الفصل الرابع
المنظر الأول
(تُرفع الستارة عن هيئة قبر، وهزار تندب
بقربه)
هزار
:
آه أسفي عليك يا ولدي حليم، إن فؤادي على فراقك كليم،
ودمعي لأجلك سجيم، وحزني عليك أليم، وبلائي جسيم، آه
صبِّرني يا كريم، وارحمه يا رحيم!
هي الدنيا تقول بملء
فيها
حذارِ حذارِ من بطشي
وفتكي
فلا يغررُكمُ منِّي
ابتسامٌ
فقَوْلي مضحك والفعل
مبكي
جندي
:
تواري يا مولاتي من هذا المكان، فالملك آتٍ إلى هنا
الآن؛ حيث إنه انتبه من رُقاده، وهو في كرب عظيم، وسأل عن
القبر الذي دُفِن فيه حليم.
هزار
:
ماذا يريد الملك من حليم، أما جعله في رمسه رميم؟
جندي
:
لا أدري يا مولاتي ما يريد.
هزار
:
أوَّاه يا ولدي الشهيد.
جندي
:
تواري يا مولاتي بالعجل، فها هو قد أقبل (تذهب هزار).
المنظر الثاني
(الملك، السياف، غادر)
الملك
(يدخل)
:
ما هذا الخطب المذهل، ومن هذا الرجل المُقبل؟ الذي جاءني
في الحلم، وأنذرني عاقبة الظلم، وهدَّدني بحربة تتلظَّى،
وأفعمني نصيحة ووعظا؟ ما هذه الرؤية الهائلة؟ وما هذه
المصيبة القاتلة؟ من يُوضِّح لي الحق، ويُخبرني بالصدق؟ آه
وا مصيبتاه مهلًا مهلًا، مهلًا أيها الحليم، عُذرًا أيها
الكريم، والله ما قتلكَ إلا غادر، ولا أغراني إلا ذلك
الغادر، آه يا ربي أظهر لي الحق، يا حق، وألهمني
الصدق.
فلقد اشتعلت بجسمي النيران، أغثني يا رحمن.
دهر خئون زلزل
الأوطان
فبعذره وبمكره قد
خانا
وا لوعتي سلب المنون
أحبتي
وأنار في قلبي الشجي
نيرانا
ومصائب لو أنها صُبت
على
رضوى لدكَّت أرضها
الصوانا
فلقد اشتعلت بجسمي النيران، أغثني يا رحمن.
الرشد ضاع من المُصاب
المُؤلمِ
والعقل أمسى في خيال
مُظلمِ
هذا حليم أتى لنحوي
صارخًا
يا ظالمًا هذا دمي هذا
دمي
حقًّا أرى دمًا أمامي
جاريًا
ويحي وهذا زفير نار
جهنمِ
أحليم سامحني فلست
بظالمٍ
لا لا ولست بقاتل أو
مجرمِ
السياف
:
أبشر فهذا دم حليم سيدي.
الملك
:
ابعد فحر النار أحرق أعظمي.
السياف
:
لا بأس عليك يا مالك الرقاب، فما هذا الاضطراب؟
الملك
:
هذا الاضطراب يا منتقم سببه أني رأيت رؤيا مريعة،
أوقعتني في بلية شنيعة، وهو أني رأيت رجلًا طويل القامة،
وفي يده حربة ناريَّة كالهامة، فهجم عليَّ بحربته، فكِدتُ
أن أذوب من هجمته، وقال إنكَ ظلمتَ من حكمتَ عليه بالقتل،
وما سلكتَ مسلك العدل، فقُم واملأها قِسطاسًا وعدلًا، كما
أفعمتها جُورًا وظلمًا، وقال لي أيها الجلاد وأنا تائه عن
الصواب:
قال هذا يا مُنتقم
وغاب، وأنا غائب عن الصواب، وبعد هذا رأيت حليمًا ملطخًا
بدم البراءة، وكلمني بكل جسارة وجراءة، أسمعتَ بهتان غادر
المهان، وقتلتني ظلمًا وعدوان، مع أنه هو القاتل، والخائن
الخاتِل؟ وفضل يؤنِّبني تأنيب المحق، وأنا بين يديه كالعبد
الرق، وكان آخر كلامه، بعد تأنيبه وملامه:
قال هذا يا مُنتقم وغاب عن عيني وأنا غائب عن الصواب،
فانتبهت وأنا أكابد لوعتي وأنيني فهذا هو سبب الاضطراب،
فاصنع ما يُذهب به ما بي، وافعل طريقة واستوضح
الحقيقة.
