المبحث الثالث

المؤسَّسة الدينية الهيلنستية

المعابد

لا يوجدُ نمط ثابت للمعابد الهيلنستية فهي إما إغريقية تمامًا باستثناء بعض الملامح الشرقية، أو أنها شرقية تمامًا باستثناء بعض الملامح الإغريقية، أو أنها هجينة من هذا وذاك.

وتختلف المعابد الهيلنستية من حضارة شرقية لأخرى، فالمعابد السلوقية مغايرة تمامًا للمعابد البطلمية، وللمعابد النبطية، والفارسية وغيرها. ولعل أشهر المعابد الهيلنستية هي معابد الإله الهيلنستي الأول سرابيس والتي تسمى سِرابيوم (Serapeum)، والتي كانت منتشرة في العالَم الهيلنستي كله والبطلمي منه بشكل خاص. وإذا كان المعبد المركزي للإله سرابيس في الإسكندرية (سرابيوم الإسكندرية) يحتوي على طقوسٍ وكهنةٍ مصريين وإغريق، فإن السرابيومات الأخرى يَغلب عليها الطابع الإغريقي.

(١) معابد السرابيوم Serapeum

figure
تمثال (أبو الهول) في سرابيوم الإسكندرية.
  • (أ)
    سرابيوم منف: وهو أقدم سرابيوم، وكان في الأصل للإله المصري أوزوريس- أبيس، وكان الإغريق منذ بداية عهد البطالمة يُطلِقون عليه اسم سرابيوم؛ أي معبد سرابيس.

    كان المعبد يقوم على بُعد أربعة أميال عن منف، وبالقرب من سفح التلال التي تَحُد وادي النيل من الناحية الغربية وكان مكوَّنًا من عدة هياكل أحدُها يحتوي على التمثال الإغريقي للإله سرابيس.

    وهيكل أمحوتب (أو أسكلابيوس الإغريقي) إله الشفاء، والإله أبيس وهو الإله العجل، والإله بيس Bes ذو التماثيل الصغيرة، والإلهة إيزيس، والإله هاربوكراتس ابن إيزيس وأوزوريس، ذو التماثيل الكثيرة.
    وكان السرابيوم يَتَّصل بمدافن العجول أبيس المتوفَّاة، وكانت أجسادها المُحنَّطة تُوضَع في دهاليز تحت الأرض، أما العجل أبيس الحي فكان يُوضَع في هيكل في منف يُدعَى «أبيوم Apieum»، ويتصل بمعبد فتاح المُقام في الأراضي الزراعية. وكان العجل أبيس الحي — وهو عجل أسود على جبهته شارة بيضاء — يعتبر صورة مُجسَّدة لإله النيل، ويُشبَّه أحيانًا بفتاح، وكما كان كل إله وبشر عند وفاته يُصبح أوزوريس، فإن العجل أبيس كان يُصبح بوفاته أوزوريس-أبيس (أوسار-حابي) وكانت كل مصر تشترك في جنازته، ويدوم الحِداد في كل مكان سبعين يومًا وهي الفترة التي تستغرقها عملية تحنيط الجُثَّة (نصحي، ٢، ١٩٦٧م، ١٨٥-١٨٦).

    كان العجل الحي يُسمَّى أبيس أوزوريس وتُجري له طقوس فوق سطح أرض المعبد، أما العجل المتوفَّى فيسمَّى أوزوريس أبيس، وتجري طقوسه في دهاليز تحت سطح الأرض ويكون فيها إله العالَم الآخَر تحت اسم مَحلِّي وفي شكلٍ بَشري، لعله كان شكل أوزوريس جالسًا على عرش وله رأس ثور، ولكن أوزوريس أبيس أو «سرابيس» كان يُصوَّر للإغريق في شكل يناسب آراءهم. وداخل أسوار معبد سرابيس في منف، كان يَحتشِد جمع خليط من الكهنة والمتعبِّدين، يَتعبَّد كل منهم إلى هذا الإله في صورته المصرية أو الإغريقية وفقًا لجنسيته. (نصحي ٢، ١٩٦٧م، ١٨٦).

