فائدة الأسطوانة
ودخل الحراس غرفتهم يتساءلون عمَّن عساهُ يكون الذي يقابله الكردينال، ثمَّ جلس أراميس وبورتوس في ناحية يتقامران وجعل أتوس يتمشَّى في الغرفة مفكِّرًا متأمِّلًا، وإذا به يسمع صوتًا خارجًا من أسطوانة الموقد المتصلة بالغرفة السفلى، فأشار إلى صاحبيه بالسكوت ودنا من الثقب وألصق به أذنه، فسمع الكردينال يقول: اسمعي يا ميلادي، فإن الأمر خطير واجلسي أحدِّثك. قالت: يقول مولاي؛ فإني سامعة مطيعة. فلما سمع أتوس صوتها ارتعدت فرائصُه واقْشَعَرَّ جِلْدُه، فقال الكردينال: تذهبين غدًا صباحًا إلى مَصَبِّ نهر شارانت فتجدين سفينة إنكليزية الهيئة وربانها من قِبَلي فتركبينها. قالت: إذن أَذْهَبُ الليلةَ. قال: نعم، ولكن بعد أن أرسم لك ما أريد، فتجدين لدى الباب رجلين يذهبان معك، ويكون خروجك من هنا بعد خروجي بنصف ساعة. قالت: فلْنَعُدْ إلى البعثة التي أنا صائرة إليها، وألتمس أن تكون تفاصيلك واضحة حتى لا يفوتَني شيءٌ منها. فسكت الكردينال برهة ليجمع بها فكره ويرتب سرد أوامره. فاغتنم أتوس ذلك وأشار إلى صاحبيه بإقفال الباب والدنو للسماع معه، ففعلا وجلسوا جميعًا، فقال الكردينال: تذهبين إلى لندرة فتلتقين باللورد بيكنهام. قالت: لا أقدر يا مولاي، فإنه لم يَعُدْ يأمنني بعد أخذي منه الجوهرتين. قال: لستِ الآن في شيءٍ من ذلك، ولكنك تذهبين إليه في سفارة، فتقولين له من قِبَلي إنِّي عارف بكل ما يصنع وأنا في مأمن منه، وعند أقل حركة بيديه أذهب بنفس الملكة. قالت: وهل يصدِّق أنك قادر على ذلك؟ قال: نعم، بعلامات تأخذينها مني، فتقولين له إني أبوح بمقابلته للملكة وقد جاءها بثياب المغول التي اشتراها بثلاثة آلاف دينار، ثمَّ تقولين له بأني عارف بدخوله القصر بهيئة قصاص إيطالي وفي ثوبه رقعة بيضاء فيها رسم جمجمة وعظام، ثمَّ تقولين له بأني أنشر حادثة أميان بتفاصيلها، وأن رسوله مونتسكي في سجن الباستيل تحت أمري وسأجعله يقرُّ بكل ما يعرف، ثمَّ تذكرين له بأني وجدت في غرفته في جزيرة ري بعد ما انهزم منها أوراقًا من دي شفريز بشأن الملكة تتضمن خيانتها للملك وعشقها لأعدائه وهو ما يوجب عليها القتل. قالت: نعم. وأعادت عليه الكلام بعينه لتستوثق من حفظه، ثمَّ قالت: ولعل اللورد لا يقنع بذلك بل يستمر على حصار فرنسا. قال: لا، فإنه شديد الْكَلَف بالملكة مشغوف بها إلى حدٍّ يكون جنونًا، فهو يخشى عليها كثيرًا حتى يُضْطَرَّ إلى الإمساك عن القتال. قالت: وإذا ثبت في عزمه؟ قال: إذن تقتلينه. قالت: وكيف يكون ذلك؟ قال: تلتمسين امرأة بارعة في الجمال جدًّا وترشينها بالمال وتغرينها به فتقتله وتخلص فرنسا. قالت: يكون ذلك لولا أن فيه عار الغدر. قال: ولكنه لا يدري به أحد. قالت: إذا شئتَ فأنا مطيعة، على أن تكتبَ لي صكًّا أكون فيه بريئة من كل ما أصنع. قال: نعم، على أن تجدي الامرأة. قالت: ذلك عليَّ يا مولاي، فاكتب لي ما قلت لك وافسح لي في أن أعرضَ عليك أمر أعدائي. قال: وهل لك أعداء؟ قال: نعم، وقد عاديتُهم في سبيل خدمتك. قال: ومَن هُم؟ قالت: أولهم بوناسيه. قال: هي في السجن. قالت: لا، فقد أخرجَتْها الملكة بأمرٍ من الملك إلى أحد الأديرة. قال: أيها هو؟ قالت: لا أدري، فإن ذلك سِرٌّ لم أَصِلْ إليه. قال: أنا أبحث عنه وأخبرك بعد ذلك. قالت: ثمَّ إن لي عدوًّا آخر وهو صديقها. قال: ومَنْ عساه يكون؟ قالت: تعرفه يا مولاي، وهو الذي انتصر على حُرَّاسك، وهو الذي جرح الكونت ويرد في طريق إنكلترا، وهو الذي عزم على قتلي لأني خطفت صديقته. قال: عرفته، أليس دارتانيان الذي تعنين؟ قالت: هو بعينه، فمن لنا به؟ قال: لو كان في يدِك حُجَّة عليه أنه ذهب إلى بيكنهام لأودَعْتُه سجن الباستيل. قالت: عندي، فأَمْهِلْني واكتب لي الآن ما قلت لك. قال: هاتي الدَّوَاةَ والْقِرْطاس. ففعلَتْ، وجلس يكتب. فأخذ أتوس صاحبيه وقادهما إلى طرَف الغرفة فقالا: لماذا لا تدعنا نستوفي الحكاية؟ قال: سمعنا كل المهم، وأنا أريد أن أخرج. قالا: وإذا طلبك الكردينال. قال: تقولان عَلِمَ من صاحب الفندق أن الطريق خطرة فخرج يتجسسها. قالا: نعم، ثمَّ خرج وركب فرسه وسار في طريق المعسكر.