تدبير السفر
فذهب دارتانيان توًّا إلى دي تريفيل ودخل عليه وهو يساور نفسه بين أن يبوح بالسر أو يكتمه، حتى عزم على الإقرار لعلمه أنه من حزب الملكة وأعداء الكردينال، فلما رآه دي تريفيل قال: ما وراءَك يا بُنَيَّ؟ قال: أمر مهم يتعلق بمقام الملكة وعليه تتوقف حياتُها وشرفُها، وهو سر أسعدني الحظ بالوقوف عليه. قال: أَلَك هو أم لغيرك؟ قال: لا، بل للملكة، وقد شُدِّدَ عليَّ بكتمانه، إلا أني لمَّا رأيت أن لا فائدة لي منه بدونك رأيت أن أُطلعك عليه وأنا في ثقة من كتمانك له. قال: إياك والإفشاءَ لي أو لغيري، بل قل ما تريد. قال: رخصة من دي زيسار إليَّ خمسة عشر يومًا تكون بداءتها من هذه الليلة في سفر إلى لندره، يعارضني فيه الكردينال أشد المعارضة. قال: أَوَحْدَكَ ترحل؟ قال: نعم، وما عليَّ إذا ذهبتُ وَحْدِي؟ قال: أخشى عليكَ القتلَ وافتضاح الأمر، فينبغي أن تكونوا أربعة لِيَسْلَمَ منكم واحدٌ على الأقل. قال: نعم، ولكن أنتَ تعلم أن أتوس وبرتوس وأراميس لا بدَّ من أن يعلموا بالسر، فقد تعاقدْنا على أن لا يكتمَ أحدُنا الآخرَ شيئًا. قال: لا تخف، فأنا أقول لهم إنك ذاهبٌ في أمرٍ خطيرٍ وفي ذلك مَقْنَعٌ لهم، وأُرخِّص لأتوس بالذهاب للاستحمام في مياه فورج للشفاء من جُرْحه ولرفيقيه بالذهاب معه؛ وبتلك الحُجَّة يتسهَّل رحيلكم معًا، فاذهب الليلة إلى أصحابك وأخبرهم، ثمَّ هل معك مال يكفيك؟ فأراه دارتانيان الصُّرَّة، فقال: وكم فيها؟ قال: ثلاثمائة دينار. قال: تكفي، فاذهب على الطائر الميمون. فودَّعه دارتانيان وذهب إلى بيت أراميس فوجده في منزله، فجلس إليه يحادثه، وإذا بخادم دي تريفيل قد دخل عليهما وأعطى أراميس صُرَّة مختومة، فقال له: ما هذا؟ قال: رخصة السفر يا مولاي، فقال: وأي رخصة سفر؟ فقال له دارتانيان: خُذْ مِنْ جِذْعٍ ما أَعْطاك ولا تَقُلْ كيف ذاك. ثمَّ أخرج دينارًا فألقاه إلى الخادم وقال له: أَقْرِئْ سيدَك السلام.
أيها الصديق أتوس. قد رأيت أن أراعي صحتك بأن أسمح لك بالاستقالة خمسة عشر يومًا تذهب فيها إلى مياه فورج أو غيرها من المياه النافعة. والسلام عليك.
ثمَّ قال: معناها أن تتبعني إلى حيث أذهب. قال: إلى مياه فورج؟ قال: نعم، وإلى غيرها في خدمة الملكة. وفيما هو يتكلم دخل بورتوس وهو يقول: لم أسمع قَطُّ من يوم دخلتُ في جملة الحراس أنه تُعطى رخصة لأحد من غير أن يطلبها. فقال له دارتانيان: ولكن لا ينبغي أن تَعْجَبَ إذا طلبها له أصحابه. قال: إنِّي أرى في ذلك سِرًّا. قال: نعم، وهو أن تذهب إلى لندره. قال: وما معنى ذلك؟ قال: إنه سِرٌّ لا يَدَ لي في إفشائه، فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله. فقالوا: ومن أين لنا المال ونحن صِفْر من الدراهم؟ قال: ذلك عليَّ، ثمَّ طرح الصُّرَّة بين أيديهم وقال: نقتسمها، فهي تَكْفينا لِأَنَّا لا نصل كلُّنا إلى لندرة على ما أظن. قالوا: ولِمَ ذلك؟ قال: قد يمكن أن يتخلَّف بعضُنا في الطريق. قالوا: تلك إذن غزوة؟ قال: نعم، غزوة شديدة الخطر ولا تؤاخذوني إذا كتمتكم أسبابَها إلى أجل مُسَمًّى. قالوا: رَضِينا، وتلك عاداتنا في بيع أرواحنا، فقالوا: أسرعوا يا قوم، فالزمان قصير. فنادى الأربعة غِلْمانهم وقالوا لهم: أَسْرِجُوا الخيولَ وانتظرونا على باب دي تريفيل. فمضى الغلمان فيما أُمِروا به، وأقام الموالي يتشاورون كيف يذهبون، فقال بعضهم: ننصرف تِباعًا. وقال بعضهم: يذهب كل منَّا في طريق ونتخازم في كاله، فقال دارتانيان: أخطأتم يا قوم، فإن بعثتنا في كتاب نوصله إلى لندرة ولا نقدر أن نجعل له نُسخًا أربعًا لأنه مختوم بختم خاص لا وصول لنا إليه، ولكننا نذهب معًا. قالوا: صدقْتَ، وسنعتاض عن مياه فورج بمياه المانش ولا نُقِرُّ بِوِجْهتنا، ولو ذهبتْ دون ذلك أرواحُنا، ونُسَلِّح الأتباعَ ونتسلَّح فنكون سَرِيَّة من ثمانية فرسان. قال: أحسنتم، فاقْتَسِموا المال. فاقتسموا ما في الصُّرَّة وأخذوا يتجهَّزون للرحيل.