لا تظلمن إذا ما كنت
مُقتدرًا
فالظلم مصدره يُفضي
إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم
منتبهٌ
يدعو عليكَ وعين الله
لم تنمِ
ستلقى يا ظلوم إذا
التقينا
غدًا عند الإله من
الظلوم
أما والله إن الظلم
شؤم
وما زال الظلوم هو
الملومُ
إلى ديَّان يوم الدين
نمضي
وعند الله تجتمع
الخصومُ
السياف
:
هذا يا مولاي أمر
ليس بعسير؛ حيث إن غادرًا شرير، فأنا أدخل عليه بأسلوب
عجيب، وأُظهر له بغض حليم وحبيب، وأُكثر له القدح
والمَلَق، فعساه يتكلم الصدق.
الملك
:
آه يا مُنتقم لو أقرَّ ذلك الأفَّاك؛ لأنيلك وحياة رأسي
مُشتهاك.
السياف
:
لا تفتكر يا مولاي فأنا أبذل كل جهدي، وها هو قد أقبل
فاختفِ لألقاه وحدي.
(يختفي الملك.)
غادر
(يدخل)
:
مات الشقاء والكدر
وزال
عنا الضرر
وشخص من أبغضه
اليوم
أمسى في سقر
حليم يا أشقى
البشر
بموتك الأنس
اشتهر
ونال غادر الوطر
لما
علاك الأبتر
كذاك أنت يا حبيب
جزاك
مولاك الرقيب
السياف
:
آه يا حبيب القلوب،
ومفرج الكروب، طب نفسًا يا أخي غادر، لقد هلك عدُوُّك
الفاجر، وهذا دمه اشرب منه بكل سرور، وأسقيك الباقي لنحصل
على الحُبور.
أهلًا وسهلًا
بالحبيب
المُنعم السمح
الشفيق
غادر
(يشرب جرعة من الدم ثم يقول)
:
آه.
لا رحم الله ثراك يا رجيم، ولا زلت في حضيض الجحيم، الآن
تم ارتياحي، وتكاملت أفراحي، يا قرة العيون، ومُذهِب
الشجون، حقًّا خلصتني من عدو مُهان، وصيَّرتني أسير إحسانك
مدى الزمان.
من عاش بعد عدوه
يومًا
فقد بلغ المنى
السياف
:
بل أنا غريق إحسانك، وكرمك لأنك قتلت عدوي حبيب اللئيم،
وأنا قتلت عدوك حليم الذميم، فكلانا على أخيه مُنعم، ولكن
فضلك هو الأعظم؛ لأني كلما تذكرت ذلك الظلوم، يتلظَّى
فؤادي المكلوم، فلا رحم الله روحك يا حبيب، ولا بلَّ ثراك
وابل يا كثيب، آه ثم آه أما كنت تراه يا أخي غادر، حينما
كان يحتقرني ذلك الفاجر؟ دعني بالله عليك، أن أقبِّل
قدميك.
غادر
:
لا تفعل بالله يا أخي لا تفعل.
السياف
:
حفظك الله أيها البطل، اذكرْ لي بالله عليك أيها
المُصان، كيف كان هلاك ذلك المُهان، وكيف ضربتَه بالخنجر،
وأذهبتَ رُوحه إلى سقر؟ لينتعش فؤادي، وأتحصَّل على
مُرادي.
غادر
:
قد ضربته يا أخي بالخنجر في نحره، واتهمت بقتله حليم
فلحقه على أثره، وصفا لي الوقت بغير رقيب، كما صفا لك بقتل
حبيب، ولا بُدَّ ما أحتال على قتل أبيه الوزير، وبعدها
أمرح في ماله الكثير.
نلت المُنى ورقيت هام الهمم
لما قتلتُ حبيبًا يا أخا
الكرم
وقد تهمت حليمًا بعد قتلته
فحلَّ من سيفك الفتاك في
عدم
بُشراي … … … …
… … … … … …
(يظهر الملك.)
الملك
:
… بُشراك يا نسل اللئام
بما
يرميك في شَرَك الأهوال
والندم
غادر
:
ويحي فقد حان حيني جئتُ
مُعترفًا
كيف الخلاص إذَن وا
زلة القدم
الملك
:
آه يا لئيم، اقبضوا على هذا الشيطان الرجيم.
غادر
:
ويلاه لقد زلَّ اللسان، ووقعت في الخسران.
الملك
:
خُسرًا لك أيها الشيطان؛ كيف احتميت في حمى النفاق،
وتستَّرت في حجاب الفُسَّاق؟ وألبستَ عليَّ الأمر،
وأوقعتني بعدها في الوِزر، بعدما قتلتَ ولدي، وأحرقتَ عليه
كبدي؟
غادر
:
ارحمني يا ملك الزمان.
