محادثة الأخ والأخت
فقال اللورد: أراكِ قد عُدْت إلى إنكلترا خلافًا لما قلته لي من أنك لا تدخلينها أبدًا، فما بدا لكِ؟ قالت: أخبرني قبلًا كيف عرفت بقدومي وساعة وصولي في الْفُلْك الذي حملني وباسمي الذي تسَتَّرْتُ به؟ قال: بل قولي لي أنتِ ما قَصْدُكِ في المجيء إلى إنكلترا؟ قالت: أتيتُ لأراك. فقال اللورد منذهلًا: لتريني؟ قالت: نعم لأراك، وأي عجب في ذلك؟ قال: ليس لك في دخول إنكلترا قصد سوى ذلك؟ قالت: لا. قال: إذن لأجلي وَحْدِي قطعْتِ المانش؟ قالت: نعم. قال: لله ما أشَدَّ حُنُوَّكِ وحبك يا أختاه! قالت: أوَلسْتُ أقربَ الناس إليك وأمسَّهم رَحِمًا بك؟ قال: نعم، حتى إنك الوريثة الوحيدة لي. فارْتاعت ميلادي لتلك العبارة وقالت: لا أفهم يا ميلورد ما تقول ولا ما تقصد في كلامك. قال: لا شُبْهَة في قولي، فإنك اشْتَقْتِ إليَّ فأتيتِ لتريني، فأنفَذْتُ إليكِ أحد خدمي يقودك إلى قصري هذا حيث تريني كل يوم فينطفئ ما بك من غُلَّة الشوق إليَّ، فأي إبهام في ذلك وأي عجب؟ قالت: إنِّي لأعجب كيف علمت بقدومي. قال: ذلك هَيِّن، فإن رئيس الْفُلْك بعث إليَّ مَنْ أعلمني فأرسلتُ إليكِ مَنْ أتَى بك. فعلمت ميلادي أنه يكذب عليها، فقالت: أوَليس اللورد بيكنهام الذي أبصرْتُه واقفًا على الشاطئ؟ قال: نعم، وهو يهمُّك جدًّا، بل يهم فرنسا، بل يهم صديقك الكردينال، ولكن ما لنا ولهذا الآن؟ قلت إنك آتية لمرآي؟ قالت: نعم. قال: وقد أعدَدْتُ لكِ مكانًا أراكِ فيه كلَّ يوم كما تحبين. قالت: إذن أقيم هنا أبدًا. قال: وهل في ذلك ما يسوءك. قالت: إنِّي هنا منفردة ليس معي خادماتي، وهو ما يوجب عليَّ الملل. قال: يكون لك ذلك، ولكن ألا تخبرينني أين زوجك الأول الفرنساوي؟ قالت: أظنك تمزح يا ميلورد. قال: ليست تلك عادتي. قالت وقد نهضت من مكانها واقفة: إذن أن تسخر بي وتهينني؟ قال: ولا ذلك. قالت: فإذن أنت سكران أو قليل الحياء، فاخرج وابعث لي بامرأةٍ. قال: إن النساء غير كتومات للسر، فلو بَقِيَ السرُّ بينهن فهو أولى وأستر. فقالت وقد هاجها الغضب: اخرج يا شقي. ثمَّ هجمت عليه كاللبؤة فردَّها بشماله وأهوى بيمينه على سيفه، وقال: أعرف أنك معتادة قتل الرجال، فأنا أحذر منك. قالت: أُفٍّ لك، أتمدُّ يدك إلى النساء؟ قال: ليست يدي بأول يدٍ مُدَّت إليك. وأشار بإصبعه إلى كتفها حتى مَسَّه، فأجفلت إجفال الْحَمَل وعادت حتى لصقت بالحائط وهي تُرْغِي وتُزْبِد، فقال: احنقي ما شئت بشرط أن لا تؤذي، فإن حاولْتِ ذلك أشكوك بخيانة أخي وأدمغ كتفَكِ الآخر. فهاجت ميلادي لذلك هِيَاجًا شديدًا حتى صارت عيناها كالدم، فقال: أنا أعلم أنك ورثتِ أخي وتودِّين أن ترثيني، كأنك لستِ قانعةً بما عندَك من وافر الثروة، فاعلمي أنك تقيمين هنا عشرين يومًا حتى أذهب بالجيش إلى روشل، ولكن قبل أن أذهب بيومٍ أُرْسلك إلى مستعمراتنا في الشمال حيث تقضين غابر أيامك منفية فلا تعودين، أما الآن فأنت في قصرٍ متين الجدران شاهق البناء موصَد الأبواب ولا نافذة لكِ إلا على البحر، فلا تقدرين على الفرار، وعلى بابك حُرَّاس أشدَّاء أُمَناء، ولا تَرَيْنَ إلا ضابطي هذا الذي جاء بكِ من البحر، وهو أصمُّ أَبْكَمُ لا يكاد يتكلم كما رأيتِ منه ولا ينخدع لكِ فيما أظن. ثمَّ أقبل إلى الباب ففتحه وقال للحارس: عليَّ بفلتون. ثمَّ دخل الفتى وأقفل الباب وراءه، فقال له ونتر: انظر إلى هذه المرأة وجمالها الفتَّان ووجهها الصَّبوح واعلم أنها شيطان في صورة إنسان وفي عنقها جرائم لا تُحْصَى، تستخدم جمالها هذا في سبيلها، فإياك وإياها واحذر أن تَغُرَّك أو تفتِنَك أو تسعى في قتلك؛ فقد انتشلْتُكَ يا فلتون من حَضِيض الفقر ومَهاوِي الذُّلِّ ورفعْتُ مكانك وخلصتك من الموت، فأنا لك أبٌ وصديق، فاحرص على هذه الامرأة فهي آتية إلى هنا لتقتلني، واحلف لي أنك لا تخون. فحلف، فقال له اللورد: لا تدعها تخرج من هذه الغرفة قَطُّ، ولا تكلِّم أحدًا سواك إذا تدانيت وكلمتها. فقال الفتى: كفى يا مولاي تشديدًا، فقد أقسمت. فالتفت اللورد إلى ميلادي وقال: إذن فاهدئي ولا تحاولي شرًّا فيعود عليك أعظم منه. ثمَّ خرج وتبعه فلتون، وجاء حارس شاهر سيفه يحرس ميلادي، وأقامت في همٍّ شديد يُشِيبُ ناصيةَ الصبيِّ ويُهْرِمُ.