الحرية وتناحر الأشقاء
إن انتهاء الحكم البريطاني للهند أمر يستحيل تصوره ببساطة في الوقت الحالي، وربما لفترة طويلة من الآن، والاستعاضة عنه بحكومة أو حكومات محلية حلم جامح إلى أقصى حد … فبمجرد أن يبحر آخر جندي بريطاني بعيدًا عن بومباي أو كراتشي، ستصير الهند ساحة قتال للقوى العِرْقية والدينية المتناحرة … والحضارة المسالمة التقدمية — التي أتت بها بريطانيا إلى الهند ببطء وثبات — ستذوى بين ليلة وضحاها.
لا يداخلني شك في أنَّه لو كانت الحكومات البريطانية مستعدةً لأن تمنح عام ١٩٠٠ ما رفضت أن تمنحه في ذلك العام ولكنها منحته عام ١٩٢٠، أو أن تمنح عام ١٩٢٠ ما رفضت أن تمنحه في ذلك العام ولكنها منحته عام ١٩٤٠، أو أن تمنح عام ١٩٤٠ ما رفضت أن تمنحه في ذلك العام ولكنها منحته عام ١٩٤٧؛ لأمكن تفادي تسع أعشار البؤس والكراهية والعنف والاعتقالات والإرهاب والقتل، والجلد بالسياط، وحوادث إطلاق النار، والاغتيالات، وحتى المذابح العرقية التي حدثت، ولربما تحقق انتقال السلطة سلميًّا، بل ربما تحقق دون تقسيم.
١
نالت الهند حريتها يوم ١٥ أغسطس عام ١٩٤٧، إلا أنَّ الهنود الوطنيين احتفلوا بأول «عيد استقلال» لهم قبل ذلك التاريخ بسبعة عشر عامًا؛ ففي الأسبوع الأول من يناير عام ١٩٣٠، أصدر المؤتمر الوطني الهندي قرارًا خصَّص بمقتضاه يوم الأحد الأخير من ذلك الشهر لخروج مظاهرات في جميع أنحاء البلاد دعمًا للاستقلال الكامل؛ فقد استُشعِر أنَّ مِن شأن ذلك أنْ يُزكي الطموحات الوطنية ويجبر البريطانيين أيضًا على النظر بجدية في مسألة التخلِّي عن السلطة. وقد أوضح المهاتما غاندي — في مقال بصحيفته «يانج إنديا» — كيفية الاحتفال بذلك اليوم فقال: «يُستحسن أن تعلن قرًى بأسرها الاستقلال، أو حتى مدن بأسرها … والأفضل أن تُعقَد الاجتماعات كلها في اللحظة ذاتها في الأماكن كافة.»
صدر القرار الذي اختصَّ يوم الأحد الأخير من شهر يناير ١٩٣٠ ليكون عيد الاستقلال في مدينة لاهور؛ حيث كان المؤتمر منعقدًا في جلسته السنوية. وهناك اختير جواهر لال نهرو رئيسًا للمؤتمر الوطني، تأكيدًا لنجمه الصاعد بسرعة داخل الحركة القومية الهندية. وُلِدَ نهرو عام ١٨٨٩ — بعد عشرين عامًا من ميلاد غاندي — وكان نتاج مدرسة هارو وجامعة كامبريدج، وصار تلميذًا مقرَّبًا للمهاتما غاندي. كان ذكيًّا فصيح اللسان، واسع المعرفة بالشئون الخارجية، ويحمل جاذبية خاصة للشباب.
وكل عام بعد عام ١٩٣٠، احتفل الهنود المنتمون إلى فكر المؤتمر الوطني بيوم ٢٦ يناير باعتباره عيد الاستقلال، إلا أن البريطانيين عندما رحلوا أخيرًا عن شبه القارة الهندية، اختاروا أن يُسلِّموا السلطة يوم ١٥ أغسطس عام ١٩٤٧. اختار نائب الملك في الهند اللورد ماونتباتن ذلك التاريخ لأنَّه يُمَثِّل الذكرى السنوية الثانية لاستسلام اليابان لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؛ إذ لم يرغب — هو والساسة الذين كانوا في انتظار تسلُّم مقاليد السلطة — في الانتظار حتى اليوم الذي كان البعض سيفضلونه؛ ٢٦ يناير ١٩٤٨.
