القماش الأبيض
حضرت بعض نساء العائلات السود من البلدات المجاورة، لخطبتي، وكانت فكرة الزواج مطروحة في العائلة، وكان جدي يردُّ على النساء: «يصير خير.»
كأني أصبحت فاكهة طازجة، ومَن يا تُرى سيقطفني؟
عائلتي شجرة صغيرة، ولا تقدر على حماية الفواكه من مناقير العصافير.
أنا كبرتُ. لقد تزوجت أمِّي، وهي في الخامسة عشرة، وجدَّتي منذ ولادتها وهي أم. أشعر حين أُغيِّر ملابسي أمام المرآة، أني سيدة كبيرة، فأغلق الباب.
أرقص أمام المرآة، فأجيد الرقص، وأجيد التخيُّل، كما أني بارعة في النوم على السرير، مع أني طوال حياتي أنام على فراش على الأرض.
حين جلب والدي الأسرَّة، سقط إخوتي كلهم على الأرض، وبكَوْا من وجع السقوط، وأنا لم أسقط.
عرفتُ أني كبرت حين تخلَّيْتُ عن لعبتي «زينة»، ولم أعد أحملها كثيرًا، كبرت وتأكَّدت أني كبرت، حين صرت أوشوش المساند بأسراري.
منذ بدأت أتابع ألوان ملابس زميلاتي، وكنت أعرف أن هذا شهر شباط من كثرة القطط التي تتقافز فوق سطوحنا.
كل يوم تكبرُ فكرة في رأسي، أن الحياة نصفان، نصف لنا، والنصف الآخر لابدَّ أن يَخضرَّ.
حاولت كثيرًا أن أسرق أدوات زينة أمي، وأُجرِّبها في الحمام، وحين أسمع صوتًا يقترب من الحمام، أمسح وجهي من المكياج.
كنت أكره طعم القهوة، ولكنِّي الآن أعشقها، وأنتظر أن ينتهي جدِّي وأعمامي من شرب القهوة، حتى أتذوق ما تبقى في الفناجين، فعندنا عادة تقول: «عيب البنت تشرب قهوة.»
كنت أعتقد أن الحزن يأتي فقط من قلة السكاكر للأطفال، ولكن الحزن الآن يأتي من وجود الملح في الحياة.
كنت لا أخجل حين أركب الحمار، وأضع كل قدم في جهة، والآن حين أركب الحمار، أضع قدماي في جهة واحدة.
كنت أعشق صوت المشاكل، وصوت الرصاص، أما الآن فأميل إلى الجلوس وحدي، وأنتظر بصبر نافد حين يكتمل القمر بدرًا.
أسعد أوقات حياتي حين يخلو البيت، لأمضي حافيةً في الممرات.
كنت أتكلم بسرعة حين أتحدث مع مدرسيَّ، أما الآن فأتعمد أن أسعلَ، وأنطقَ الكلام بصوت غير مسموع.