الممالك الهيلنستية
(١) المملكة البطلمية (٣٠٥–٣٠ق.م.)
حَكمَت أُسرة البطالمة مصر وما حولها نسبيًّا (مثل برقة، وسوريا، وقبرص) لفترة تَقِلُّ عن ثلاثة قرون. وظهر في الأسرة البطلمية خمسة عشر ملكًا تحت اسم بطليموس (من بطليموس الأول إلى بطليموس الخامس عشر) ولَعِبت زوجات ونساء البلاط البطلمي دورًا هامًّا في الحياة السياسية، والاجتماعية للبطالمة.
وفيما يلي جدول بأسماء الملوك البطالمة، وزوجاتهم، ومُدة حكمهم.
تسلسُل | اسم المَلك ولقبه | فترة حكمه (ق.م.) | زوجاته |
---|---|---|---|
(١) | بطليموس الأول (سوتر = المنقذ) | ٣٢٣–٣٠٥ كحاكم ٣٠٥–٢٨٥ كملك |
(١) يوريديكي (٢) برنيقي الأولى |
(٢) | بطليموس الثاني (فيلادلفيوس = المحب لأخته) | ٢٨٣–٢٤٦ |
(١) أرسنوي الأولى (٢) أرسنوي الثانية |
(٣) | بطليموس الثالث (يورجيتس= الخيِّر) | ٢٤٦–٢٢١ | برنيقي الثانية |
(٤) | بطليموس الرابع (فيلوباتر = المحب لأبيه) | ٢٢١–٢٠٥ | أرسنوي الثالثة |
(٥) | بطليموس الخامس (أبيفانس = التجلي) | ٢٠٥–١٨٠ | كليوباترا الأولى |
(٦) | بطليموس السادس (فيلوماتر = المحب لأمه) | ١٨٠–١٤٥ | كليوباترا الثانية |
(٧) | بطليموس السابع (نيوس فيلوباتر = الطفل المحب لأبيه) | ١٤٥ (لمدة أشهر) | قُتِلَ وهو طفل |
(٨) | بطليموس الثامن (يورجيتس الثاني فيسكون ويلقب بالطاغية) | ١٤٥–١١٦ |
(١) كليوباترا الثانية (٢) كليوباترا الثالثة |
(٩) | بطليموس التاسع (سوتر الثاني) ويلقب ﺑ (لاثيروس = حمص) | ١١٦–١٠٧ الفترة الأولى، ٨٨–٨١ الفترة الثانية |
(١) كليوباترا الرابعة (٢) كليوباترا الخامسة (٣) برنيقي الثالثة |
(١٠) | بطليموس العاشر (الإسكندر الأول) | ١٠٨–٨٨ | برنيقي الثالثة |
(١١) | بطليموس الحادي عشر (الإسكندر الثاني) | ٨١-٨٠ | برنيقي الثالثة |
(١٢) | بطليموس الثاني عشر (ديونسيوس الصغير) | ٨٠–٥١ | كليوباترا السادسة |
(١٣) | بطليموس الثالث عشر (ثيوس فيلوباتر١) | ٥١–٤٧ | كليوباترا السابعة |
(١٤) | بطليموس الرابع عشر (ثيوس فيلوباتر٢) | ٤٧–٤٤ | كليوباترا السابعة |
(١٥) | بطليموس الخامس عشر (قيصرون) | ٤٤–٣٠ | قُتِلَ وهو طفل |

- (١)
مرحلة القوة: حكَمها بطليموس١، ٢، ٣.
- (٢)
مرحلة الضَّعف، وتنقسم إلى ثلاث فترات:
- (أ)
فترة الحروب السورية وفقدان سوريا، حكمها بطليموس ٤، ٥، ٦.
- (ب)
فترة الاضطرابات الداخلية، حكمها بطليموس ٧، ٨، ٩.
- (جـ)
فترة فُقدان برقة وقبرص، حكمها بطليموس ١٠، ١١، ١٢.
- (أ)
- (٣)
مرحلة الاحتضار (مرحلة كليوباترا) حكمها بطليموس ١٣، ١٤، ١٥، وعلى رأسهم كليوباترا السابعة.
-
(١)
مرحلة القوة: تميزت المرحلة الأولى من تاريخ دولة البطالمة بالقوة والثبات، وتأسَّست خلالها أعراف الدولة البطلمية الجديدة، وغريبة التكوين؛ فهناك قِلَّة إغريقية تُمثِّل الطبقة الحاكمة، وكثْرة مصرية تُمثِّل الطبقة المحكومة، وعليهما التعايُش والاستمرار لمدة طويلة. وقد بدأ حكم البطالمة ملكيًّا وليس ثيولوجيًّا كما كان في مصر الفرعونية.
لم يكن الحق الإلهي، إذن، أساسًا لفكرة الحكم عند اليونان منذ أن عبَروا مرحلة الحكم الملكي في تاريخهم المبكِّر، وباختفاء هذا الحق اختفت بالضرورة فكرة الحكم الفردي المركزي المُطلَق لتحل محلها فكرة الحكم الجماعي التي وصلت إلى ذروة نضوجها في بعض المناطق اليونانية، في صورة الحكم الشعبي. حقيقةً إن هذه لم تتحقق إلا على عدة مراحل، ولم تَتَّخذ في كل الأحوال نفس المستوى من النضوج في الدويلات اليونانية المختلفة، ولكنها وُجِدت بشكلٍ ما في النهاية، والمهم في هذا أنها قَضَت على فكرة تركيز السُّلطات التي يُمثِّلها الحُكم الفردي؛ لتحل محلها فكرة توزيع السُّلطات على القاعدة الشعبية، وإن اختلف تقييم هذه القاعدة من دويلة إلى دويلة (يحيى، ١٩٧٨م، ٤٧).
