طوبى للعصيان
(١) طوبى للعصيان
كان هناك سبع عنزات صغيرة، وكان يسمح لهن بأن يتطفلن على كل شيء، باستثناء صندوق الساعات، الذي حرمته عليهن الأم، حتى لا تفسده وتدمره.
كانت هناك ست عنزات مؤدبة، أرادت أن تتطفل على كل شيء، إلا على صندوق الساعات، الذي حرمته الأم عليهن، حتى لا تفسده وتدمره.
وكانت هناك عنزة عاصية، أرادت أن تتطفل على كل شيء، بما في ذلك صندوق الساعات، الذي أفسدته ودمرته كما خشيت الأم.
ثم جاء الذئب الشرير.
كانت هناك ست عنزات مؤدبة، اختفت عندما شعرت بأن الذئب قد جاء؛ تحت المائدة، وتحت السرير، وتحت الكرسي الكبير، ولم يختف أحد منها في صندوق الساعات، فافترس الذئب العنزات الست جميعًا.
كانت هناك عنزة غير مؤدبة، قفزت في صندوق الساعات، كانت تعلم أنه فارغ ومجوف، ولذلك لم يعثر عليها الذئب، فبقيت على قيد الحياة.
(٢) الحلَّاق المناسب
«إذا جاز لي على طريقة المتحذلقين، أن أحلق ذقني وخدي، فسأسمح لنفسي لليوم الأخير، بأن أستغل ذقني الطويلة، بذلك يرتعد من الرعب كل من يراها، وكل من يواجه غضبي الشديد.
هاللو، أنت يا صاحب الفندق، خذ حصاني بسرعة، وقدِّم له ما يحبه من العلف. هل لديكم هنا في المنطقة حلاق؟ إذن فادعُ الحلاق المناسب على الفور. لقد جبت الغابة من الشمال للجنوب، وقطعت هذه البلاد الملعونة بالطول والعرض، ومع ذلك لم أعثر أبدًا على الحلاق المناسب.
كان الحديد البارد المسنون يلمع فوق المائدة، وعلى مقربة من هذا الشيء الملعون، كان الرجل متجهم الوجه أسمر الشعر، يجلس على صهوة جواده، مرتديًا سترة قصيرة سوداء، تتدلى منها أهداب أشد سوادًا.
أحس الحلاق بالرعب الشديد، أراد أن يسن الموسى ويبدأ عمله، ثم نظر إلى الخنجر، وإلى الضيف الماثل أمامه، فتملَّكه الخوف والفزع، وأخذ يرتعش كورقة الخريف، وفجأة قرر أن ينفذ بجلده من الإعصار، واستأذن في أن يرسل صبيه بدلًا منه.
«مائة قطعة ذهبية أعرضها عليك إذا وجدتك تجيد صنعتك، لكن حذار أن تخدش جلدي، وإلا طعنتك بالخنجر حتى الموت.»
قال الصبي: «أعوذ بالله من الشيطان، ليس هذا من العادات المألوفة في بلادنا.» وجرى مسرعًا، وأرسل إليه صبيًّا أصغر.
«أأنت الحلاق المناسب، أيها (البُرْص) الصغير؟ هيا إذن إلى العمل، وابدأ في الحلاقة، هنا المال أمامك، وهنا الخنجر، ويمكنك أن تختار ما تشاء، لكن إذا جرحتني أو خدشت جلدي بخدش بسيط، فسوف أطعنك الطعنة الرحيمة القاضية، ولن تكون في ذلك الأول ولا الأخير.»
تفكَّر الصغير في العملات الذهبية، لم يتردد طويلًا وهتف بصوتٍ جسور: «اجلس الآن في هدوء، لا تتحرك، وليرعك الله ويبارك فيك.»
أخذ — بثبات ورباطة جأش — يغمر وجهه بالصابون، يشحذ في يده الموسى، ويقص الشعر، يحك الجلد، ويدهنه ويدعكه. «والآن، بحمد الله، نعيمًا عليك.»
«خذ، أيها القزم المضحك، نصيبك من المال، إنك شيطان حقيقي، لم يفكر أحد قبلك في الحصول على النقود، وأنت الوحيد الذي لم تعتره الشكوك، ولا أصابته الرعشة والارتجاف. ولو سالت مني قطرة دم واحدة، لما ترددت في طعنك بالخنجر.»
