وجع في بطني
حين تنتشر رائحة البَلَح في جسدي، على رذاذ الياسمين، أتأكَّد أن وجع البطن سيَجتاحُني، وكل مسكِّنات الألم لن تُجديَ نفعًا، وأغلب الأوقات يأتي الوجع مع اكتمال القمر من كل شهر عربي.
حتى لا يَنْكشف أمري، أتعمَّد جَرْح إصبعي، ليظهر الدم وألطِّخ ثيابي ببعض القطرات، حتى لو سألني أحد: «لماذا وجهك أصفر؟» فأرفع له جُرح إصبعي.
حين وضع الرجل شتلات الكرنب على أرض المزرعة، تحت أقدام جدِّي، وخبرُ عدم عودة أبي وعمي يَنْقرُ في رأس الجميع كنقَّار الخشب، انهارت أعصابنا، ولكن لا بدَّ أن تُغرَس الشتلاتُ في الأرض في وقت قصير جدًّا، لا يطول عن ست ساعات.
أنا متعبة جدًّا، الوجع في بطني يزداد ويتحرك كمظلة الشتاء، تكون في يدك كعصًا، وحين يهطل المطر تغطِّي جسمك، ويظلُّ حذاؤك مبلَّلًا.
أتألم كأني أستضيف وجعَ شخص آخر داخلي، الوجع يبدأ من نقطة مركَّزة، ثم ينتشر في كل جسدي.
ربطتُ بطني بحزام، وانطلقتُ وأخي وابن عمي ننقل الشتلاتِ إلى الطرق المحروثة في المزرعة، لا بدَّ أن تبتعد كلُّ شتلةٍ عن الأخرى حوالي أربعين سنتيمترًا.
من التعب والإرهاق في العمل لساعات تحوَّلت وجوهنا من اللون البُني إلى اللون الأحمر القريب إلى حبات الكرز، والعرق ينزُّ من بين ثغرات الجلد، وأصبحت ملامحنا كهنود النار.
خلع جدِّي طاقيَّته، وظهر شعره الأبيض، كأنه لم يكن أسود البشرة؛ لأن لون شعره الأبيض ينعكس على باقي جسَده.
لا أعلم لماذا شعرتُ أنه كقوس المطر ينتشر في مزرعتنا، كان جدِّي يعمل خلفنا، فنحن نوزِّع الشتلات بمقاييس منتظمة، وهو يغرسها في الأرض.
كان يغرس الشتلة بأصبعَيْه في الأرض، مع قليل من التركيز في الصوت، تشعر أن الشتلة تضحك، والأرض تُهَمْهم بصوت الحياة. كانت كَوْمة الشتلات تنقص واحدة تلوَ الأخرى، أنا وأخي وابن عمي وجدِّي متسابقون في مارثون الحياة والبقاء، كأننا مخلصون للذكريات، وصورة جدِّي تلف حولنا، وأشجار اللوز تحرسُ الحُبَّ في أعماقنا.
أحذيتنا تلوَّنت بغُبار الطين البُنيِّ، وأطراف البناطيل أيضًا، كفوفنا اصفرَّت جدًّا وتحولت إلى شموس صغيرة.
تعبنا كثيرًا، وظِلُّنا من التعب تَناقصَ، إلَّا ظلَّ جدِّي كلما زاد تعبُه زاد طوله.
اقترب المساء، وقد قطعنا مسافات المارثون، وكانت نقطة النهاية صنبور المياه. فتحنا الصنبور، وانطلق الماء يجري داخل الخراطيم، ومع صوت الخرير كان الماء ينتظر أن يساعدنا.
كانت قطرات الماء تخرج من ثُقوب الخراطيم على شكل نافورة، فتَقدَّم جدِّي وصار يمسح وجهه بها.
ما كان منا إلَّا أن نلعب بالماء، وبالنواعير الصغيرة.
لم نلعب فقط، لكنَّا جعلنا الماء يُلاحق كل قطرات العرَق على أجسادنا، وكلما شخرت الخراطيم ضحكنا؛ لأن مزيون كان يقلِّد صوت الشخير.