حساب الحمص
بينما كانت الخورية تنفض جبة زوجها وتنظفها سمعت خشخشة حب في جيبها فزجت فيه يدها فوجدت عشرين ثلاثين حبة حمص، فقالت تخاطب نفسها: مسكين خورينا! يأكل كل يوم حبة! تقبر الشح والبخل. الحمص ملء البيت.
قالت هذا وأسرعت إلى خزانة المئونة، وأخذت منها كف حمص رمتها في جيبة زوجها الخوري، ثم راحت إلى شغلها بعد أن اطمأنت إلى نظافة الجبة.
أما حكاية هذه الحمصات فهاكم تفصيلها. هذا الكاهن كان يعرف الصلاة عن ظهر قلب ويقرأ الإنجيل قراءة مفككة الأوصال، وإذا صعبت عليه كلمة تهجاها. ولكن القرية احتاجت إلى خوري، ولم يكن في الميدان غير حديدان فسامه الأسقف، وهكذا صار عليه أن يعرف مواقيت الأعياد قمرية شمسية.
ولما انتهى المرفع حسب للعيد والصيام حسابهما. ففي تلك الأيام لم تكن ظهرت روزنامات، وذاكرة المحترم كانت أشد عتمة من كنيسته، فتدبر أمر العيد بأن وضع في جيبه خمسين حبة حمص، وكان كل يوم يأكل واحدة ليعلن عيد الفصح المجيد ليلة يأكل الحبة الخمسين.
وظل حساب الحمص مضبوطًا، حتى أوحى إلى الخورية كرمها الحاتمي فوضعت ما وضعت من الحمص في جيبة زوجها الجليل.
وكان الناس يسألون الكاهن متى العيد فيعد الحمصات ويجيبهم: العيد قريب يا أولادي. ولكن الجيرة عيدت وعيدهم لم يجئ، ولما سألوه آخر مرة أجابهم وهو يضحك من نفسه وعينه في الأرض: على حساب الحمص العيد بعيد.
ونحن نقول والأسف ملء الصدر: ما دامت عقلية الناخبين كما هي فهيهات أن يكون لنا برلمان أمثل. ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
قال غوستاف له بون: لا يستطيع المرء أن يعيش بلا مذهب. وقال ابن المقفع حين زمزم على العشاء وهو قادم في الغد على اعتناق الإسلام: كرهت أن أبيت على غير دين.
وهذا الشعب اللبناني لا يكون له برلمان غير هذا إلا عندما يتكتل غير هذا التكتل. إن المسئول الأول هو الناخب، فمتى اكتمل وعي الناخبين انعتقوا من سلاسلهم العتيقة. فعبثًا نتحدث عن الضغط وحرية الانتخاب، وعبثًا تهيب الحكومة بالناخبين النائمين في أقبية تقاليدهم، فإنهم لا يستيقظون. مصيبتنا كبيرة في هذا الوطن، وشر مصايبنا أننا ما زلنا نقدس القديم ولا نرى في الجديد خيرًا، وإن كان ليس كل عتيق غير صالح، ولا كل جديد فيه الكفاءة.
أما المرشحون فلماذا لا يقتتلون على النيابة ما دام لهم منها رغيف مقرص، يتناولونه على الهينة. فالطبيب يظل طبيبًا، والمحامي يبقى محاميًا، والتاجر تاجرًا. ناهيك أن النائب يحضر ساعة يريد، ويخرج من الجلسة حين يشاء. وقد يعطلها عن سابق تصور وتصميم إذا لم تكن على هواه، فيقبر مصالح ناخبيه في أدراج اللجان.
مرت عليَّ انتخابات مشايخ، وانتخابات مندوبين، وانتخابات أفراد، وغدًا انتخابات نساء. وشهدت انتخابات اللوائح، وغدًا انتخابات دائرة، وما أظن الحال إلا على فرد منوال.
كان المعاش خمسين ليرة للنائب البيروتي ومائة للجبلي، ثم صار خمسماية ثم ألفًا، ولا نزال حين كنا وكما كنا.
وكان النواب ٢٥ ثم ٥٥ ثم ٧٧ وبقيت النيابة، نيابة مآرب ومصالح.
أحسن الله الحال حتى لا نقول مثل هذاك الخوري: على حساب الحمص (ما فيش) عيد.