اثنان من الأبالسة
فتلقته ميلادي بالترحاب وقالت له: من أين آتٍ؟ قال: من روشل، وأنتِ؟ قالت: من إنكلترا. قال: ما جرى ببيكنهام؟ قالت: جريح أو قتيل، فإني أغريت به بعض الجند ولا أدري ماذا جرى. قال: بارك الله فيك، فهل أعلمْتِ الكردينال؟ قالت: كتبت له من بولونيا، فما جاء بك إلى هنا؟ قال: أرسلني الكردينال لأبحث عنك، فمتى وصلتِ؟ قالت: أمس، ولم أُضِعِ الوقت سُدًى، أفلا تعرف من وجدت؟ قال: لا. قالت: وجدت الامرأة التي خَلَّصَتْها الملكة من السجن. قالت: أليست بوناسيه حبيبة دارتانيان؟ قالت: هي بعينها، والكردينال يجهل مقرَّها. قال: إن السعادة تخدم الكردينال هنَّأه الله. قالت: ولو رأيت انذهالي عندما وجدت هذه الامرأة. قال: هل عرفتْكِ؟ قالت: لا، بل هي تعتقد أني صديقتها الودودة. قال: لله دَرُّك، فلا أحد أقدر منك على فعل هذه العجائب يا كونتس. قالت: وقد عرفت منها أيضًا أنهم آتون لأخذها غدًا أو بعد غدٍ بأمر من الملكة. قال: ومن يأخذها؟ قالت: دارتانيان وأصحابه. قال: حسنًا يفعلون فإنهم يهيئون لنا فرصة نرسلهم فيها إلى سجن الباستيل. قالت: ولِمَ لم يسجنوا بعد؟ قال: أرى الكردينال ضعيفًا عنهم، ولا أدري لذلك سببًا. قالت: قُل له إذن إن محادثتي إياه في فندق برج الحمام قد سمعها هؤلاء الرجال الأربعة، وصعد إليَّ أحدهم بعد ذهابه فأخذ مني صك البراءة، وأنهم أخبروا اللورد ونتر بذهابي إلى إنكلترا ليحبطوا مَسْعاه كما فعلوا بالعقد، وقل له أيضًا إنه يجب أن يخشى اثنين منهم هما أتوس ودارتانيان وإن الثالث عشيق دي شفريز فلا يقتله فإن حياته تفيدنا لاستطلاع أسراره، أما بورتوس فلا تمسُّوه فإنه يُحسَب عليكم رجلًا ولا خير فيه. قال: أظن أنهم الآن في حصار روشل؟ قالت: لقد كنت أظن ذلك لولا أن رأيت الرسالة في يد بوناسيه تبشِّرها بقدومهم عن قريب. قال: كيف العمل؟ قالت: ما عندك لي؟ قال: أن آخذ ما لديك من الأخبار إمَّا خطًّا أو شفاهًا، ثمَّ أعود إلى الكردينال فيرسم لك ما تصنعين. قالت: وهل ألبث هنا؟ قال: كما شئت هنا أو في الضواحي. قالت: ألا أذهب معك؟ قال: ذلك لا يكون، فإنهم يعرفون أنك في المعسكر وهو ما يضرُّ بالكردينال. قالت: إذن أنتظر إمَّا هنا أو في ضواحي الدير. قال: عيِّني لي مكانًا أجدك فيه إذا طلبتك. قالت: إنِّي لا أقدر أن ألبث هنا خشية من أن يصل أعدائي أصحاب دارتانيان فيصيبني منهم مكروه. قال: إذن تُفْلِت هذه المرأة من الكردينال. قالت: مَعاذَ الله أن تُفْلِت أم نسيت أني صاحبتها المخلصة؟ فقل للكردينال إني أنا لها. قال: والآن: ما أصنع؟ قالت: تذهب مسرعًا إلى الكردينال فإن الأمر خطير. قال: لقد كُسِرت عربتي عند دخولي إلى ليليه. قالت: ذلك خير لأني في حاجة إليها، فاذهب راكبًا ولو كانت الشُّقَّة بعيدة، ثمَّ إذا وصلت إلى ليليه ترسل لي العربة وتوصي خادمها بالامتثال لي، ثمَّ تأمر راهبة الدير بالتسريح لي بالذهاب متى شئْتُ مع كل من يأتيني باسمك، ولا تنسَ أن تكلم الرئيسة بغيظ إذا ذكرتني لأني أوهمتها أني عدوة الكردينال وأني بُغْيَتُه. قال: وأين أجدك بعد ذلك؟ قالت وقد فكَّرت طويلًا: إنِّي أعرف هذه البلاد حق المعرفة لأني رُبيت بها، فإنك تجدني في أرمانتيير. قال: وما أرمانتيير؟ قالت: قرية صغيرة على ضفة نهر ليس، فإذا قطعته صرت في بلاد غير فرنسا. قال: نعم، ولكن لا تقطعيه إلا عند الخطر الشديد. قالت: نعم. قال: وأين أعرف مقرَّك؟ قالت: أفي حاجة أنت إلى خادمك؟ قال: لا. قالت: وهل أنت واثق منه؟ قال: نعم. قالت: آخذه معي إلى حيث أسكن، ثمَّ يذهب إليك ليدلك على مقري. قال: نعم، فاكتبي لي اسم القرية لئلا أنساه. فكتبته. فودَّعها وخرج وقد وضع الورقة تحت قُبَّعته.