النوم
الشيء الثالث الذي أتقنتُه من مراقبة شتلات الكرنب، النوم. كان يهاجمني دون ميعاد؛ كنت أصاب بالدهشة، حين أستيقظ وأجد نفسي في البيت، أقوم مفزوعة كيف وصلت إلى البيت؟ فيبتسم جدِّي، ويقول: «الحمار حملك إلى هنا.»
أخجل من نفسي، كيف لا أشعر بمن حولي وأنا نائمة!
أشعر أني أربِّي حدائق الأمل في شُرفة النوم، وكنت أسأل صديقاتي هل ينمنَ كثيرًا؟ كُنَّ لا يستغربن من سؤالي؛ لأنهن أيضًا مثلي، معظم وقتهن نوم.
لماذا وأنا نائمة أشعر أنِّي ألملم بقايا الرصاص في جيوبي! أحب النوم؛ لأني أشعر أن الجدار يتحول إلى عقدٍ جميلٍ فوق عنقي.
كلُّ ما أحتاجه وأنا نائمة أن أجمع كل أسراري في علبة صغيرة، وألقيها بعيدًا؛ لذلك أخشى أن يأتي أحدٌ من عائلتي، ويسرق العلبة حين أتقلَّب، وأزيح غبار التعب عن مزرعتنا، أقاتل، وأقاتل، أقفز، أغنِّي، وفي كلِّ لحظة يشاركني جواد، فارس الكالونيا، جزءًا من حلمي. أشعر أن جسدي ينزُّ عطرًا.
كأني أصعدُ درجًا هشًّا من سراب، وكلما جاءت فكرة السقوط في نومي، يأتي الجزائري، ويمسك يدي.
أظن أن جسدي مفكَّك من الركض، فتأتي أوراق الكرنب وتلفُّني، كأني أنا سيدنا يونس والكرنب يقطينة الحياة.
في لحظات يطير النوم وقت الظهر، فأسترجع كلام الطبيب الذي زار المدرسة في موسم التطعيم ضدَّ الحصبة، بعد أن تناولنا حقن الوجع.
قال الطبيب: «من عنده أو عند أحد من عائلته مرض يشكو منه؟» أغلب زميلاتي في الفصل سألن عن الحمَّى والسعال والإسهال، والحكَّة، واحمرار العين، ومكافحة القمل والصِّئبان، والبعوض الذي يلدغ من فوق الملابس.
رفعت يدي وسألته: «كيف أنام بسهولة؟ مع كثرة ما نسمع من أصوات القنابل والرصاص، وصراخ آليات الجنود. نظلُّ طول الليل خائفين، ولا نستطيع النوم!»
فردَّ: «حاولي أن تقفي على قدم واحدة، وأنت تغلقين عينيك.» وأشار إلينا أن نقف، ونغمض أعيننا. حقًّا كأنه سحر، كلُّ زميلاتي في الصف سقطنَ أرضًا.
أضاف الطبيب: «خذوا نفسًا عميقًا ولا تخرجوا زفيرًا لمدة عشر ثوانٍ، ستنامون حالًا.» ولم نفعل ذلك في الصف، لأن ناظرَ المدرسة دخل غاضبًا.
كان الطبيب ذكيًّا، حين أخبرنا بمعلومة هامة: «أما البعوض، فضعُوا قليلًا من النعناع بالقرب من فراشكم، فلن يهاجمكم.»
لو أن الجنود مثل البعوض، بقليل من النعناع نخرجهم من فراشِنا، من أحلامنا، من نومنا، من مزرعتنا.
كلما اشتَقتُ للجزائري، أو جواد، أقف على قدم واحدة، وأرفع يديَّ جانبًا كصورة المسيح، فأشعر أنِّي أطير، وفجأة أسقط نائمة.
الغريب أني كلَّما رأيتهما أثرثر كثيرًا، هما لا يتكلمان، فأندم لأني لم أسمع صوتهما، أقول في نفسي: «المرة القادمة، سوف أصمت، وأسمع لهما.» ولكن لا أستطيع ضبط ثرثرتي.
المزعج في النوم، أن أحلم بأن جنود الجدار يلعبون الكرة برأس الكرنب. كانوا يقفون بشكل دائريٍّ، وأنا في المنتصف، أركض خلف الكرنب، وأركض، وحين أحميه من أحذيتهم الكبيرة السوداء، ينزف دمًا أخضر.