الرسالتان
أيها اللورد
إن كاتب هذه الرسالة قد أسعده الدهر بأنْ بارَزَكَ في شارع لانفير، ولما كنتَ لي صديقًا رأيت أن أحذِّرك من إحدى ذوي قُرْباك تحاول قتلك باعتقاد أنها وريثتك، وهي امرأة قد تزوجت في فرنسا ثمَّ تزوجت في إنكلترا، وهي سائرة إليك الآنَ فترصَّدْها فإن مقاصدهما عظيمة سيئة، وإذا شئتَ دليلًا على صِدق كلامي فاقرأ ما هو منقوش على كتفها الأيسر.
ابنة العم العزيزة
إن الكردينال — حفظه الله تعالى وأمتعنا به — قد أوشك أن ينتهي من حرب الإنكليز لعجزهم عن إرسال عِمَارتهم بما يعترضهم من حرج الموقف، وفي ظني أن بيكنهام لا يقدر على المجيء إلى الحصار لحائل يحول دونَه، فإن الكردينال أشهر سياسي لم يَقُمْ له مثيل ولن يقوم، فأخبري بذلك أختك، ثمَّ إنِّي قد حلمت أن بيكنهام اللئيم قد قُتل ولا أذكر كيف كان ذلك بسمٍّ أم بجارحة، إلا إنِّي أذكر أني رأيته قتيلًا، وأنت تعلمين أن أحلامي لا تكذب، فأيقني بعودتي إليك. والسلام.
فقال أتوس: لله دَرُّك ما أَرَقَّ تلطفك وتلميحك، وأَبْصَرَك بِضُروب البيان، فعَنْوِنِ الكتاب. قال: ذلك سهل، وكتب: «إلى ماري ميشون قَصَّارَة ثياب في تور». فجعل أصحابه يتغامزون ويتضاحكون من قوله، فقال: تعلمون يا قوم أنه لا يقوم بهذه الرسالة إلا بازين خادمي؛ لأنه يعرف صاحبتها وتعرفه، فلا تسلِّم رسائلَها لغيره. فقال دارتانيان: كذلك لا يقوم برسالة لندرة إلا بلانشت لأنه ذهب إلى تلك البلاد فهو يعرف أن يقولَ لهم بلغتهم أين الطريق وإني آتٍ من قِبَل دارتانيان. فقال أتوس: إذن يذهب بلانشت إلى لندرة ويأخذ لنفقته سبعمائة دينار للذهاب ومثلها للإياب، ويأخذ بازين ثلاثمائة لذهابه ورجوعه. فدعا دارتانيان ببلانشت وأغراه بالمال وأوصاه بالتحفُّظ على الرسالة، وأن لا تصل إلى غير صاحبها، فقال: أضعها يا مولاي في بطانة ثوبي وإذا اضْطُرِرْتُ أبتلعها فلا تظهر بعد ذلك أبدًا، وإني سأحفظها غدًا عن ظهر قلبي. فقال له أتوس: إياكَ والإفشاءَ؛ فإنك بذلك تعرِّض مولاك للقتل، وواللهِ لئن فعلت لأطلبنَّك بين سَمْع الأرض وبَصَرِها، فلا أَدَعُ فيك عضوًا يتصل بآخرَ، ولك ثمانية أيام تذهب فيها ثمَّ تعود في مثلها. فلما كان اليوم الثاني ركب وودع القوم، فدنا منه دارتانيان وقال له: تقول لدى ونتر أن يحرص على حياة بيكنهام، فإن قومًا يطلبونها، وإياكَ أن تُظْهِر ذلك لغير اللورد. قال: نعم. وركض جواده وسار. وفي اليوم الثاني ذهب بازين رسالة تور، وكان موعد عودته إلى ثمانية أيام.
ابن العم العزيز
قد عرفنا أحلامك وجَزِعْنا لها لو كانت تَصْدُق، ولكنها أضغاثُ أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بِعالِمِين. والسلام عليك.
وبعد أيام قلائل — رَأَوْها كالأعوام — وفد بلانشت برسالة فيها: «أشكرك فكن مطمئنًّا»، فأخذها وأحرقها، ثمَّ نام وأصحابه براحة لم يذوقوها من قبل.