الحراس في أنفسهم
ولما فصل دارتانيان وأصحابُه عن قصر اللوفر اقترحوا عليه طعامًا فأجابهم وأكلوا جميعًا، وكان يخدمهم على الطعام خادم بورتوس ويُدعى موسكتون، وكان شديدَ الإخلاص لسيده، وهو بيكاردي الأصل. أما أتوس فكان له خادم يُدعى كريمود، وكان أتوس كثير السكوت قليل الْهَذَر قَلَّما يتكلم أو يضحك مِلْءَ فِيه، وإذا تكلم كان كلامه على غاية الاختصار والإيجاز، ولم يكن يعشق امرأة قَطُّ وإن يكن بلغ الثلاثين من العمر على جماله وحُسْن قوامه وتوَقُّد ذِهْنه حتى لم يسمعه أحد يَذْكُر النساء. وكان قد أدَّب خادمه على أن يفهم منه لأول إشارة وأقل رمز، فلم يكن يكلمه إلا عند الضرورة. أما بورتوس فكان مغايرًا بالجملة لأتوس بكثرة كلامه وعُلُوِّ صوته وحبه للملاهي والضحك، وكان يتعشق أميرة غريبة البلاد. أما خادمه موسكتون فكان مثله وهو نورماندي الأصل. وأمَّا أراميس فكان له خادم يُدعى بازين قليل الكلام والتعرُّض، مطيع لكل ما يؤمر به. وأمَّا خادم دارتانيان فكان يُدعى بلانشت.
وإذ قد عرفنا خدم الثلاثة نُلْمِعُ قليلًا إلى مسكن كل واحد منهم، فقد كان أتوس ساكنًا في شارع فيرو على مقربة من ليكسمبرج في بيت صغير تخدمه فيه فتاة. وكان بورتوس نازلًا في شارع برج الحمام القديم في منزل واسع إلا أنه كان قلما يأتيه بحيث لا يكاد يوجد فيه إلا خادمه موسكتون. وكان منزل أراميس في مكان حسن تحيطه حديقة مزهِرة يرتاح النظر إليها. وأمَّا دارتانيان فقد عرفنا منزله وخادمه، وكان لا يعرف من أصحابه الثلاثة إلا أسماءهم الغريبة يُخْفُونَ تحتَها أسماءهم العريقة في المجد والشرف، فكان يستخبر من كُلٍّ منهم عن صاحبه فلا يخبره إلا عن ظاهره، فاجتمع ذات يوم بأراميس وأراد أن يعلم منه صحة ما هو شائع عن عشق بورتوس لامرأة شريفة غنية فقال له: إنِّي أراك تردد كثيرًا أسماء الأميرات وعقائل النساء، فما سبب ذلك؟ قال: إنِّي لا أتكلم إلا نقلًا عن صديقي بورتوس، وأنا قليل الرغبة في مثل ذلك. قال: إذا كنت كما تزعم فأنَّى لك ذلك الْمِنْدِيل الذي كان وصلةً للتعارف بيننا؟ قال: هو مِنْدِيل نسيهُ عندي أحد أصحابي، ولعله من صديقةٍ له. قال: إنِّي أعجب منك كيف أنك في مقام الحراس ولا رغبة لك في النساء. قال: ذلك لأني ناسك في ثياب حارس. قال: ألا تحدثني ببعض الشيء عن أصحابك؟ قال: أما الآن فلا سبيل إلى ذلك، فإن لي شأنًا يدعوني، فأستودعك الله. ثمَّ حيَّاه وذهب. فلبث دارتانيان حائرًا في أمر هؤلاء الثلاثة لا يَهْتِدي منهم إلى وجهٍ، ثمَّ ترك الأمر للتقادير وتمثَّل:
وكان اثنان من الحراس يُحِبَّان المقامرة إلا أراميس فلم يكن يتعاطاها قَطُّ. وكان الأربعة عائشين عِيشَةً راضية، يَتَلَقَّوْنَ أوامرهم كلَّ صباح فيعاونهم فيها دارتانيان وإن لم يكن منهم، فكانوا يحبُّونه حُبًّا شديدًا. ولم يَمْضِ عليه قليلٌ حتى أَمَرَ الملك دي زيسار أن يستنيبَه في أمره ويجعله ثانيه في المرتبة، فسُرَّ دراتانيان من ذلك لأمله بنَوال رتبةٍ بين الحراس، وقد زاد أملَه وعدُ دي تريفيل له أنه إذا مضى عليه سنتانِ في الخدمة، وهو قائم بما يُرْضِي الملك، يُرَقِّيه إلى رتبة الحراس، وكان يعاونه في أعماله ومَهَمَّاته رفاقُه الثلاثة.