«سيدي الكريم، لم يكن الأمر كما تتصور، فقد كنت أمسك طول الوقت برقبتك، ولو كنت حركت وجهك حركة بسيطة، وارتبكت يدي لحظة واحدة في الحلاقة، لما تركت لك الوقت لتنفيذ ما تقول، فقد كنت مصممًا وعلى أتم استعداد أن أقطع رقبتك على الفور.»
«كذا، كذا، يا لها من دعابة ملعونة.»
ساءت حال السيد وشعر بالتعب والضيق، وشحب وجهه كوجوه الأموات، وراح جسده ينتفض ويرتعش بعد الأوان.
(٣) تاجر من أصفهان
فُرضت ضريبة جديدة، على التجار في مدينة أصفهان، لكن أحد التجار رأي بعد تفكير، أن الضريبة تجاوز قدرة حافظة نقوده بكثير.
أخذ يعد، ويحسب، ويقارن ويزن الأمور، ثم هبَّ من فوره وانطلق على الطريق، ليعلن شكواه للمحتسب الكبير، لعل الشيخ يستجيب لظُلَامة المستجير.
جاب الحارات الضيقة وشق طريقه وسط الزحام: سيدي، لن أسدد الضريبة الجديدة.
– إذن، فعليك أن تغادر هذه المدينة.
قالها المحتسب في تأنٍّ وهدوء.
– سيدي، أنا عاجز هنا عن سداد الضريبة، وإلى أين أذهب وليس لي في العالم مكان؟
– اذهب إلى شيراز أو حتى إلى كاشان، أو اذهب كما تشاء إلى أي مكان.
تجرأ التاجر وقال: في شيراز، يا سيدي، يعمل شقيقك الأصغر منك، وابن أختك يمسك بالدفة في كاشان، فأي شيءٍ يمكن أن أرجوه هنا أو هناك؟
– تستطيع أن تتوجه إلى البلاط، وهناك تشكو الظلم الواقع عليك.
– في البلاط يا سيدي يقبض على زمام السلطة شقيقك الأكبر وهو الوزير.
– اذهب إذن إلى الجحيم، وتوقَّف عن حمقك ووقاحتك.
رد عليه التاجر قائلًا: ربما وجدت هناك والدك رحمه الله، فما أصعب أن يفلت منك أي إنسان!
(٤) مرسال
رجع الدوق من مهرجان سباق الخيول، فرأى خادمه يمرق مسرعًا بجانبه: هالو، إلى أين تحملك رجلاك؟ تكلم يا خادمي وقل لي في أي اتجاهٍ تسير.
– إنني أتمشَّى يا سيدي وأروض أعضائي، وبالمرة أبحث لي عن مسكن أعيش فيه.
– مسكن؟ ما هذا الذي تقوله؟ تكلم بصراحة، ماذا حدث لمسكننا، للبيت الذي نعيش فيه؟
– لم يحدث شيء ذو بال، مجرد أن كلبك الأبيض الصغير، يرقد الآن مجروحًا بجرحٍ مميت.
– كلبي العزيز مجروح؟! مجروح حتى الموت؟! تكلَّم كيف جرى هذا لكلبي الحبيب؟
– أصاب الفزع حصانك فقفز فوقه، وبعدها جرى في اتجاه النهر فابتلعته الأمواج.
– حصاني الجميل! زينة حظيرة الخيول! وما الذي أفزع الحيوان المسكين؟
– إن لم تخني الذاكرة فقد داهمه الرعب الشديد، عندما رأى ابنك الصغير يسقط من النافذة.
– ابني؟ وهل جُرِح ابني العزيز؟ لا بد أن زوجتي الحلوة ترعاه الآن.
– الدوقة عاجلتها الضربة على الفور عندما رأت أمامها جثمان السيد الصغير.
– ولماذا مع كل هذه المصائب والأهوال لم تبقَ هناك، أيها الوغد، لتحرس البيت؟!
