ستون لوزة
صباح قاسٍ مرَّ على جدِّي، ركض مسرعًا، حافيًا، بملابس النوم، ولم يَضع طاقيَّته البيضاء فوق رأسه؛ بل حمل فأسه الصغيرة، وركض. كان أسرع من خيل المعركة، يَضْبحُ من القلق والخوف.
كلما تقدَّم مترًا في الركض، زاد عدد المُنْضَمِّين إليه. أبي وعمِّي، يركضان أيضًا خلفهم بأمتار بلباسِ النوم.
أنا وأولاد عمِّي نركض مثلهم، ولكن لا نعلم لماذا؟
كم كان جدِّي سريعًا! نراه، ولكن لا نستطيع اللحاق به، أنت ترى الغيوم، ولكنك لا تَلْمسها، جدِّي مثلُ غيمة السماء، لا يمكن أن تلمسها، ولكنَّها تلمسك بالمطر، أو بمنظرها الجميل.
فجأة هرول عدَّة خطوات، ثم توقف، وسقط حين وصل إلى مزرعة الكرنْب، التفَّ حوله أبي وعمي، وأنا وأولاد عمي. رجال الشارع لم يقتربوا؛ بل اكتفوا بالتمتمة، وصفعوا الكفَّ بالكفِّ تَحسُّرًا على جدِّي.
وقف مرتكزًا على فأسه، وأشار بيده إلى ناحية الشرق، وأخذ يصيح: «هذا الشيطان الذي سلَب روح أرضي، بل امتصَّ أرواحنا؛ إنه شيطان وَقِح أخذ مزرعتنا، وظلَّ واقفًا، كأنه يَتَحدَّانا، سأحطمه، بفأسي، بجسدي …»
حاول أن يهجم على الشَّيْطان، ولكن في هذه اللحظة حَضَنه أبي، فصار يتموَّج، ويُصارع أبي ليُفْلت منه، ويهجُمَ على الجدار الذي قَسَم مزرعتَنا إلى نصفين.
أبي وعمي حملا جدِّي إلى أقرب ظلِّ شجرة.
زرع جدِّي أشجار اللوز حول المزرعة، وأذكر مشهد أشجار اللوز، وهي تلفُّ المزرعة كأنها راقصات باليه، ترقص لثمرة الكرنْب. في مزرعتنا ستُّون شجرةً، كلما احتفل جدِّي وجدَّتي بيوم زواجهما زرَعَا شجرة، وكلما أنجبَا طفلًا احتفلا بزراعة شجرة أخرى، وأغلب ما زُرع على محيط مزرعتنا أشجارُ اللوز.
زرع جدِّي كلَّ ثمار الأرض الموسميَّة، وكانت جدَّتي مُلهمَتَه في اختيار ما يزرع، تُشير عليه بزراعة نوع الثمرة. في بادئ الأمر كان جدِّي يرفض، لأنَّ في اعتقاده: «كيف أردُّ على امرأة؟»
ثم يوافق نهاية الأمر؛ لأنَّ المشاورات تكون قبل مناسبة عيد الزواج بأيَّام، فيَقبلُ جدِّي بالأمر، ويُهدي المزرعة شجرةً جديدة، شجرةَ لوز، بالإضافة إلى زراعة الثمرة التي اختارَتْها جدتي للموسم الجديد.