امرأة صاحب الفندق السَّبِيَّة
وبعد أن ذهب الْجُنْد بالرجل أقام الرفاق الأربعة يبحثون عليه فلا يَقِفون له على خبر، وكان بيتُه تحتَ بيت دارتانيان، فاقْتَلع الفتى عدةَ أخشاب من أرض البيت بحيث صار يَسمع ويرى ما يَجْرِي في بيت الرجل، فبَيْنَا هو جالس ذاتَ يوم إذْ سَمِعَ صُراخ امرأةٍ تَسْتَغيث في بيت صاحب الفندق وسَمِعَ قومًا يسألونها الإقرار وهي تَأْبَى وتُصِرُّ على الكتمان، حتى قالت لهم: أنا بوناسيه صاحبة البيت، إحدى تابعات الملكة، فقالوا لها: أنت بغيتنا. وأخذوا يجرُّونها وهي تدافع وتستغيث، فثارت الْحَمِيَّةُ في رأس دارتانيان فتقلَّد سيفه، ودعا بغلامه فقال له: اذهب وادعُ لي أتوس وبرتوس وأراميس من منازلهم، وقل لهم أن يسرعوا. قال: وإلى أين تمضي يا مولاي؟ قال: أتدَلَّى من النافذة، فاصْدَعْ بما أَمَرْتُكَ به. قال: نعم. وذهب ونزل دارتانيان فقَرَع الباب، فسكنت الْجَلَبَةُ وهدَأَ الصراخ، ثمَّ فُتِحَ له الباب، فدخل بسيفه شاهِرَه وأغلقَ البابَ وراءه، فرأى أربعة رجال سود الملابس بغير سلاح، فهاجمهم بسيفه، فتلقُّوه يدافعون عن أنفسهم بأمتعة البيت فلم يقدروا عليه، فتركوا الامرأة وفرُّوا هاربين، فلما خلا البيت نظر الفتى إلى الامرأة فوجدها على غاية من الجمال والصباحة، تكاد تأخذها العين لحسنها، ثمَّ حانت منه التفاتة فرأى في الأرض مِنْدِيلًا كالذي رآه مع أراميس، فأخذه ووضعه في جيبها وكانت على وشك الإغماء مما حل بها، فلما أحسَّت بيد الفتى انتبهت وقامت إليه تشكره وتدعو له، فألطف لها في الجواب وقال لها: إن القوم الذين هجموا عليها ليسوا لصوصًا، ولكنهم من رجال الكردينال الذين أخذوا زوجها أمس إلى سجن الباستيل. فقالت: وَيْلَاهُ، وما ذنبُه حتى يُقادَ إلى السجن؟ قال: لأنه زوجك فيما أظن، وأنت سَبِيَّة الكردينال. قالت: أوَتدري مَنْ سَبَاني؟ قال: نعم، رجل صفاته كَيْتَ وكَيْتَ. وشَرَحَ لها صفات خَصْمِه. قالت: نعم هو، أوَتعرف اسمه؟ قال: لا. قالت: ومن أين درَى زوجي أني اخْتُطِفْتُ؟ قال: من رسالةٍ وصلَتْهُ، وهو يرى لاختطافك أمرًا سياسيًّا يتعلق بالدولة، فكيف خلصت من حبسك؟ قالت: غفلوا عني فتدليت من النافذة وخلصت إلى بيتي لعلي أرى زوجي. قال: وما عساهُ أن يَمْنَعَكِ وهو لا يمنع نفسه؟ قال: ليس ذلك من قصدي، ولكن لي معه شأنًا. قال: وما ذاك؟ قالت: سِرٌّ لا يَدَ لي في إفشائه. قال: أفلا نخرج من هنا، فإن أصحابك لا يَبْرَحُونَ أن يَرْجِعوا بالسلاح فيفوت الخلاص. قالت: وإلى أين نمضي؟ قال: متى خرجنا نرَى رَأْيَنا. ثمَّ أخذ بيدها وخرج بها حتى أبعد عن البيت، فقالت له: وإلى أين نذهب الآن؟ قال: لا أعلم واللهِ، إلى أين تريدين؟ قالت: أريد أن أخبر دي لابورت بما جرى، ثمَّ أعلم منه ماذا كان في اللوفر من ثلاثة أيام، وهل أنا آمنة إن عُدت إليه. قال: أنا أمضي في ذلك. قالت: لا تقدر، فإنهم لا يعرفونك بل يعرفون زوجي. قال: أما لكِ مَنْ يعرفك هناك فأَمْضِي إليه بعلامةٍ منك؟ قالت: نعم، على أن تعاهدَني أنك لا تستعمل علامتي التي أُعطيكَ في غير هذا الشأن، ولا تستخدما لمأرب في نفسك إن كان لك مأرب. قال: لا والله، فهل مَنْ يَعْرِفُكِ فآخُذك إليه؟ قالت: لا أسترسل إلى أحد. قال: لا تخافي، فنحن على مقربة من بيت صديق لي يُدعى أتوس فأضعك فيه فلا يراكِ أحدًا. قالت: أحسنْتَ، فهيا بنا إليه. فسار بها حتى بلغ منزل أتوس فأودعها فيه، وقال لها: أَقْفِلي عليكِ البابَ ولا تفتحي إلا إذا سمعت ثلاث طرقات متتابعة. قالت: نعم، فاسْمَعِ العلامةَ التي طَلَبْتَ، تذهب إلى قصر اللوفر من جهة شارع أشيل وتسأل عن رجل يُدعى جرمان، فتقول له «توروبروكسل» فيمضي في كل ما ترسمه له، فتطلب منه أن يدعوَ لك دي لابورت وصيفَ الملكة فتبعث به إليَّ، وكُن على يقين من أني أراك لأفيك بعض حقك. قال: نعم. ومضى ففعل كما قالت له غير مُخِلٍّ بحرف. ثمَّ ذهب إلى دي تريفيل فاستأذن عليه فأذن له، فدخل إلى البهو وأقام ينتظر، واغتنم فرصة غيابه فأخَّر عقرب الساعة خمسًا وأربعين دقيقة، ثمَّ جاء دي تريفيل فقال: ما بدا لك لزيارتنا، فإني أظنُّ الوقت قد فات، ثمَّ نظر إلى الساعة فقال: لا واللهِ، بل هي الساعة التاسعة ونصف وقد كنتُ أظنها أكثر. فأخذ دارتانيان يقصُّ عليه قصة طويلة بشأن الملكة وبيكنهام وغيرهما حتى صارت الساعة العاشرة وخرج، فلما قفل دي تريفيل إلى غرفته عاد دارتانيان فردَّ عقرب الساعة إلى ما كان عليه وذهب.