ويرجع السبب الرئيسي لقوة البطالمة إلى مؤسِّس الأسرة البطلمية بطليموس الأول الذي خرج بمصر بعد حروب الخلفاء قويةً، وحافَظ عليها من الحروب والمعارك التي حصلَت فقد وضع نُصب عينيه منذ البداية أن تكون مصر هي دولته الوحيدة، وأن يحيطها بأراضٍ تابعةٍ لها؛ مثل: سوريا، وبرقة، وقبرص. وقد عمل بطليموس الأول على ترسيخ مُلوكيته على أساس إلهي، بعد أن كان واليًا أو حاكمًا لمصر لمدة ١٨ سنة؛ فقد وَجد نفسه في مجتمع مصري كان يَعتبر المَلك الفرعون إلهًا، وقد تَوَّج هذا المجتمع الإسكندر ملكًا إلهًا، فلماذا لا يُرسِّخ هو هذا التقليد أيضًا عن طريق فكرة «الحق الإلهي»؟ ويجعل من نفسه ملكًا إلهًا؟ وهكذا حمل بعد سنة ٣٠٥ق.م. لقب الملك الإله، ابن الإله.
بطليموس الأول «سوتر»، والثاني «فيلادلفيوس» على عُملة نقدية.وقد عمل بطليموس الأول على أغرَقة الحكم في مصر «ومن أجْل هذا اتَّخذ بطليموس سياسة ثابتة لتشجيع وتنظيم هجرة الإغريق إلى مصر، فمنح الجنود في جيشه قِطعًا من الأرض يُمكِنهم أن يُقيموا عليها ويستثمروها في وقت السِّلم. وكذلك طبَّق مثْل هذا النظام بالنسبة لموظَّفِي الدولة خاصَّة وأن نظام المُرتَّبات النظامية لم يكن ممارَسًا في ذلك الوقت» (العبادي، ١٩٨١م، ٤٧).
ولم يشجع بطليموس الأول على بناء المدن اليونانية؛ لخوفه من استقلالها كما حصل في العصور الإغريقية تحت اسم «دولة المدينة» المستقِلَّة. وكان الإسكندر قد وضع أساس فكرة الإله سرابيس، وقام بطليموس بتوسيع هذه الفكرة؛ فهو إله يجمع الإلهين المصريَّين القديمين «أوزوريس وأبيس» في شكل إغريقي أطلق عليه «سرابيس»، ومُثِّل بصورة رجلٍ كَثِّ اللحية والشوارب والشَّعر، وأُنشِئت له المعابد الكبيرة ليجمع الإغريق والمصريِّين في عبادة واحدة. وظهرتْ عبادة الملوك البطالمة بشكل رسمي.
أما بطليموس الثاني (فيلادلفيوس)، فقد كان عصره عصر بَذخ وتَرف ونَعيم، واشتهر هو بالمجون، واهتم بالعمران فطوَّر بناء متحف الإسكندرية (الموسيون)، ومكتبة الإسكندرية وشغلها بكبار الشعراء والعلماء، وأصبحت — منذ عصره — مكتبة الإسكندرية أعظم مكتبة في العالَم القديم بأسْره. ورغم أنه لم يكن صاحب نزعةٍ عسكرية إلا أنه خاض الحرب السورية الأولى والثانية، واحتفَظ بفلسطين وفينيقيا رغم أنه خسر الثانية إلا أنه قايَض الملك السلوقي أنطيوخس الثاني بتزويجه من ابنته برنيقي (حاملة المهر). وحاولَت برقة الانفصال إلا أنها عادت إلى مصر في نهاية حُكمه.
كان الموسيون أقرب إلى المعهد العلمي العالي للعلوم والثقافة والفنون، وكلمة موسيون تعني ربَّات الفنون الإغريقية التسع، وهن:- (١)
كليو: ربة التاريخ.
- (٢)
يوتيربي: ربة موسيقى الناي.
- (٣)
ثاليا: ربة الملهاة.
- (٤)
ميلفوميني: ربة المأساة.
- (٥)
إيراتو: ربة الشِّعر الغنائي والأناشيد.
- (٦)
تريفسيخوري: ربة الرقص.
- (٧)
فوليمنيا: ربة فن التمثيل.
- (٨)
كاليوبي: ربة الشعر البطولي (الملاحم).
- (٩)
يوراني: ربة الفلك.
وربات الفن العذارى الأسطوريات هُنَّ بنات الإله «زيوس»، و«منيموزين»، التي لا تنحدر من صلب الآلهة، وكانت الموسيقى إبداعًا يجمع بين فن الآلهة، وفن البشر، وهي أيضًا ثمرة الإلهام الذي يمثله الإله «زيوس» والذاكرة التي تمثلها «منيموزين».
ولا شك أن بطليموس الثالث (يورجيتس الأول) هو أكثر الملوك البطالمة رصانة وثقافة وعلمًا وتمتُّعًا بالمُثل الأخلاقية، ولم تكن نزعته عسكرية، وكان يحب الإصلاحات الداخلية، وخاض حربًا واحدة هي الحرب السورية الثالثة وكسبها.
