلى الباب، فقالت: ما بالك؟ قال: هذا خَصْمي وقد حلفْت أن أقتلَه. قالت: بحياتي عليك لا تفعل، فليس الآن وقت القتال. قال: صدقت. وعاد إلى النافذة فوجد الرجل قد دخل البيت والتفت إلى صاحبه وقال: لقد ذهبت امرأتي إلى اللوفر. قال: وهل أنت في ثقة من أنها جاهلة سبب خروجك؟ قال: لا أعلم. قال: وهل ضيفك في بيته؟ قال: لا، فإن الباب مقفل وخادمه غائب. قال: لا بأس من أن تطرق الباب لنكون في مأمن من وجوده. قال: نعم. وصعد السلم فطرق الباب، فلَبِثَ الفتى والامرأة لا يتحركان، فقال زوجها للرجل: إنه غائب عن بيته. قال: حسن، فلندخل إلى دارك. فقالت كونستانس لدارتانيان: إذن يَخْفَى علينا كلامُهما فلا نسمع. قال: لا بل نسمع كما لو كُنَّا بينهما. ثمَّ قادها بيدها إلى ثقب وأكبَّا عليه يسمعان، فقال صاحب الرداء لزوجها: هل أنت في مأمن من أن يسمعنا أحد؟ قال: نعم. قال: وهل أنت في ثقة من أنها ذهبت إلى اللوفر؟ قال: نعم. قال: إن لذلك عندي أهمية كبرى. قال: كما أن للخبر الذي أخبرتك به جائزة عظمى. قال: اتَّكِلْ عليَّ في ذلك، ولكن ألا تذكر أنك سمعت من امرأتك بعض الأسماء مثل دي شفريز وبيكنهام وغيرهما؟ قال: لا، لم تَقُلْ لي إلا أن أذهب إلى لندرة برسالة مهمة. فاغتاظت لذلك امرأتُه وجعلتْ تَحْرِقُ الْأُرَّم، ثمَّ همَّت بالكلام فمنعها دارتانيان وقال: اسمعي. فقال له الرجل: لو استرسلْتَ معها إلى النهاية فأخذْتَ الرسالة لكانت لك صلة حسنة. قال: ذلك لم يفُت، وسأحصل عليه. قال: كيف تصنع؟ قال: أذهب إلى اللوفر فأخدعها وآخذها منها وأعود بها إلى الكردينال. قال: أنت وذاك، ونِعْمَ ما تفعل. ثمَّ خرج وعمد الرجل إلى الخزانة يطلب الصُّرَّة فلم يَجِدْها، فطار عقلُه وأخذ يندُب ويَصِيح، ثمَّ خرج إلى الطريق وهو يستغيث ويسأل المارَّة عن السارق، فقالت كونستانس لدارتانيان: الآن فاصنع ما قلتُ لكَ وابذل فيه غاية الجهد؛ فإن ذلك خدمة للملكة. قال: وخدمة لحبك أيضًا. ثمَّ التفَّ بعباءة له وتقلد سيفه وخرج، وأَتْبَعَتْهُ كونستانس نظرَها إلى أن غاب، فجثَت على ركبتيها وهي تقول: اللهم احفظ الملكة واحفظني بقدرتك يا أرحم الراحمين.