البالون
نحن لا نعرف حتى الآن أننا ندافع بشكل سليم، ولكن ما نخشاه أن تموت الشتلات قبل أن ترقص مع الفضاء الأزرق.
هناك فرصة جيدة للدِّفاع عن الكرنب، ولكن بهدف الدفاع عن الأرض، عن حلم الجدَّة. نحن في مهبِّ الريح، ولا بد أن تكون الشتلات في حالة جيِّدة، حتى تنتفض مثلنا، وتخرج من الأرض.
الروتين الذي أعيشه الآن علَّمني الحب، والصبر على روح الكرنب، ولو كان الأمر بيدي في تلك اللحظة، لدخلت في بطن الأرض، ورجوتُ الشتلات أن تكبر.
كنت أركع أمام الشتلات كعابد بوذيٍّ، وأضع يدي على الأرض، وأتمتم بكلمات.
حاولي أن تتحدَّي ضعف الانتظار، واجعليني أُحبكِ كما يجب أن نُحب. أنت الآن كلُّ الأحلام، ولكن لا تأخذي روحي إلى العتمة بعيدًا. أنت دائمًا قريبة مني؛ علَّمْتِني نضال الروح على التحمُّل. أبعدي الشكَّ في الارتفاع إلى الفضاء، وتنفَّسي الصُّعَداء. نحن ننتظرك، نشعر أننا بالونُ الطفل الأخير، طَار من يدِ الطفل بعيدًا إلى حقل الأشواك، الكل ينتظر أن ينفجر، الطفل يبكي، ولا حيلةَ لمن يشاهد أن يُنقِذ البالون.
من طول الانتظار تعلَّمت الأمل، النوم، الضحك، كنت أردِّد في نفسي الأمَل، هو الشخص الناجح، هو الشخص الذي عاش عيشة جيدة، وضحك كثيرًا وأحبَّ الكثيرين، بالتأكيد يا ماسة، أقول لنفسي، الأولاد البيض، ذوو الوجوه الحمراء المنتفخة، أكثر سعادة منَّا؛ لأنهم لا يتعبون في التفكير، وفي الصباح تكون حقائبهم مليئة بالنقود، والخبز المحشوِّ بالشكولاتة والجبنة الصفراء، كان الأمل الوحيد عندي، كيف ينجح مزيون في جلب نصف الأشياء من حقائب الأولاد. لم يسرق مزيون أبدًا، ولكن كان يَعِدُ هؤلاء الأولاد البيض، بضمِّهم لفريق المسابقات في المدرسة، والفوز بمسابقة الجري السريع، والحصول على الميدالية، كان يسرح بهم وقتها، أغلبهم كان يتخيَّل نفسه حصل على الميدالية الكبيرة، وأمه ستفرح به، في نهاية الأمر. كانوا يعطون مزيون بعض الأشياء المكدَّسة في حقائبهم. حتى آمالنا تختلف. فنحن نرغب أن نأكل الخبز بالجبنة الصفراء، وهم أملهم أن يحصلوا على ميدالية، حتى في الخيال.
الأمل، حين قال المعلم: «الأمل يا أولاد أن تكونوا متفائلين، وتروا كل الأشياء بيضاء.»
آنذاك انتبه المدرس أنِّي سوداء، فاعتذر، ولا أعلم لماذا، قال: «أقصد يا ماسة أكثر الأشياء لا بدَّ أن تكون مثل النهار السعيد.»
ابتسمت في وجه المعلم، وابتسم، وأشاح بوجهه إلى السبورة.
الأمل عندي هو قمة السعادة.
حين نجمع بقايا الطباشير آخر كل حصة، ينبغي ألا ينكشف أمرنا، لأن مزيون أسود، ولو أمسك الطباشير، فسوف يتلون بسرعة، ونحن بحاجة كبيرة لبقايا الطباشير.
جلب لنا جدِّي إلى البيت لوحًا خشبيًا أسودَ يشبه السبورة، واشترى لنا إصبعي طباشير بيضاويين، ولكن كلَّ من في البيت مارسوا مهنة التدريس، فذابَا بسرعة. كل يوم أنا ومزيون نجمع بقايا الطباشير، ونكتب كل شيء على اللوح الخشبي الأسود.
كنت ألعب كثيرًا دور المعلم، وكل العائلة تستمع إليَّ، والأمل الذي كنت أعيش عليه في تلك اللحظة، أن يكون عندنا طباشير أبيض.
عَفوتُ عن المعلم، وصرتُ أعتبر اللون الأبيض هو التفاؤل.
شتلات الكرنب فقط تحتاج للَّون الأبيض، كيف لي أن أُدخل هذا اللونَ إلى مزرعتنا؟
بعد تفكير عميق، خطرت في بالي فكرة رائعة في نظري، فقد جمعت عشرات الخنافس السوداء الكبيرة، ووضعتُها في زجاجة بلاستيكية كبيرة، وصرت أُلوِّن كل خنفساء بالطباشير الأبيض، فأصبحت الخنافس بيضاء جميلة، وألقيتُ بها بين شتلات الكرنب، فصارت الخنافس تحفر في الأرض، وتدخل بالقرب من الشتلات.
ارتحت كثيرًا؛ لأن الخنافس كانت مطيعة وهي ملونة، وكأنها عرفت أنها صارت أكثر تفاؤلًا فدخلت في الأرض.