وكان يساعد المدن اليونانية في ثوراتها وحروبها ضد السيطرة المقدونية، كما فعل في ثورة البلوبونيز، ولكنه لم يتطرف في عَداء المقدونيين بعد أن انتصروا على الإسبارطيين، وأجرى في زمنه إصلاحًا على التقويم المصري بزيادة أيام النسيء الخمسة على اﻟ «٣٦٠» يومًا الشمسية وزيادة يوم كل أربعة سنوات ليكون عدد أيام السنة ٣٦٥ ورُبع يوم. واهتم بالحياة الدينية للمصريين واحترام مَعابدهم وآلهتهم.
- (١)
-
(٢)
مرحلة الضَّعف: بدأت مرحلة الضَّعف بفترة الفساد الذي نخَر البلاط البَطلمي؛ فقد سيطرت البطانات الماجنة للملوك على سياسة البطالمة؛ فغرق بطليموس الرابع في تَهتُّك سوسبيوس وبطانته، وتميَّز الحكم بالانحراف والمؤامرات والفتن والاغتيالات والمطامع. ورغم أن مصر كسَبت الحرب السورية الرابعة في «معركة رفح» بسبب جهاد الفلاحين المصريين الذين تَجنَّدوا لاستعادة جوف سوريا إلى مصر بعد أن اكتسحه أنطيوخس الخامس، لكن البطالمة واجهوا حربًا داخلية ناقمة وثورات مُضادَّة لهم. وبدأت تظهر على الساحة الدولية ثلاث قوًى فَتِيَّة هي: روما، وفيليب الخامس «في الدولة المقدونية»، وأنطيوخس الثالث في الدولة السلوقية. ولم يكن بإمكان البطالمة — وهم يعيشون في فساد ونَزَق — مواجهة طموحات هذه القوى الثلاث وطمعهم بها.
واستمرت البطانات في عصر بطليموس الخامس، وانتهت الحرب السورية الخامسة بانتصار السلوقيين، وفقدان البطالمة لجنوب سوريا نهائيًّا، وشهِدَت مصر أعنف الثورات الداخلية التي كان من نتائجها: إلغاء الضرائب، وصدور العفو العام عن الثُّوَّار، وزيادة الاهتمام بمطالب المصريِّين المادية، والروحية.
وبلغت الفِتن الداخلية ذروتها في عصر بطليموس السادس؛ حيث انشق البلاط إلى نصفين: قسم يواليه والقسم الآخر يوالي أخاه، واستغل أنطيوخس الرابع هذه الظروف فغَزَا مصر وتدخَّل في سياستها حتى أجبرَته روما على الخروج منها. ثم تورَّط بطليموس السادس في غزوه لسوريا، وسلسلة التداعيات التي قتلَتْه هناك، ثم انهيار البلاط البطلمي بتولِّي الطفل بطليموس السابع المُلك، ودخول عمه من برقة إلى مصر وتَزوُّجه من أُمه، ثم قَتْله للطفل. وهكذا دخل البطالمة في عصر من الظُّلم، والنفاق السياسي الذي أدَّى بهم في نهاية الأمر إلى فُقدان برقة، كما فقدوا جنوب سوريا، واندلاع الثورات الداخلية وخُلوِّ العرش من الملك في فترة الاضطرابات (أمكسيا)، وضلوع النساء وأمزجتهن العاطفية والسياسية في الحُكم؛ مثل (كليوباترا الثانية، والثالثة، وثيا، وتريفانا … إلخ).
ومع مجيء بطليموس التاسع كان حُكم النساء قد وصَل إلى ذروته، وكانت أمه كليوباترا الثالثة تُغيِّر المَلك حسب مزاجها، حتى إن فترة حكم بطليموس العاشر (ابنها) كانت مُخزِية تمامًا؛ ففقدت برقة، وسَطَا المَلك على مقبرة الإسكندر، واستولى على تابوته الذهبي … إلخ وكذلك كان بطليموس الحادي عشر الذي قَتل زوجته في اليوم التاسع من زواجها فانقضَّ عليه الإسكندريون وقَتلوه … حتى تَوَّج الضعف بطليموس الثاني عشر (الزمار) الذي كان ذيلًا لروما ولسياستها. وهكذا غرق البلاط البطلمي في المنازَعات الأسرية، ودمَّره الطمع، والتَّرف، والظلم، والقسوة حتى بدأ عرشه يتهاوى مع ظهور كليوباترا السابعة التي أمسكَت تداعيه قليلًا، لكن الانهيار كان محتومًا.
-
(٣)
مرحلة الاحتضار: كان ظهور كليوباترا السابعة (ابنة بطليموس الثاني عشر الزمار) بمثابة صحوة الموت للمملكة البطلمية، «فلم يشهد التاريخ امرأة تستخدم أنوثتها بهذه القوة وهذه المهارة كما استخدمتها ملكة مصر الجديدة كليوباترا. فحين اعتَلَت العرش بعد وفاة والدها، كانت مصر دولة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، قد فقدَت جميع ممتلكاتها لروما، ولا يستقر لها مَلك إلا باعتراف روما، ووجود جيش روماني يسنده في الإسكندرية. من مركز هذا الهوان الشديد خرجَت كليوباترا على العالَم كامرأة سافِرة بغير جيش أو مال، وتقتحم مُعترَك السياسة العالمية، فتُواجه بشخصها المجرَّد أقوى دولة في العالم» (العبادي، ١٩٨١م، ٩٩).
