الزيارة
أيها الصديق ليس من العدل أن تقاطع أصحابَك في حين أنت وشيك المفارقة لهم. ولقد انتظرتُك أمس أنا وسَلَفِي فلم تَأْتِ، وعسى أن لا يَضِيعَ انتظارُنا في هذا المساء. والسلام.
فلما أتم قراءة الرسالة قالت له كاتي: هل أنت ذاهب؟ قال: نعم، وهو ما تدعوني إليه الضرورةُ لئلَّا تُوجِسَ مني شيئًا في انقطاعي بعد كثرة ترددي، وأخاف أن يلحقَ بكِ من ذلك مكروه، وكيف كان الحال فلا سبيل لك إلى الْغَيْرَة عليَّ، فليست زيارتي لها بزيارة عشق بل زيارة استطلاع لِمَا في القلوب، فاطمئني وانصرفي. فانصرفت.
ولما كانت الساعة التاسعة ذهب دارتانيان إلى ميلادي ودخل عليها فوجدها جالسة على مرتبة وهي مُصْفَرَّة الوجه وفي عينيها أثر الحزن والْوَجْد، فاستخبرها عن حالها فقالت: في كَرْب شديد. قال: إذن أخرج عَنْكِ فأنتِ في حاجة إلى الراحة؟ قال: لا، بل تظل لديَّ فإن مقامك عندي يخفف عني بعض ما بي، فقال دارتانيان في نفسه: أراها تزيد لِينًا ولطافةً، فيجب أن أحذَرها وقد قيل:
ثمَّ قالت له: هل لكَ خليلة؟ فتنهَّد وقال:
تسألينني عن ذلك وأنا لكِ عاشق وبكِ مفتون من يوم رأيتُكِ حتى صحَّ فيَّ ما قيل:
قالت: وهل تحبني؟ فقال:
قالت: نعم، ولكن لِمَ لا تبوح؟ أما سمعت ما قيل:
قال: صدقْتِ، ولكني أخشى أن يحولَ منك دون ذلك بعض الموانع بحيث أصبحت أرجوك وأخشاك. قالت: إذا كنت أحبك فلا مانع إن شاء الله، فقال دارتانيان في نفسه: الله أكبر، لعلها عشقتني، ثمَّ دَنا منها، فقالت له: وما برهانُكَ على حبي؟ قال: مُرِي تَرَي. قالت: إن لي عدوًّا. قال: يا سبحانَ الله، وهل للوجه المليح أعداء؟ قالت: نعم عدوٌّ أَلَدُّ خَرَقَ حُرْمتي وحَطَّ مِنْ قَدْرِي، وأنا مستعينة بك عليه. قال: ومَنْ عساهُ يكون؟ قال: هو الكونت دي ويرد الخادع الماكر. قال: نعم وكرامة. قالت: وما ثوابُكَ عندي؟ قال: وما ثواب المحب عند محبوبه إلا مثل هذا، ثمَّ جذبها إليه وقبَّلها وقال: عرفْت عدوك. قالت: كيف عرفْتَه؟ قال: لقيتُه أمس في سمَر فأراني خاتمًا زَعَمَ أنه مِنْك، وأنا لذلك أنتقم لك منه غدًا، فإما نَصْرٌ وإمَّا مَوْت، ولكني أستصعب الموت في سبيل حبك وما بيدي منك غير الأمل. قالت: صدقت، فاذهب الآنَ فإن سَلَفِي آتٍ ولا يجمل بي أن يراك هنا، ثمَّ ترجع عند الساعة الحادية عشرة، ثمَّ دعت كاتي فقالت لها: متى جاء فخُذِيه إلى غرفتي. قالت: نعم، ثمَّ قبَّل يَدَها وخرج.
