بورتوس
ولما بلغا المنزل نزل خادمُه فيه وسار هو توًّا إلى دي تريفيل، وقد صمَّم على أن لا يكتمَه شيئًا عسى أن يكون له بعض المساعدة، فلما قابله قصَّ عليه القصة فقال له: إن ذلك بلا شك بأمر الكردينال. قال: وكيف العمل؟ قال: أن تفارق باريز الساعةَ كما قلتُ لك أمس، وأنا هنا أنظر الملكة وأقص عليها خبر الامرأة، وعسى أن يكونَ لك في ذلك بعضُ الخير. فودَّعه دارتانيان وانصرف إلى منزله، فوجد بوناسيه رجل الامرأة واقفًا على الباب، فتأمَّلَه ليعرفَ صدق كلام خادمه فرآه قد تغير لونُه عند مرآه، فمرَّ به الفتى ولم يكلِّمه، فقال له الرجل: رويدَك يا مولاي، فقد أطلت الغياب أمس فلم ترجِع إلا عند هُبوب الناس مِنْ رُقادهم. قال: إنك ترى ذلك فتلوم غيرك لأنك ذو امرأة جميلة تُغنيك عن السعي وراءَ غيرها. قال: نعم، ولكني أرى نَعْلَيْكَ يَعْلُوهما الوحلُ كثيرًا حتى كأنك سلكتَ أرضًا مُوحِلة. فنظر دارتانيان إلى نَعْلَيْهِ، ثمَّ نظر إلى نَعْلَيْ صاحبِه فرأى لونَ الوحل واحدًا على النعلين؛ ففطن للأمر، وعلم أن الرجل كان من جملة الذين خطفوا امرأته، فخطر له أن يثب عليه فيقتله لولا أن خاف من سوء العاقبة، فقال: عَيَّرَ بُجَيْرٌ بُجَرَهُ نَسِيَ بُجَيْرٌ خَبَرَهُ، أراك تُعَيِّرني بالوحْل على نعلي، وعلى نعليك أكثرُ منه، في حين أنت غَنِيٌّ عن دلج الليل ومكابدة السُّرَى. فتَلَجْلَجَ لسانُ الرجل وصمت. فتركه وصعد إلى منزله بعد أن تحقق لديه أن صاحب الفندق كان غائبًا عن بيته في تلك الليلة، فقابله الخادم وقال له: لو تعرف يا مولاي من زارك اليوم من مدة ربع ساعة وأنت عند جارك؟ قال: من عساه يكون؟ قال: دي كافوا قائد حرس الكردينال. قال: وما شأنه؟ قال: لا أدري سوى أنه قال لي أنْ أُبْلِغَك من قِبَل الكردينال أن تذهبَ إلى البلاط الملوكي في هذا اليوم، فأجبته أنك غائب، فهمس في أذني أنْ قُلْ لسيدك مِنْ قِبَلي أن الكردينال متغير عليه وأن حياته تتوقف على ذهابه إليه، ثمَّ ذهب. قال: فاستعِدَّ الآنَ للسفر لنرى ما حلَّ بأصحابنا الذين خلفناهم في الطريق، وأَسْرِجْ لهم خيلًا نأخذها معنا. فلَبَّى وفعل، ثمَّ سارا حتى بلغ شانتينلي وانتهيا إلى الفندق الذي نزلوا به جميعًا في ذهابهم، فقال دارتانيان لصاحبه: إن لي صديقًا تركتُه هنا في بِرَاز، فأين هو الآن؟ قال: هنا يا مولاي وهو جريح، وقد تَجَشَّمْنا له نفقات طائلة وكثر تقاضينا له، وهو مُمْلِقٌ فتوعَّدَنا بالقتل إذا دخَلْنا عليه، فإذا دخلْتَ عليه فتكنَّى قبلَ أن تدخل لِئَلَّا يصيبَك بمكروه. قال: وما فعل بفرسه؟ قال: قامر عليه فخسره. قال: لا تَخْشَ على مالك، فإن له صديقةً شريفة تُمِدُّه بالمال. قال: أعرفها يا مولاي، وقد كتب لها كتابًا وأَمَرَنا بوضعه في البريد فأرسلتُه مع خادم لي كان ذاهبًا إلى باريز لِأُبْقِي لنفسي أجرةَ البريد، فعاد وأخْبَرَنِي أنها غَضْبَى على صديقها غَيْرَةً عليه من أن يكون قد عَشِقَ سواها، وهي عجوزٌ تبلغ الخمسينَ من العمر، وإني لَأَعْجَبُ كيف تَغار عليه. قال: ألا تعلم كيف كان القتال بين بورتوس وخَصْمه؟ قال: لقد تبعتهما فرأيتهما يتجاوَلان، ثمَّ جُرِحَ بورتوس وهمَّ خَصْمُه بقتله وسأله عن اسمه فقال: إنه يُدْعَى بورتوس، فقال: نعفو عنك فلا فائدة لنا بقتلك وما نريد إلا دارتانيان، ثمَّ حَمَلَهُ جريحًا إلى الفندق ورَكِبَ جوادَه وسار، ولم أَقِفْ له على أثَر بعد ذلك. قال: وأين بورتوس الآن؟ قال: في الغرفة الموسومة بالعدد الأول. فصعد دارتانيان وطرق الباب ففتح له ودخل، فوجد بورتوس في الفراش، فسلَّم عليه وقصه القصة، فقال: هجمت على خَصْمي لأضربَه فعثرت بحجر فسقطت، ولولا ذلك ما كنت على ما تراني عليه. فجعل دارتانيان يُعَرِّض له بذكر عشيقته، فأجابه بأنه قد طلب منها مالًا فلم تُجِبْه، وأنه قد أَمْلَقَ حتى اضْطُرَّ إلى أن يحاصَرَ في غرفته لكثرة ما عليه من الدَّيْن. فأقام دارتانيان عندَه بُرْهَة ثمَّ ودَّعه وسار يطلب أراميس بعد؛ إذ ترك لبورتوس الجواد الذي جاءه به من عند بيكنهام.