فبعد أن شاركت أخاها العرش، وانشقَّ عليها استعانت بيوليوس قيصر الذي وقع في شِبَاكها، ولكنَّ أخاها حاربهما في حرب الإسكندرية التي كادت تُؤدِّي بقيصر إلى الهلاك، وأحرقَت ميناء الإسكندرية ومكتبَتها، وأنجبت من قيصر ولدها (قيصرون) الذي حمَلَته وذهبَت به إلى قيصر، وكان آنذاك مُحاطًا بمؤامرة اغتياله، وفور موته عادت إلى الإسكندرية لتبدأ قصة حب جديدة وعنيفة مع أنطونيو الذي كان مسئولًا عن الممالك الشرقية لروما، وأنجبَت منه ثلاثة أبناء؛ فأعلن أنطونيو زواجه منها، ووزع ممالكه بين عائلته الجديدة، فما كان من أوكتافيوس إلا التحريض عليه، وجمع جيوش روما ليحاربه والْتَقَيا في معركة أكثيوم عام ٣١ق.م. وانتصر أوكتافيوس وقام بملاحقتها إلى مصر، وفتح مصر وانتحر كلٌّ من أنطونيو وكليوباترا في مَشهدين مأساويين، وقَتل أوكتافيوس أبناءهما، وانطوت آخِر صفحة من صفحات الدولة البطلمية.
كليوباترا كملكة فرعونية.وبسقوط البطالمة انتهى العصر الهيلنستي، وانتهَت معه حضارة الإغريق كلها، وورِثَت روما ذلك العالَم المترامي الأطراف «لقد عَمِلت روما على تغذية كل العوامل التي كان من شأنها أن تُفضي على انحلال العالَم الهيلنستي، انحلالًا بطيئًا تدريجيًّا، وكذلك على إسراع أثر هذه العوامل. وفضلًا عن ذلك فإنها حالَت دون انتشار الحضارة الهيلينية، وتَغلغُلها في الشرق على نطاق أوسع مما وجدَته عندما آل إليها — آخِرَ الأمر — تراثُ الدول الهيلنستية. وبعد ذلك بذلَت ما في وسعها طيلة قرنين لتُؤمِّن السلام في الشرق، وتُعيد صبغه بالصبغة الإغريقية» (نصحي، ١٩٦٧م، ٣٤٣).
(٢) المملكة السلوقية (٣٠٥–٦٤ق.م.)
حكَم سلوقس أكبر جزءٍ من الإمبراطورية المَقدونية، وكانَت مملكته تضمُّ مُعظم الشرق الآسيوي من الهند حتى مصر، ومن آسيا الصغرى حتى جزيرة العرب. ولكن سعة المملكة هذه كانت عامِل ضعْف؛ إذ سرعان ما تفكَّكَت، ولم يمضِ سوى قرنٍ ونصف حتى بدأت بالانهيار والموت البطيء الذي استمر قرنًا كاملًا، ثم أصبحَت لقمة سائغة ابتلعها الرومان. وتكاد ذات العوامل، التي سبَّبَت نهاية البطالمة، هي التي سبَّبَت نهاية السلوقيين.
ويمكننا وضْع الجدول الآتي للملوك السلوقيين:
تسلسل | اسم الملك | لقبه | مدة حكمه (ق.م.) |
---|---|---|---|
(١) | سلوقس الأول | نيكاتور: المنتصر | ٣١١–٣٠٥ كحاكم ٣٠٥–٢٨١ كملك |
(٢) | أنطيوخس الأول | مونوفثالمس | ٢٨١–٢٦١ |
(٣) | أنطيوخس الثاني | جوناتوس | ٢٦١–٢٤٦ |
(٤) | سلوقس الثاني | كالِّينيكوس | ٢٤٦–٢٢٥ |
(٥) | سلوقس الثالث | كيرانيوس | ٢٢٥–٢٢٣ |
(٦) | أنطيوخس الثالث | ميغاس: الكبير | ٢٢٣–١٨٧ |
(٧) | سلوقس الرابع | فيلوباتر: المحب لأبيه | ١٨٧–١٧٥ |
(٨) | أنطيوخس الرابع | أبيفانس: المتجلي | ١٧٥–١٦٤ |
(٩) | أنطيوخس الخامس | يوباتر | ١٦٣-١٦٢ |
(١٠) | ديمتريوس الأول | سوتر | ١٦٢–١٥٠ |
(١١) | الإسكندر الأول | بالاس | ١٥٠–١٤٥ |
(١٢) | ديمتيريوس الثاني | نيكاتور | ١٤٥–١٣٨ |
(١٣) | أنطيوخس السادس | أبيفانس: ديونيسوس الظاهر | ١٤٥–١٤٢ |
(١٤) | ديوتوتس | تريفون | ١٤٠–١٣٨ |
(١٥) | أنطيوخس السابع | سيديتس: الصيدوني | ١٢٨–١٢٦ |
(١٦) | ديميتريوس الثاني | زابيناس | ١٢٩–١٢٣ |
(١٧) | كليوباترا الأولى | ثيا | ١٢٦–١٢٣ |
(١٨) | أنطيوخس الثامن | جريبوس | ١٢٥–٩٦ |
(١٩) | سلوقس الخامس | فيلوماتر: المحب لأمه | ١٢٥–١١٥ |
(٢٠) | أنطيوخس التاسع | سزيكينوس | ١١٤–٩٦ |
(٢١) | دمتيريوس الثالث | إيوكاريوس، فيلوباتر | ٩٧/٩٦ |
(٢٢) | سلوقس السادس | أبيفانس نيكاتور: الظاهر المنتصر | ٩٦–٩٤ |
(٢٣) | أنطيوخس العاشر | يوزيبس | ٩٤–٨٨ |
(٢٤) | أنطيوخس الحادي عشر | أبيفانس | ٩٥–٩٢ |
(٢٥) | فليبُّوس الأول | فيلادلفيوس | ٩٥–٧٥ |
(٢٦) | أنطيوخس الثاني عشر | ديونيسيوس | ٨٧–٨٢ |
(٢٧) | تجرانس الثاني (الأرمني) | ملك أرمني محتل | ٧٤–٦٩ |
(٢٨) | أنطيوخس الثالث عشر | آسياتك: الآسيوي | ٦٩–٦٤ |
(٢٩) | فليبوس الثاني | فيلورمايوس | ٦٧–٦٥ |

- (١)
مرحلة القوة: حَكَم فيها كلٌّ من:
-
سلوقس ١ – أنطيوخس ١.
