صار الخبز يُباع بسعر غالٍ والدم واللحم بأرخص سعر
(١) وادي الآلام
تصفر ريح الليل خلال الفتحات، وفي غرفة بائسة على السطوح ترقد روحان مسكينتان يرتسم على وجهَيْهما النحول والشحوب.
تقول إحدى الروحَين المسكينتَين: «طوِّقني بذراعَيْك، اضغط شفتَيْك على شفتيَّ بشدة، أبغي أن أستدفئ بك.»
وتقول الروح الأخرى المسكينة: «حين أرى عينَيك، يذهب عني حزني، بؤسي، جوعي، كل تعاستي على الأرض.»
تبادلا قبلات كثيرة، وذرفا دموعًا أكثر، تعانقت أيديهما وهما يتنهَّدان ويتأوَّهان، ضحكا أحيانًا، بل انطلقا في الغناء، ثم أطبق عليهما الصمت في النهاية.
في الصباح جاء المفتش، ومعه جاء جرَّاح بارع، عايَنَ بنفسه الجثتين.
قال موضِّحًا رأيه: «الطقس القاسي مع جوع المعدة، هما السبب في موتهما، أو هما — على أقل تقدير — اللذان عجَّلا به.»
(٢) الشحاذ وكلبه
«كيف يُفرَض عليَّ أن أدفع رسوم كلبي ثلاث تاليرات؟ فَلْتخسف بي السماء إلى سابع أرض، ماذا يدور في عقول هؤلاء السادة في أقسام الشرطة؟ أليس لهذا العذاب من آخر؟
إنني رجل عجوز ومريض، غير قادر على كسب قرش واحد، لا مالَ عندي ولا خبز، ولا أعيش إلا على الجوع والضنك.
لمَّا مرضتُ ولمَّا حلَّ عليَّ الفقر، مَن ذا الذي رأف بحالي؟ ومَن الذي عادني أو سأل عني حين وجدتُ نفسي وحيدًا في دنيا الله؟
مَن ذا الذي أحبني عندما أصابتني الهموم والآلام؟ ومَن أدفأني حين ارتجفتُ من البرد؟ ومَن الذي واساني فجاع معي عندما جعتُ ولم يتقزَّز أو يمتعض من حالي؟
لقد تدهور بنا الحال نحن الاثنين، ولا بد يا كلبي أن نفترق كل في طريق. أنت مثلي عجوز ومريض، وعليَّ الآن أن أغرقك في النهر، وهذا هو جزاء الإحسان.
نعم هذا هو جزاء الإحسان، وهو أجرك ومكافأتك. مصيرك يشبه مصائر بعض أبناء الأرض. اللعنة، لقد شاركت في أكثر من حرب، لكنني لم أقم أبدًا بدور الجلاد.
هذا هو الحبل، وهذا هو الحجر، وهذا هو الماء، لا بد مما ليس منه بد. تعالَ هنا، يا عديم الأصل، ولا تتطلَّع إليَّ، لم يبقَ إلا ركلة واحدة، وينتهي كل شيء.»
عندما لف الحبل على رقبة الكلب، راح هذا يلعق يده ويهز ذيله. تراجَعَ على الفور ونزع الحبل من رقبته، ثم لفَّه بسرعة على عنقه.
أخذ يطلق اللعنات المرعبة المخيفة، ثم جمع طاقته وحشد آخِرَ قُواه، ورمى نفسه في التيار المتدفق الذي ارتفع سطحه، واهتز برنة ضعيفة، ثم التف حول نفسه في دائرة صغيرة قبل أن يغطيه بالصمت والسكون.
أخذ الكلب يقفز وينبح، ويستغيث بالمنقذين، ووصل صوت نباحه إلى البحَّارة، وأقلق راحتَهم، وراح يعدو وراءهم، ويشدُّهم من أطراف ثيابهم وهو يبكي وينوح، ولما استطاع البحَّارة أخيرًا أن يعثروا عليه، كان قد فارَقَ الحياة.
(٣) الساحرة الصغيرة
كان اسم الصغيرة هو «إلزا فات». تربَّتْ في بيتٍ من بيوت اليتامى، حيث كانوا يعتبرونها معوَّقة ومنافقة. والسبب في ذلك أنها لم تكن تنطق بكلمةٍ واحدة، وأنهم كانوا يرتابون في شأنها ارتيابًا شديدًا؛ إذ يأخذون عليها شبهةَ الضحك بصوتٍ شديد الخفوت بعد أن تستيقظ مبكرًا من نومها.
وبسبب تصرُّفاتها الغريبة سمَّوْها الساحرة الصغيرة. كانوا في كل مكان يعيبون سلوكها، ومع ذلك فلم يجسر أحد على ضربها؛ لأنها كانت قد وُلِدت عمياء. وقد اعتبروها طفلة وَقِحة؛ لأنها كانت تتضاحك بصوتٍ خفيض كلما أخذوها إلى النوم في فراشها.
(٤) الطفل الواقف أمام الجنة
وصل الطفل الصغير إلى باب الجنة، وكان حارسها القديس بطرس واقفًا أمامه. كان الطفل رقيقًا غاية في الرقة واللطف. وكان من الواضح عليه أنه بلا ذراع ولا ساق.
– «اسمح لي أيها الحارس العزيز بالدخول. فما أنا — علم الله — إلا خنزير صغير مسكين، وُلِدت هناك في هيروشيما، بعد مرور اثنتي عشرة سنة على وقوع الكارثة.»