صار العبد الخاضع سيِّد نفسه
(١) حكاية شجرة المانجو
شجرة المانجو عمرها آلاف السنين، آلاف القرود نامت على فروعها، آلاف الطيور بنَتْ فيها أعشاشَها. شجرةٌ عُمرها من عُمر الدولة العظمى.
شجرة المانجو تقف في مكانها منذ آلاف السنين، آلاف البشر استراحوا في ظلها، وفلَّاحون من حقول الأرز، ومسافرون مع القوافل، وجنود، أكثر من مائة جيل تمد عليهم شجرةُ المانجو ظلالَها.
لكن ذات يوم هبَّت عاصفة على شجرة المانجو. سقط أحد غصونها على الأرض وصار حَرْبة، ووقع أحدها في النار وتحوَّل إلى مشعل ملتهب، وانكسر غصن ثالث فصار مقبض بندقية.
(٢) أم ألمانية
جاءوا في يوم الجمعة، وأخذوا الشاب معهم. أمسك يدها بسرعة وقال لها: «لا تبكي.» لم تبكِ. شحب وجهها شحوبًا شديدًا من الرعب، شحوبًا شديدًا من الرعب. لم يكن لها سواه.
وقفت أمام النافذة حتى منتصف الليل، ثم جرَتْ إلى قسم الشرطة.
– «في السابعة أخذوه من البيت.»
– «هانز فيشر؟ شارع يعقوب رقم ستة؟ غير موجود هنا.»
أسرعت إلى رئاسة الشرطة.
– «هانز فيشر؟ لا لم يُسجَّل اسمه هنا.»
– «لَمْ يُسجَّل؟!» طالت وقفتها الخرساء. الوجه الشاحب البياض من الرعب. «وأين أسأل عنه؟»
ضحكوا عليها.
«هذه حكاية عجيبة. ربما في تمبلهوف، في بيت كولومبيا.»
مضت إلى هناك، قالت للحارس الواقف على الباب: «هانز فيشر، يا سيدي العزيز، هل أُفرِج عنه؟»
– «لا أعلم، هنا كثيرون مثله.»
أمسكت يده: «إنه ابني.»
– «اسألي إذن في قسم الشرطة.» وقفت شاحبةَ الوجه من الرعب. «سألتُ هناك بالفعل.»
قال الحارس: «امشي من فضلك.» رجعتْ إلى قسم الشرطة، كان الصبح قد أشرق. «آه، عمَّن تبحثين؟ هانز فيشر، شارع يعقوب، إنه هنا.»
جرَتِ الدموعُ على وجهها: «هل أستطيع أن أكلِّمه؟ ألن يُفرَج عنه قريبًا؟» قال الرجل الجالس أمام المائدة: «للأسف، لقد مات. كما أن منظره مؤلم.»
بقي فمها مفتوحًا. مع ذلك لم تخرج منه كلمة واحدة. ساقوها في حرص لتطلَّ من الباب. في الصبح البارد وقفت ذابلةً متيبِّسة، ثم سقطت كقطعة من الورق.
(٣) أغنية الفلاحين
الأرض كانت عبئًا علينا، والعمل كان بغيضًا مكروهًا. لأجل أي شيء؟ لماذا؟ ما الداعي؟ في سبيل مَن؟ في سبيل رفاهيةِ سادةٍ أغراب.
أعطينا آخِر ما لدينا، حتى في القبر تثقل الأرض علينا. لأجل أي شيء؟ لماذا؟ في سبيل مَن؟ ما الداعي؟
ثم هرب السادة في أثناء الليل، وبقي بيت السادة مهجورًا. لأجل أي شيء؟ في سبيل مَن؟ ما الداعي؟ لماذا؟
وُزِّعت الأرض توزيعًا عادلًا، صار كل عبد سيد نفسه. في سبيل مَن؟ ما الداعي؟ لماذا؟ لأجل أي شيء؟ ونحن مساء نقف أمام الأبواب.
الريح تسري عبر حقولنا، والأرض أصبحت محبَّبة إلينا. لماذا؟ في سبيل مَن؟ لأجل أي شيء؟ وما الداعي؟ نحن نقول الآن للأرض: «أنتِ أيتها الحبيبة.
أنت يا مَن لا تتركين لنا أبدًا فرصةً للراحة. هيا نحتفل في عيد الحصاد. لماذا؟ لأجل أي شيء؟ ما الداعي؟ لأجل مَن؟