-
أنطيوخس٢ – سلوقس٢.
-
سلوقس ٣ – أنطيوخس ٣.
-
سلوقس ٤ – أنطيوخس ٤.
-
- (٢)
مرحلة الضعف: حكم فيها كلٌّ من: أنطيوخس ٥ – ديمتيروس – الإسكندر بالاس – أنطيوخس ٦ – أنطيوخس ٧.
- (٣)
مرحلة الاحتضار: أنطيوخس ٩ – أنطيوخس ١٣، الحرب الأهلية ونهاية المملكة السلوقية.
-
(١)
مرحلة القوة: ضَمَّت المملكة السلوقية — عندما بدأ سلوقس بحكمها — ثقافات وحضارات شرقية أصيلة متنوعة؛ مثل: سومر، وبابل، وآشور، وعيلام، وفارس، وآرام، وكنعان، وسوريا، وفينيقيا، وفلسطين، وآسيا الصغرى، والهند.
وقد ساعد هذا التنوع العرقي، والثقافي، والديني في المملكة السلوقية على ترسيخ نظام دولة المدينة الذي شاع في الإمبراطورية السلوقية، فقد اتفق هذا التنوع من تنوُّع المُدن واستقلاليتها وهو — في ذاته — ظل العامل العميق الذي فكَّك المملكة بسهولة، فيما بعد.
الإمبراطورية السلوقية.وإذا كان سلوقس الأول قد أسَّس المملكة، ورسَّخ نظامها، وبنى عاصمتها الأولى سلوقية (جنوب شرق بغداد حاليًّا)، لكنه سرعان ما بنى مدينة «أنطاكيا» شمال سوريا عاصمة، وكانت سياسته نَشْر الهيلينية؛ لهذا شيَّد أكثر من «١٦» مدينة تحمل اسم والده أنطيوخس «باسم أنطاكيا» و«٩» مدن تحمل اسمه «سلوقية» و«٥» مدن تحمل اسم أمه «لاوديسا» منها «اللاذقية» و(٣) مدن باسم زوجته «أباما» ومنها «أفاميا» في وسط سوريا على نهر العاصي. وبَلغَ عدد المدن التي أنشأها السلوقيون في سوريا فقط حوالي «٣٦» مدينة، ويوضِّح هذا منهجهم المعاكس للبطالمة في النظام السياسي والإداري.
وبدأت الحرب السورية الأولى مع مجيء ابنه أنطيوخس الأول؛ فخسر جنوب سوريا. ثم خسر حربه مع برجام. أما أنطيوخس الثاني فقد دبَّت في بلاطه فِتن داخلية قُتِل على إثرها، وانشغل سلوقس الثاني بحرب مع أخيه (حرب الأخوين). وبدأت المملكة السلوقية تتدهور شيئًا فشيئًا؛ فقد انفصلَت عنها باكتريا (٢٥٠ق.م.)، ثم بارثيا (٢٤٧–٢٣٥ق.م.)، وأرمينيا (٢٣٠ق.م.).
سلوقس الرابع (فيلوباتر).حاول أنطيوخس الثالث (الكبير) (٢٢٣–١٨٧ق.م.) أن يعيد المجد لهذه الدولة، لكنه صادَف فشلَين ذريعين في بداية حكمه في بابل وفلسطين؛ فقد فشل في إخماد ثورة بابل، وخسر الحرب السورية الرابعة في فلسطين في معركة رفح أمام البطالمة. ثم بدأ أنطيوخس الكبير بالرَّد على الهزائم التي تلقَّاها فاستعاد آسيا الصغرى، ثم آسيا الوسطى حتى وصل إلى وادي السِّند واستعد للحرب السورية الخامسة أمام بطليموس الخامس ولم يأتِ عام ١٩٨ق.م. حتى كانت مصر قد فقدت كلَّ جوف سوريا نهائيًّا. وهكذا أعاد للدولة السلوقية امتدادها الأول.
لكن روما — وبمساندة مصر ومقدونيا — جرَّت أنطيوخس إلى حرب كبيرة، فبعد غزوه لآسيا الصغرى وبلاد اليونان، ردَّت روما على أنطيوخس بثلاث معارك كبيرة هي: «مينيوس، ترمبولي، مغنيسيا» كان النصر فيها للرومان، ثم جاءت معاهدة أباميا عام ١٨٨ق.م. لتعيد أنطيوخس إلى حجمه بل لتحصره في زاوية ضَيِّقة.