(٥) صبي الشيطان
ولما رجع الجندي من الحرب، وفي جسده سبعة ثقوب فداء لمليكه، لم يجد مأوًى في وطنه، فمضى ذاهبًا إلى الجحيم. هناك وجدوا له وظيفة، فكان عليه أن يقوم بتسخين القدور، كما كان عليه ألا يبخل بالفحم والوقود، وبذلك صار صبي الشيطان.
وعندما تقدم من القِدر الأول، وجد ضابطه السابق يطل برأسه: أنت يا رفيقي العزيز، ساعدني على الخروج من الجحيم.
– طبعًا لا، لن يحدث شيء من هذا، لكم عذبتني على الأرض وأهنتني، فابقَ إذن في أسفل الجحيم، وجبة سائغة للشيطان.
وعندما أقبل على القِدر الثانية، اكتشف أن فيها المارشال.
– آه يا رفيقي الطيب، ساعدني على الخروج من الجحيم.
– لا، لا. هذا شيء مستحيل. لقد طالما عذبتني على الأرض وأهنتني، فابقَ عندك في أعماق الجحيم، وجبة دسمة للشيطان.
ولما اقترب من القِدر الثالثة وجد مليكه يطل منها برأسه.
– أنت يا رفيقي العزيز، ساعدني على الخروج من الجحيم.
– لا، لا. لن يحدث هذا أبدًا، لقد عذبتني على الأرض وأهنتني، فابقَ في أسفل درجات الجحيم، وجبة لذيذة للشيطان. وإذا بقيتم جميعًا في الجحيم، فسوف تحيا الأرض في رخاء ونعيم، عندئذٍ يمكنني، أنا صبي الشيطان، أن أرجع أخيرًا إلى بيتي.
(٦) الطفل الذي سقط في البئر
كان الطفل الصغير — على عادة الأطفال — مشغولًا باللهو واللعب والمرح. لم ينتبه إلى البئر المفتوح القريب منه، فوجد نفسه فجأة يسقط فيه.
صحيح أنه عندما سقط لم يصب بسوء، لكن الطفل هو الطفل، ولا بد من أنه شعر بالفزع والبرد الشديد في ذلك الثقب الرطب الكئيب. المهم أن البئر كان قريبًا من البيت الذي يسكن فيه، ولم يكن عميقًا على كل حال، ولذلك استطاع أن ينادي من مخبئه بصوتٍ كله استعطاف ورجاء: أتوسل إليكم، ساعدوني على الخروج.
جاء الأب مسرعًا، وجاء معه أخوه، وحضر كذلك أقرب جار، بل إن رجال الإطفاء أقبلوا أيضًا، مع أنه لم يكن هناك نار ولا دخان. أخذوا ينظرون معًا إلى الطفل الصغير المحبوس في الأعماق، سألوه بصوتٍ واحد: ما الذي حدث وكيف وقعت فيه؟ تنهَّد الطفل وسأل: وكيف أخرج من هنا؟ هتف أبوه قائلًا: أنت يا ولدي العجيب لا مبدأ لك. أما أخوه فضرب بيده على صدره، وقال على وجه التقريب: كنت أعلم على الدوام أن أخي سيِّئ الطباع.
وقال الجار بصوتٍ لينٍ حنون: لقد قذف زجاج نافذتي مرة بحجرٍ صغير، أجل إنه ولد متوحش وشرير.
صاح الأب بصوتٍ عالٍ: اعترف يا ولد، لقد فعلتها وأنت عامد متعمد.
وأكمل أخوه بصوتٍ خفيض: والسر في ذلك أنه تعوَّد أن يسرق التفاح.
ومع أن فتحة البئر لم يكن يصعد منها نار ولا دخان، فإن رجال الإطفاء هددوا الطفل بالخرطوم الأسود الكبير.
نفد صبر الجميع ودمدموا بصوتٍ عالٍ وغليظ: اعترف بذنبك إذن، وإلا سلَّطنا عليك المياه، هتف الطفل الصغير: نعم، نعم، نعم. كان غطاء البئر مكشوفًا، ولذلك سقطت فيه. صحيح أنني أعترف بذنبي، لكن الآخرين أيضًا مذنبون.
ولا بد وأنه قال ذلك تحت تهديد الخرطوم.
المهم أنهم أخرجوه أخيرًا ووضعوا على البئر الغطاء.