الملك
:
كيف أرحمك يا مُهان؛ بعد قتل الحبيب وحليم؛ اسحبوا هذا
المجرم الأثيم، وكبِّلوه بالقيود والأغلال، فقد وقع في
النَّكال.
(يُكتِّف الجند غادرًا، ويأخذونه إلى السجن.)
الملك
:
قد ظهر الحق يا منتقم، ولكن آه قلبي يضطرم، أوَّاه ما
هذه النيران، ماذا أرى في هذا المكان؟
السياف
:
سلامتك يا ملك الزمان.
الملك
:
دعني يا منتقم دعني، ما هذه الحال؟ وا مصيبتاه لست
بقتَّال، حليم حليم أنا ما قتلتك يا بُنيَّ، ما هذا الضلال
والغي؟ سامحني أيها البري، أوَّاه قد ضاعت فِكَري، تمتَّع
يا حليم بالنعيم المقيم، وأنا في العذاب الأليم، انظر يا
مُنتقم خيال حليم، ارحمني يا رحيم.
السياف
:
يا ربي ما هذه الأحوال؟
الملك
:
ارجع أيها الخيال، واعفُ عني، وسامحني، قاتلُك غادر،
نجِّني يا قادر، ما هذا الهاجم؟ إني لستُ بظالم، ما هذا
السيف المسلول؟
السياف
:
هذه درجة الذهول؛ مولاي ما هذا الجزع؟
الملك
:
آه يا منتقم فؤادي انصدع، مِن الذي ارتكبتُه بقتل حليم
البري، وها خياله مُقبل ليمحو أثري، يا سلام!
السياف
:
دع يا مولاي هذه الأوهام، وابشر بحياة الأمير
حليم.
الملك
:
منتقم ماذا تقول؟ أصدق هذا الكلام؟
السياف
:
أي وحياتك يا ملك الأنام؛ إنه في قيد الحياة، آمن من
الكرب وعناه.
الملك
:
الآن ذهبت أتراحي، وحصلت على انشراحي، وأين هو الآن أيها
الأنور؟
السياف
:
هو عند عبدك مع أبيه الوزير إسكندر؛ الذي سلبتَ منه
نعمتَك، وأنزلتَ عليه غضبك ونقمتَك.
الملك
:
نعم، حصل منِّي ذلك، وسأجزيك على أفعالك، فاذهب وأحضرهما
الآن، لنُذهب عنهما الأحزان.
(يذهب السياف.)
ومن يضع الكرامة في
لئيم
تراه قد أساء إلى
الكرامة
وقد ذهبت صنيعته
ضياعًا
وكان جزاء فاعلها
الندامة
المنظر الثالث
(الملك، السياف، الوزير، حليم، جند، غادر)
الجميع
(لحن)
:
ظهر الحق وبان
أيها
المولى الكريم
وتلظَّى بالهوان
غادر
النذل الذميم
الملك
(لوزيره)
:
قد ظهر الحق أيها الوزير، ووقع في الشَّرَك غادر
الختير.
الوزير
:
الحمد لله الذي ألبس ولدي ثوب البراءة، وأعاد على غادر
عاقبة ما فعل من الغدر والجراءة.
الملك
:
حيث اتَّضحت براءة ولدك بعدما أمرنا عليه بالقتل،
وتأكَّدنا صدقك بعد أن أذقناك علقم العَزْل، قد صدر أمرنا
بتقليدكَ مَسند الوزارة؛ لتدوم بعواطف مكارمنا الكريمة،
وأنعمتُ على ولدك بزواج ابنتي بديعة؛ لتُذهب بالسرور
أتعابه المُريعة.
الجميع
(لحن)
:
أشرقت شمس التهاني
في
سماء الارتياح
وازدهى نجم
الأماني
بسرور
وانشراح
دُمت يا قان الوجود
في
ذُرى العلياء سامي
بصفاء وسُعود
في ابتداء
وختام
الملك
:
أحضروا غادر الخوَّان؛ لنُذيقه كأس الهوان.
إذا أنت أكرمتَ الكريم
ملكتَه
وإن أنت أكرمتَ اللئيم
تمرَّدا
فوضْع الندى في موضع السيف في
العلا
مُضرٌّ كوضْع السيف في
موضع الندى
(يدخل الجند ومعهم غادر مكبل بالقيود.)