أنطيوخس السادس (ديونيسيوس).وكان أنطيوخس الرابع (١٧٥–١٦٤ق.م.) آخر الملوك السلوقيين الأقوياء، فبرغم من كونه وَرث مملكة ضعيفة مُثقَلة بالديون وتنتشر فيها بوادر الاستقلال التي كانت ترفعها الروح القومية لرعايا الإمبراطورية السلوقية الشرقيين؛ مثل: الأنباط، والبارثيين، والأرمن، واليهود، لكنه رغم ذلك استطاع غزو مصر البطلمية وتوَّج نفسه في منف ملكًا (مقلدًا بذلك ما فعَله الإسكندر المقدوني)، لكنه ما لبث أن انسحب من مصر تحت ضغط روما.
وقد أضاع أنطيوخس فرصة تاريخية للقضاء على روما عندما لم يساند مقدونيا التي واجهَت روما وحْدَها … وما أن استولت روما على أول الممالك الهيلنستية حتى بدت وكأنها ستفترس الثانية، وكانت تمهد لذلك وتبث سمومها لإضعاف المملكة السلوقية.
-
(٢)
مرحلة الضعف: برز اسم سلوقس الأول (٣١٢–٢٨٠ق.م.) المُلقَّب نيكاتور (المنتصر) حين استولى على أكبر أجزاء الإمبراطورية من حوضَي السِّند وجيحون إلى شواطئ الشام الشمالية، وإن فشل في ضم آسيا الصغرى ومقدونيا، لكن هذه المملكة سرعان ما فَقدَت أجزاءها الشرقية كلها بالتدريج حتى انتهت دولةً لسوريا فقط.
حاول أنطيوخس الثالث الكبير (٢٢٣–١٨٧) أحد أحفاد سلوقس أن يعيد المَجد لهذه الدولة، فتوغَّل بالحروب حتى وادي السِّند، واهتمَّ بتجارة الجزيرة العربية يُريد السيطرة عليها فردَّتْه الشواطئ الصعبة البعيدة.
سلوقس السادس (أبيفانس نيكاتور).وحارَب البطالمةَ عشرين سنة حروبًا طويلة ناجحة استعمل فيها الفِيَلة. كان موضوع الخصومة الدائم بين السلوقيين والبطالمة هو السيطرة على جنوب سوريا (سوريا المجوفة) التي كان الطرفان يريدانها لاستقرار خطوطهما التجارية، ولاتخاذ خطوط دفاع وتهديد. بالإضافة إلى غناها بالأخشاب والزيت وبعض المعادن. دارت من أجْلِها خمس حروب (٢٧٦–٢٠٠ق.م.) وانتهت بسيطرة البطالمة عليها بعض الوقت، لكنَّ السلوقيين عادوا في عهد أنطيوخس الرابع (١٧٥–١٦٤)، فحاربوهم ودَخلوا بلادهم حتى الإسكندرية سنة ١٦٩ق.م.
كليوباترا الأولى (ثيا).في البدء كانت بابل هي العاصمة، ثم بنى سلوقس الأول مدينة أنطاكيا عاصمة للدولة. كانت سياسته نَشْر الهيلينية؛ لهذا شيَّد أكثر من «١٦» مدينة مثلها تحمل اسم والده أنطيوخس، وتسع مدن تحمل اسم أمه لاوديسا (اللاذقية منها). وقد بلغت المدن التي أنشأها السلوقيون في سوريا وحدها ٣٦ مدينة. وفي هذا ما يدل على التكاثر السكاني من جهة وعلى كثافة السكن الإغريقي وانفصاله عن السُّكان الأصليين من جهة ثانية.
كان نظام الحكم الذي طبَّقه السلوقيون يقوم على الجمع بين أساسين مُختلِفَين، فمن جهة مبدأ المَلَكية الشرقية القديمة التي تُعطِي المَلك السُّلطة المطلَقة. ومن جهة أخرى نظام المدينة اليونانية في المدن التي تمَّ إنشاؤها. فكان للدولة (المدينة الإغريقية)، مسارحها ومؤسَّساتها الدستورية، واستقلالها الذاتي الذي يرفض التَّسلط الملكي، وكانت تسعى لزيادة هذا الاستقلال مستغِلَّة حاجة السلوقيين للعمال. وقد صارت منذ عهد أنطيوخس الرابع (١٧٥–١٦٣ق.م.) حُرة في سياستها وفي سَك نقودها، ولبعضها حصانتها الخاصة؛ (مثل أرواد، وصور، وطرابلس، وعسقلان) مما أضعف المملكة، وجعَلها خلايا مفكَّكة. وفي الوقت الذي أضحَت فيه هذه المدن أشبه بالجزر الحضارية الإغريقية ضِمن بحر من الحضارة والعادات والتقاليد الشرقية القديمة.
احتفظ الريف — بخاصة — بطابعه الحضاري الكامل وصِفاته الآرامية. وبينما كان سكان المدن اليونانية يَتكلَّمون الإغريقية، كان السكان الأصليون والريف يتكلمون الآرامية أو الفينيقية، وإن ظهر عدد كبير من الشعراء والكُتاب والفلاسفة باليونانية.
