قداسة منتصف النهار
تحدثتُ كثيرًا مع مُعلمتي، وفي منتصف إحدى الجُمل نامت، والحاجز أيضًا نائم، بعد لحظة وأنا أراقب حركة الخراطيم، والسائل الشفاف الذي يدخل إلى خاصِرتها ويخرج باللون الوردي، غفوتُ معها.
صوت إنسانٍ يهزُّ كتفي، النوم لذيذ في سيارة لها ستائر بنفسجية، ولا وجود للحرارة، لكنَّ كتفي هُزَّ بعنف، فتحتُ عينيَّ، فإذا به والد معلمتي، فانتفضتُ من الكرسي، فارتطم رأسي بسقف السيارة.
«استيقظي، الحاجز فُتِح، سوف نُغادر، حاولي أن توقظي معلِّمتكِ.» ارتبكتُ، ثم التفتُّ إليها: «معلمتي، معلمتي الحاجز بدأ يعمل، معلمتي!»
لا رَدَّ، يبدو أن نومها ثقيل، مع الأدوية يصبح المريضُ في عالم آخر من الكسل، حاولتُ أن أهزَّها برفق، لكن لا جدوى، هززتُها كما أحرِّكُ وسائدي قبل النوم، ولكن لا جدوى.
انتبهَ الأب أنها لا تستيقظ، فلم يتحرك، وصار يبكي، كان هادئًا، والدموع تسيل من عينيه، فيمسحها.
نزلَ من خلف مقود السيارة، وصرخ بصوت عالٍ: «يا ابنتي العزيزة الغالية! الحاجزُ قَتَلكِ، الحاجز لم يرحم مَرضَكِ.» وصرخ بآهاتٍ عالية جدًّا، فزعتُ كثيرًا، وبدأت أرتجف من المشهد.
نزلتُ من السيارة، ووقفتُ بالقرب من زجاجها أنظر إليها، كم هي جميلة حتى في موتها! بعد عشر دقائق، كان كل مَن حولنا يشارك الأبَ البكاء.
جاء رجل كبير في السنِّ، يرتدي بذلة سوداء، ومعه وعاء بخور، وصليب كبير، اتجه الأب ناحيته، وقبَّل يده، فقال الرجل بصوت أجشَّ: «منحتْكَ العذراءُ الصبرَ، وعيسى في السماء يدعو لها، والربُّ قادر على كلِّ شيء.»
سكت الأب، وكأن شيئًا لم يكن، وأصبح هادئًا جدًّا، ثم جاءت سيارة كبيرة، بيضاء، وبها نساء ورجال بملابس غريبة، كلهم يحملون صلبانًا، ومناديل حمراء كبيرة.
كان من بين الحضور، رجل أسود، وامرأة سوداء، ابتسمتُ في قلبي، وقلت: «يوجد أيضًا سودٌ مثلي مسيحيون.»
حملوها، ووضعوها في السيارة الكبيرة، وصِرنا نمضي خلف السيارة بهدوء وبطء، لا أحد يتكلم، سوى صوت تراتيل آيات غريبة عني، ولكنها مفهومة حين تدقِّق السمع.
تذكرتُ الصليب والكتاب اللذَيْن أهدتني إياهما معلمتي، أخفيتهما في جيوبي حتى لا يأخذهما أحدٌ مني.
لا أعلم كيف وصل الخبر لطلاب المدرسة، وبعض المدرسين وناظر المدرسة، وتقابلنا في بيت معلمتي. كان مع الطلاب أخي وابن عمي، وبعض السود من المسيحيين الذين جاءُوا من بعيد.
من الأشياء التي تعجَّبتُ منها، أن اسم معلمتي كان «ياسمين» في المدرسة، ولكنهم كانوا يقولون رحم الله المعلمة «مريم بولص». الاسم الجديد أثار حفيظة مزيون، وهمس في أذني: «لماذا غيَّروا اسمها بعد الموت؟» قلت له دون تفكير: «إنَّ كل سيدة اسمها مريم، حين تخرج من البيت تسمى ياسمين.»