  • (ب)
    سرابيوم الإسكندرية: كان هذا المعبد تحت سيطرة رجال الدين المصريين، وكانوا يَدْعونه معبد أوزوريس أبيس براكوتي، ويرى شوبارك أن شعائر العبادة في هذا المعبد كانت تُقام وفقًا للطقوس المصرية، وأنه لم يطرأ عليها جديد إلا بعض المَظاهر الخارجية مثل تقديم سرابيس للإغريق في شكل إغريقي. وكان يُعهَد إلى كهنة سرابيوم منف بِتولِّي مناصب دينية في سرابيوم الإسكندرية (نصحي، ٢، ١٩٦٧م، ١٨٧).

    وكان هذا المعبد الإغريقي يضم هيكلًا لسرابيس المصري مثلما كان سرابيوم منف يضم هيكلًا لسرابيس الإغريق. ولا شكَّ أن طقوسه الإغريقية كانت ذات أسرار تختلف عن الطقوس المصرية القديمة.

    يجمع معبد سرابيس في الإسكندرية بين عناصر شرقية وأخرى يونانية. وشُيِّد هذا المعبد فوق أرضيةٍ مرتفعةٍ، ويكون الوصول إليه عن طريق بوابةٍ مُقبَّبة تُؤدِّي إلى ساحة بها حوض للمياه، وهناك مكتبة تتصل بمبنى المعبد، وتحت المرتَفع الذي أقيم عليه المعبد تُوجَد حجرات ذات أقواس تستخدم لممارسة الطقوس الدينية. وقد أقيم هذا المعبد على مكان لمعبد إيزيس وسرابيس القديم وكان، على الأرجح، بطليموس الثالث هو الذي أنشأ هذا المعبد الذي سُمي ﺑ «السيرابيوم» يتألف السيرابيوم من سياج مستطيل (١٧٥،٧٠ × ٨٧م) ويمتد في موازاته من الداخل بَهو أعمدة أيونية، ويقع المعبد في الجزء الشمالي من حرمه حيث توجد بقايا معبد إيزيس.

    وهكذا يتضح أن سيرابيوم الإسكندرية كان يشبه معبدي أدفو ودندره المصريين من حيث تشييده في الجزء الشمالي من حرمه، وكذلك من حيث امتداد محوره من الشمال إلى الجنوب، ولم يُعثَر على مبانيه الأرضية باستثناء بعض الدهاليز والغُرف المنحوتة في الصخر تحت الأرض، والتي كانت تُستخْدَم لأغراض دينية ولتخزين كُتب المكتبة الصغرى.

    ويُستخْلَص من المصادر القديمة أن هذا السيرابيوم كان معبدًا عظيمًا يقوم على ربوةٍ مرتفعةٍ؛ ولذلك كان يُؤدِّي إلى سياجه المقدَّس سلمٌ كبير يتألَّف من مائة درجة، وأنَّه كانت له مَداخل شامخة وأعمدة ضخمة تحيط بجهاته الأربع، وأنه قد وُضع في قدس الأقداس تمثال لسرابيس دقيق الصُّنع ومرصَّع بالأحجار الكريمة. فلا عجب أن كان هذا المعبد يُعتبَر أعظم المعابد في حوض البحر الأبيض المتوسط حتى إنه كان لا يفوقه سوى معبد الكابيتول في روما. (نصحي، ٢، ١٩٦٧م، ١٩٧).

  • (جـ)
    سرابيوم أبيدوس: في أبيدوس، مقر ثالث المعابد الكبيرة لسرابيس، لم يكن هذا الإله سوى الترجمة الإغريقية لأوزوريس. ونستدل على ذلك من أنصاب الموتى التي زُيِّنَت حسب التقاليد المصرية بمنظر يُمثِّل أوزوريس وهو يستقبل الموتى، ووُجِّهَت الأدعية التي على الأنصاب باللغة الهيروغليفية أو الديموتيقية إلى أوزوريس، أما باللغة الإغريقية فإنها وُجِّهت إلى سرابيس. وقد وُجِدَت أنصاب مماثلة في مقابر الفيوم وسقارة (نصحي، ٢، ١٩٦٧م، ١٨٩).