ورغم بقاء الهيلينية أجنبية في سوريا فالتمازج ترك أثره الواضح عمرانًا وفنونًا وفكرًا. ظهر من أهل البلاد كثير من رجال الفكر؛ منهم: زينون الصيداوي مؤسِّس الفلسفة الرِّواقية، وديودروس الصوري الفيلسوف الأرسطي، وبوسيدونس الأفامي، ومن الشعراء: فيلوديموس، ومليغر.
أنطيوخس العاشر (إيوسيبس فلوباتر).حين تُوفِّي أنطيوخس الرابع في أصفهان وورثه طفلُه الصغير أنطيوخس الخامس تحت وصاية رَجُلين متنافسين، كانت روما تحتفظ بدمتيريوس (الابن الأكبر لسلوقس الرابع) الذي هرب واستولى على العرش. ولذلك ردت روما عليه باستقلال ميديا وإنشاء كيان يهودي باسم «دولة يهوديا» في قلب المملكة السلوقية، ثم خَلقَت مُطالِبًا بالعرش السلوقي هو (بالاس) وساندته حتى استولى على الحكم.
وبدأ الضعف ينتشر في أوصال الدولة السلوقية، ووصل طيش «بالاس» أن حاول اغتيال بطليموس السادس وهو الذي سانده وزوَّجه ابنته حتى انتهى بالاس بالموت على يد الأعراب. وتداعَت سيناريوهات الضعف والترنُّح بين تراجيديا العواطف الصاعقة، والزِّيجات الفاشلة، ومؤامرات البلاط، ومغامَرات الملوك، فظهرت كليوباترا ثيا التي أدارت الموت حول أعناق خمسة من ملوك السلوقيين؛ أوَّلُهم بالاس وآخرهم ابنها الأكبر، لكن ابنها الأصغر «أنطيوخس الثامن» جريبوس وضع حدًّا لها، فقتلها قبل أن تقتله.
كانت المملكة السلوقية أثناء ذلك تتمزَّق وتتقطع أوصالها، واستطاع «ميثريداتيس الأول» أن يستقل بالمملكة الفرثية الفارسية من البنجاب حتى بابل، واستطاع الأنباط قَتْل الملك السلوقي «أنطيوخس العاشر» ديونسيوس، وحرَّروا دمشق منه، ثم بدأت مجموعات من القبائل العربية بالتوغُّل في قلب الأراضي السلوقية وأنشأت دولًا محلية لها مثل: «بنو الأبجر» في الرها و«اليطوريون» في لبنان و«عنجر»، و«بنو شمس الكرام» في حمص. وعاد اليهود المكابيون لتكوين دولتهم، وسعى هيركانوس وعائلته لذلك.
وهكذا تفككت الإمبراطورية السلوقية إلى ممالك قومية صغيرة أو كبيرة وعصفت بها وبجيوشها المنازَعات، وكان البلاط الفاسد هو بؤرة هذا الضَّعف، وبدا كما لو أنه يَتشبَّث بآخر قَشَّة له في أنطاكيا العاصمة.
-
(٣)
مرحلة الانهيار: جاءت الضربة الأولى الكبيرة للمملكة السلوقية من الأرمن عام ٦٩ق.م. فقد اكتسحوا سوريا وأنشئُوا حكومة فيها، لكن الرومان عزَلوا هذه الحكومة فدبَّت الفوضى في سوريا كلها.
وكان من الطبيعي أمام هذه الفوضى التي نَشبَت في المملكة السلوقية الجريحة الكسيرة أن تسقط تحت الضربة القاضية لِيَد القائد الروماني «بومبي» الذي احتل سوريا عام ٦٤ق.م. وجعلها ولاية رومانية، وأنهى بذلك حُكم السلوقيين إلى الأبد بعد أن دامت مملكة لسلوقيين حوالي قرنين ونصف.
(٣) المملكة المقدونية (٢٣٢–١٤٦ق.م.)
كانت مقدونيا أصغر الممالك الهيلنستية الثلاث من حيث المساحة، والثروة، وعدد السكان، لكنها تمتاز عن الدولتين الأُخريين بالترابط، والتقاليد العسكرية، والروح المعنوية، وولاء المواطنين لحُكَّامهم القوميين الذين حافَظوا على التقاليد والنُّظم العسكرية التي وضَعها فيليب الثاني، وعَمِل الإسكندر الأكبر على تنظيمها وتنميتها.


- (١)
السلالة الأرجية (نهاية القرن التاسع–٣٠٩ق.م.)، وأشهر ملوكها هو الإسكندر الكبير (الثالث).
- (٢)
السلالة المنافِسة (٣٠٩–٣٠١ق.م.)
- (٣)
سلالة أنتيباتر (٣٠٢–٢٧٧ق.م.)
- (٤)
الحكام المنافسون (٢٩٤–٢٧٩ق.م.)
- (٥)
مرحلة الفوضَى (٢٧٩–٢٧٧ق.م.)
- (٦)
سلالة أنتيجون (٢٧٧–١٦٨ق.م.)
كافحَت مقدونيا من أجل الحفاظ على بحر إيجة، ولكن هذه الدولة لم تستطع الاحتفاظ إلا بتَساليا والجزء الشرقي من بلاد الإغريق، وتكوَّنَت عصبة ضدها بقيادة إسبرطة فهزمَتها مقدونيا، وأنشأت عصبة كبرى من أغلب بلاد الإغريق الوسطى والبلوبونيز بزعامة مقدونيا، وبرز الملك فيليب الخامس الذي كانت له طموحات واسعة في آسيا الصغرى وسلوقيا والبطالمة وحتى روما.