غادر
:
أتيت مُعترفًا بالذنب يا
سندي
فاسمح فمثلك من يعفو عن
الجاني
أنت الحليم الذي تُرجى
مراحمه
انظر حليم أخاك المنظر
العاني
فاشفع له … … … …
… … …
… … …
حليم
:
… … يا إلهي نجِّه
كرمًا
من كربه فاعفُ عنه … …
غادر
:
… … … … … …
… … … …
ذاب جُسماني
حليم دمعي جرى كالسحب …
…
… … … … …
حليم
:
… … … … وا أسفي
… … …
… …
غادر
:
… … … … … …
ماذا
البكاء أخي عاملْ بإحسانِ
واسمحْ وسامحْ عُبَيْدًا جاء
معترفًا
مما جناه … …
…
حليم
:
… … … … …
… … طمى تيار
أحزاني
الملك
:
ما ذا الحال يا حليم، وكيف أعفو عن هذا الأثيم؛ بعدما
قتل ولدي المُصان، وأوقعك بعدها بالزور والبُهتان؟ أيُمكن
هذا أيها الوزير؟
حليم
:
حلمك يا مولاي الشهير؛ جرَّأني أن أطلب العفو عن غادر؛
ليصير مجبور الخاطر؛ حيث أعز الناس من يعفو إذا قدر، ويصفح
إذا انتصر، فعاملْ عبدك غادر الجاني، بما قاله أبو فراس
الحَمْداني:
يجني الخليل وأستجني
جنايته
حتى يدلَّ على عفو
وإحسان
يجني عليَّ وأحنو دائمًا
أبدًا
لا شيء أحسن من حانٍ
على جاني
غادر
(يركع)
:
مولاي.
حليم
:
لا تقنط يا غادر من المغفرة؛ فالعفو ثمرة
المعذرة.
ينيلك العفو على
قدرة
ويغفر الذنب على
علمه
من كان يأنف من أن
يرى
ذنب امرئ أعظم من
حلمه
غادر
(يبكي ويقول)
:
ما أذنبَ يا مولاي من اعتذر، ولا أساء من استغفر؛
فالأصاغر يهفون، والأكابر يعفون.
بك أستجير من
الردى
مُتعوِّذًا من سطو
بأسك
وحياة رأسك لا أعو
دُ
لمثلها وحياة رأسك
الملك
:
قد عفوت عنك يا غادر كرامةً لحليم، وأرجعتُك لما كنتَ
فيه من النعيم، فاحمد الواحد القهار، الذي أنقذك من
الدمار.
فيا رب هبني منك حلمًا
فإنني
أرى الحلم لم يندم عليه
حليم
غادر
:
الحمد للوهَّاب ذي
الإكرام
مبدي الوجود مُصرِّف
الأحكام
المُنعم البَرُّ الرحيم ومن
به
عُوفيتُ من ضعفي ومن
أسقامي
يا عين قري قد نجوت من
البلا
يا قلب قد نلت أهنا
مرام
وبلغت ما أملت من ملك
العُلا
بشفاعة النذل المهيج
ضِرامي
حسدًا وبُغضًا لا أحب
صيانة
فارجع بعفوك يا مليكًا
سامي
أنا قبل قتل حبيب ما
كافأتُه
وتهمته زُورًا وهذا
كلامي
ليموت قتلًا ثم أمرح
بعده
بالخير والإسعاد
والإنعام
والآن لا أرضى الحياة
بذلة
بل عزَّتي موتي وسحق
عظامي
من أين للجاني الشقيِّ
سعادة
أو أين للغدَّار حفظ
ذمام
اللؤم طبعي والضلال
سجيتي
والطبع تحت الروح في
الأجسام
قد زال عمري بالسرور
وبالعَنا
وسئمتُ من غدري ومن
إعدامي
أنا غادر أنا ماكر أنا
فاجر
أنا ناكر أنا حافر أنا
رامي
يا حاضرين تنبَّهوا
وتأمَّلوا
وتذكَّروا فِعْلي
مدى الأيام
ثم افهموا أن الأثيم
مُصابه
كمصائبي وختامه
كختامي
الملك
:
لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله!
الوزير
:
إلى حيث ألقت رَحْلَها أم
قشعم
مصيرك حقًّا في حضيض
جهنم
الجميع
(لحن)
:
غادر للخطأ قد تعمَّد
فمضى للعذاب المُؤبَّد
هكذا كل مَن تمرَّد
سائر للعذاب
المستديم
في لظى نار
الجحيم
فاحذروا الأشرار أهل
الفضل
وادعوا للسلطان مولى
الحمد
وفِّق يا رحمن يا نعم
المنَّان
وانصر يا ديَّان
مولانا السلطان
واحفظ بالإيناس مولانا
العباس
طاهر الأنفاس يا مولى
الأنام
آمان
احفظ يا كريم
وأدم عزه
المستديم
فالهنا لنا ونلنا
المُنى
ودُمنا في هنا بحُسن
الختام