(٢) هيكل الخزنة

figure
هيكل الخزنة.

يمكن أن يكون هيكل خزنة الفرعون (وهو اسم شعبي غير دقيق) معبدًا هيلنستيًّا للإلهة النبطية مناة التي يعتبرها الأنباط إلهة القدَر والمَنِيَّة والعالَم الأسفل، والتي صارت في عصور لاحقة حارسة مدينة البتراء وإلهة الحظ فيها. وهذا يعني أن هذه الإلهة كانت تُقابِل كور أو برسفوني من جهة، والإلهة تايكي إلهة الحظ من جهة أخرى.

وتتميَّز واجهة الهيكل بطرازها الهيلنستي الرفيع فهو آية من آيات المِعمار الهيلنستي الديني الذي جمع بين الطراز الإغريقي والطراز النبطي القديم. وهذه الواجهة محفورة في الحجر، وتتكوَّن من قسمين رئيسيين: العلوي يتكون من ثلاث واجهات صغيرة، اثنتين تتميَّزان بإفريز مرتفع، أما الوسطى فلها إفريز دائري وتعلوها جَرَّة محطَّمة، وفي كل من هذه الواجهات الثلاث تماثيل هيلنستية، أما القسم السفلي فيتكون من الجبين المثلث المرفوع على إفريز يقف على ستة أعمدة بينها يتعدَّد مدخل الهيكل. وعلى جانبَي المَدخل تمثالان مُحطَّمان لحصانين وراكبين يُعتَقد أن لهما علاقة بالرحيل إلى العالَم الأسفل بعد الموت.

(٣) معبد أبولو في ديديما

figure
معبد أبولو في ديديما. (٣٣٠ق.م.–٤١م).
ومن المعابد ذات الطابع الهيلنستي في بلاد الإغريق معبد أبولو في ديديما، ويؤرَّخ هذا المعبد بحوالي عام ٣٣٠ق.م.–٤١م، وهناك معبد هيكاتي (Hekate) في لاجينا الذي يحتوي على ثمانية أعمدة في كل نهاية، وأحد عشر عمودًا في كل جانب، ويحيط بهذا المعبد أعمدة تتصل بالحجرة الرئيسية في المعبد، ويُعرَف هذا الطراز باسم الجناحين الكاذبين Pseudo-dipteral (ريختر، ١٩٨٢م، ٥٥).
figure
المذبح الأكبر في برجامون (موجود الآن في برلين). (النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد.)
وهناك أيضًا المعبد الأولمبي لزيوس في أثينا والمسمى ﺑ Zeus Olympios وهو من الطراز الكورنثي وأبعاده الأرضية هي: (٤١ × ١٨٨م) وله صف مُزدَوج من الأعمدة به عشرون عمودًا في كل جانب، وثلاثة صفوف خلفية يتكون كلٌّ منها من ثمانية أعمدة (ريختر، ١٩٨٢م، ٥٥).
ويُعتبر مذبح زيوس وأثينا في برجامون من أشهر المذابح في العصر الهيلنستي، وقد شُيِّد في زمن يومينيس الثاني (١٩٧–١٥٩ق.م.)، ويتكون من فناء أيوني له جانبان بارزان، ويقوم على مرتفع عالٍ، ويَزْدان بنحْت بارز يُصوِّر تمثال الآلهة والعمالقة، وهناك إفريز أصغر على الجانب الداخلي لجدار الفناء الخلفي يُصوِّر قصة تيليفوس (Telephes)، وقصة تأسيس برجامون. وشُيِّد هذا المذبح بين الجدران الثلاثة (ريختر، ١٩٨٢م، ٥٦).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