خاض فيليب الخامس الحرب المقدونية الأولى ضد روما بمساعدة القَرطاجِيين عام ٢١٤ق.م. ولكن روما انتصرت عليه ٢٠٥ق.م.
وخاض الحرب المقدونية الثانية (٢٠٠–١٩٧ق.م.) ضد روما وانتصرت عليه ثانيةً، وخضعت مقدونيا إلى روما بعد مُعاهَدة قاسية الشروط، ثم وضعت كل بلاد الإغريق كمنطقة نفوذ رومانية يتولَّون بأنفسهم تدبير شئونهم على أن يُثبِت الإغريق أنهم حُلفاء أوفياء يقفون في وجه أي اعتداء على روما. وقامت الحرب المقدونية الثالثة (١٧١–١٦٨ق.م.)، وانتصرت روما أيضًا، وعندما حاول بروسياس بن فيليب الخامس ملك مقدونيا الاستقلال عن روما هزمته روما وقسَّمَت مقدونيا إلى أربع جمهوريات. وأصبحت مقدونيا ولاية رومانية عام ١٤٦ق.م. بعدما نشبت الحرب بين الآخيِّين والإسبرطيين، والتي انتصرت فيها روما على إسبرطة.
بعدها أخضعَت روما بالتدريج جميع المدن اليونانية … وبذلك نستطيع القول إن الدَّور السياسي التاريخي الذي قامت به مقدونيا والمدن الإغريقية معها، والذي استمر لأكثر من قرن ونصف القرن، قد بدأ بالانتهاء تمامًا في أرجاء البحر المتوسط. وحصلَت المدن اليونانية على السلام الذي لم تعرفه في تاريخها، ولكنَّها فَقدَت استقلالها بصفة نهائية، وعلى الرغم من أن الرومان سيطروا سيطرة سياسية قوية على المدن اليونانية، وأدخلوها في دائرة التبعية الرومانية إلا أن الثقافة والحضارة اليونانية هي التي سيطرَت على جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية.

(٤) برجام (٢٨٢–١٣٣ق.م.)

- (١)
فليتاريوس ٢٨٢–٢٦٣ق.م.
- (٢)
إيومينس الأول ٢٦٣–٢٤١ق.م.
- (٣)
أتَّالوس الأول ٢٤١–١٩٧ق.م.
- (٤)
إيومينس الثاني ١٩٧–١٥٩ق.م.
- (٥)
أتالوس الثاني ١٦٠–١٣٨ق.م.
- (٦)
أتالوس الثالث ١٣٨–١٣٣ق.م.
وقد استطاع أتَّالوس الأول، أحد ملوكها، أن يصد هجمات الغاليين الذين وصلوا إلى أسوار مدينته، ووقف بوجه السلوقيين ومَن وقفوا معهم من أبناء جِلدته.


ولم يتوقَّف أتَّالوس عند هذا الحد، بل قرر أن يعاقِب الأمير الخائن هيراكس، فلاقاه وألحق به ثلاث هزائم متتالية، انتهَت بانتزاع ساحل فريجيا وليديا، وهما أغنى مناطق آسيا الصغرى، وذلك خلال عامي ٢٣٠–٢٢٨ق.م. وبذلك وضعَت مملكة برجامون الوليدة لنفسها حدودًا ثابتة على حساب الإمبراطورية السلوقية، كما أن هذا الانتصار حوَّل هذه المملكة الصغيرة إلى مَحطِّ إعجاب واحترام الإغريق، وبدأ أتَّالوس يعيد بناء مدينته ويحيطها بكل مظاهر الحضارة الإغريقية؛ لكي ينافس بها مدينة الإسكندرية وأنطاكية، ولكي يَظهر بمظهر الزعيم الروحي المُنقذ للحضارة الإغريقية من جحافل البرابرة. والذي لا شك فيه أن البطالمة وقَفوا إلى جانب أتَّالوس، وأمَدُّوه بالمساعدات؛ فقد كان هدفهم فضْح ملوك الأسرة السلوقية أمام عيون العالَم الإغريقي، وإظهارهم بمظهر الخونة المتعاوِنين مع البرابرة الجلاتيين، ومع العنصر الآرامي والفارسي ضد أشقائهم الإغريق. كما قصد البطالمة — أيضًا — إحراج المَلك المقدوني أنتيجونوس جوناتاس الذي كان يَدَّعِي أنه حامي حِمى القومية الإغريقية؛ وذلك لأنه لم يُحرِّك ساكنًا خلال هذا القتال؛ فقد كان حليفًا للأسرة السلوقية (الناصري، ١٩٩٢م، ٢٢٧).
وأصبح ابن أتَّالوس — في ضربة حظ مفاجئة — سيد آسيا الصغرى انطلاقًا من برجام عندما أعلن الرومان الحرب على أنطيوخس السلوقي، فما كان من وريثه «أتَّالوس الثاني» إلا التوصية بأن تكون برجام لروما وهو على فراش الموت خشية أن تقع فريسة بيد السلوقيين أو غيرهم.
أصبحت برجام — خلال فترة استقلالها — تُنافس الإسكندرية على مركزها العلمي والفني والحضاري، ونافسَت مكتبتُها مكتبةَ الإسكندرية في عدَد كُتبها، وفي لوحاتها المتميزة.