المبحث الثاني

الهيلنستية الدينية في وادي الرافدين

تنوعت العبادات في وادي الرافدين في المرحلة الهيلنستية، فبعد أن دخلت الزَّرادُشْتية إلى البلاد مع قدوم الفُرس الأخمينيين، وظهرت المسحة الثنوية في العبادات العراقية تَنامى ظهور الغُنُوصِية المحلية قبل مجيء الإغريق، فكانت المندائية والشيثية بشكل خاص.

كانت عبادة النبط والكسدانيين (الكلدانيين) تميل إلى الشيثية التي كانت موجودة في وادي الرافدين في حدود القرن الثالث قبل الميلاد جنبًا إلى جنب مع اليهودية والمندائية.

أما الديانات الرافدينية العريقة القديمة فقد استمرت هي الأخرى في بابل وأوروك وغيرها. ويمكن أن نُحصي الآلهة التي ظلَّت تُعبَد بقوة:

الآلهة الذكور

  • آنو: وهو رب السموات والأرض، وكان هو النموذج الأمثل لرجل الدين الأكبر، وللملك، ولرب الأسرة، وكان هو على رأس «أنليل، إيا، بابوسكال، شمس، سف» كانت زوجته (آنتو) إلهة السماء.

الآلهة الإناث

  • (١)
    نانايا (أنييني (Nanaia)): وهي عشتار ربة السماء الشعبية الانتشار كربة للجمال والحب.
  • (٢)
    بيليت شاراش (Belit Sha Rash).
  • (٣)
    بيليت سيري: (Belit Seri).
  • (٤)
    إيسي (Esi) (وهي إيزيس المصرية).
figure
نانينا وتسمى أناهيتا من قبل الفرس.
figure
بيليت شاراش (Belit Sha Rash).

الآلهة الإغريقية

  • (١)
    أديشو (Adeshu) وهو الإله هاديس رب الجحيم.
  • (٢)
    نييا جارجو-سو (Niia-Gargusu) (نيارجنوس) وهو الاسم الإغريقي الذي أطلقه أنطيوخس الثاني على الإله البابلي «أنا يوباليت بن آنو» أقصور (Aqsur) سليل آهوتو.

رُبَّما كانت صورة تموز وعشتار البابليين أقل بريقًا من إيزيس وأوزوريس المصريين في العصر الهيلنستي، لكن هذا المشهد كان يحوي في طياته عبادات مسارية كثيرة تضمَّنَت المساريات التموزية القديمة.

لقد كتب بيروسوس بالإغريقية مؤلَّفًا كبيرًا عن حضارة «بابل» حتى يتمكَّن مواطِنو الدولة السلوقية من الإغريق من الاطلاع على تاريخ وحضارة البلد الذي استوطنوه، فكما تفاخَر بطالمة مصر بعراقة الحضارة الفرعونية، رأى ملوك الدولة السلوقية أنهم يحكمون بلدًا لا يقل حضارة عن وادي النيل، ومن ثَم كلَّفوا كاهنًا بابليًّا بكتابة التاريخ القومي لحضارة الرافدين، ردًّا على تكليف البطالمة لكاهن مصري يجيد الإغريقية اسمه مانيتون، بكتابة تاريخ مصر الإغريقية، فقد شمل التنافس بين دول البطالمة والدولة السلوقية كافة المجالات، ومن بينها التفاخر بعراقة الوطن الذي يحكمونه. وهكذا ظهر مؤلَّف «البابليات»؛ أي تاريخ بابل (Babyloniaca) كَنِدٍّ منافِس لمؤلَّف مانيتون السمنودي «المصريات» Aigyptiaca، وكِلا المؤلفين كان يهدف أيضًا لإغراء الإغريق بالهجرة إلى هذه الأوطان، ذات الحضارة العريقة؛ لأنهما كانتا من ناحية الواقع تقومان على قُوَّة المستوطِنين المهاجرين من الإغريق. من الغريب أن كلًّا من هذين المؤلَّفَين فُقِد وَضَاع، ولا نعرف عنهما سوى بعض الإشارات والفقرات التي نُقِلَت عنهما في مؤلَّفات كُتَّاب آخرين (الناصري، ١٩٩٢م، ٣٦٤).

وقد كانت النزعة الشمسية في وادي الرافدين أساس نشوء المدرسة الرواقية التي أسَّسها أحد أحفاد ديوجين البابلي، والتي كانت فلسفة هيلنستية بامتياز.

وإذا ما بحثنا عن جذور الفلسفة الرواقية (Stoicism) تلك الفلسفة التي تربط بين دَور القَدَر والاعتقاد بتأثير حركات الأجرام السماوية على الأحداث العالمية، وعلى فكر الناس ومصائرهم، مما يجعلنا نفكِّر في الديانة الكلدانية، وتطوُّر علم التنجيم وقراءة المستقبل البشري عند البابليين، فقد جاء زينون مؤسِّس الفلسفة الرواقية من قبرص ومن أصل شرقي، بل إنه يُعتبَر من بين أجداده ديوجين البابلي (Diogenes)، وفي بابل تجد أن رجلًا يُدعى أرخيديميوس Archidemos يؤسِّس مدرسة رواقية في القرن الثاني، ترعرعت ونمَت في تُربتِها الأصلية، وهناك العديد والعديد من الملاحظات المتشابهة والمتناظرة بين هاتين الحضارتين في مجال الفلك والفلسفة، غير أن معلوماتنا عن النظريات البابلية المتعلِّقة بالأفكار الكونية والدينية في العصر الهيلنستي لا تزال ضئيلة، ونحن في حاجة — كما ذكرنا في أول الحديث — إلى إعادة مراجعة الوثائق والنصوص البابلية، عَلَّنا نستوضح المزيد منها (الناصري، ١٩٩٢م، ٣٦٦).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