من أين لك هذا؟
خبرني والدي عن جدي، عن جده، قال: رزق أحدهم ولدًا على رأس سبع بنات فاجتمع الأهل والأصحاب ليباركوا له فيه. وبينا هم يأكلون حلاوة الطفل ويتمنون له طول العمر إذا بشيخ رعشن يقول وهو يتمطق: ماذا سميت المحروس؟
فأجاب والده المعتز بهذا الفتح المبين: الرأي رأيكم. نقوا له الاسم الموافق.
وكان استعراض طويل لدواجن الأسماء وأوابدها، عربيها وعجميها، ولما كادوا أن ينصرفوا غير متفقين على اسم لهذا الذكر الذي شرف الدار بعد طول الانتظار، تطاول لهم شيخ قابع في الزاوية وقال: لا تختلفوا على الاسم يا جماعة، سموه قريدان، فإذا طلع على أبيه وجده شال اسمه، وإلا كان هذا الاسم في محله.
ذكرني بهذه الحكاية ما فعلته اللجنة الاستشارية التشريعية إذ سمت قانون (من أين لك هذا؟) قانون الإثراء غير المشروع.
إن من استأمنوه فخان وغدر لا يستحق المجاملة في اسم قانون يدينه. ولهذا نقول للأستاذ شفيق حاتم — مدير العدلية: إن جدك الشيخ عيد حاتم لم يستح من ذلك الكاهن حين قال له بجفاء: يا محترم: احك مثل ثوبك أو البس مثل حكيك.
سموا القانون ما شئتم فالمهم التنفيذ. نريد أن ينفذ كيما تزول شكوك الناس والتهم. وتعرف القرعة من أم القرون. ففي العاصمة والمدن ترتسم أمام أعين الناس همزات استفهام كبيرة، وفي كل قرية ودسكرة تنتصب همزات التعجب.
دمامل ممدة في جسمنا الاجتماعي تصيح أين المبضع؟ أيشقها هذا القانون أم تجد الأيام حبرها فتقرأ من عبر ميل عيانًا لا بمقياس؟
إن الثروات غير المشروعة تحتاج إلى من يشرع أبوابها لترتفع معنويات أخلاقنا. أما سمعنا الناس يعدون الموظف العالم النظيف حمارًا، ويحسبون الأمي المختلس الوقح جبارًا؟
قرأت أن اللجنة قد فرغت من دراسة هذا القانون، وبعد عصر اليافوخ، انتقوا له هذا الاسم اللطيف: الإثراء غير المشروع.
عاش باسمه. ولكن هل من يقول لهذا المخلع: احمل سريرك وامش؟!