إذن جاءت الحرية أخيرًا في يوم مرتبط بفخر للإمبراطورية، وليس المشاعر القومية. وفي نيودلهي — عاصمة الحكم البريطاني والهند الحرة — بدأت المراسم قبيل منتصف الليل؛ فعلى ما يبدو، كان المنجِّمون قد أعلنوا أن يوم ١٥ أغسطس يوم مشئوم؛ لذا تقرَّر بدء مراسم الاحتفال يوم ١٤ بعقد جلسة خاصة للجمعية التأسيسية، وهي هيئة تمثيلية من هنود عكفوا على وضع دستور جديد.
أُقيمت المراسم في القاعة ذات القبة العالية لما كان يومًا المجلس التشريعي للراج البريطاني. أُنيرَت القاعة بأضواء ساطعة وازدانت بالأعلام. بعض تلك الأعلام وُضِع في إطارات صور كانت تحوي بورتريهات نواب الملك البريطانيين في الهند حتى أسبوع مضى. بدأت الفعاليات الساعة ١١ مساءً بترديد النشيد الوطني «فاندي ماتارام» (أيتها الأم، لك أنحني)، والوقوف دقيقتين حدادًا على أرواح من «فارقوا الحياة أثناء المعركة من أجل الحرية في الهند وسائر الأنحاء» وانتهت المراسم بتقديم العلم الوطني من قِبل نساء الهند.
ساد الهرج والمرج، فراح الهندوس والمسلمون والسيخ يحتفلون معًا في بهجة … وكان المكان أشبه بميدان التايمز ليلة رأس السنة. كانت الحشود تريد نهرو دون غيره؛ فحتى قبل الموعد المنتظر لظهوره، اخترقت حشود مندفعة من آلاف البشر صفوف الشرطة وتدفقت في اتجاه أبواب مبنى المجلس. في النهاية، أُغلِقت الأبواب الثقيلة منعًا لدخول أمواج البشر الساعية — على الأرجح — للحصول على تذكارات معه. أما نهرو — الذي لاحت أمارات السعادة على وجهه — فهرب من مخرج آخر، وبعد برهة خرج بقيتنا.
لا يكتمل حدث على أي قدر من الأهمية في الهند دون وقوع خطأ. وفي تلك الحالة، كان الخطأ طفيفًا نسبيًّا؛ فعندما ذهب جواهر لال نهرو — بعد جلسة منتصف الليل في مقر الجمعية التأسيسية — لتسليم قائمة أعضاء مجلس الوزراء إلى الحاكم العام، سلَّمه مظروفًا فارغًا، إلا أنه عندما حان وقت مراسم حَلف اليمين كان قد أمكن العثور على الورقة المفقودة. إلى جانب رئيس الوزراء نهرو، تضمنتْ تلك الورقة أسماء ثلاثة عشر وزيرًا آخر، منهم رجلا الحركة القومية العتيدين: فالابهاي باتيل ومولانا أبو الكلام آزاد، إضافة إلى أربعة أعضاء أصغر سنًّا في حزب المؤتمر الوطني.
كان أول مجلس وزراء في الهند الحرة موحِّدًا من نواحٍ أخرى غير النواحي السياسية؛ فقد أتى أعضاؤه من خمس طوائف دينية (إضافةً إلى اثنين من الملحدين)، ومن جميع أنحاء الهند. وتضمَّن المجلس امرأة — راج كوماري أمريت كاور — فضلًا عن اثنين من المَنْبوذين.
في يوم ١٥ أغسطس، كان البند الأول على جدول الأعمال هو حلف الحاكم العام اللورد ماونتباتن — الذي كان آخر نائب للملك في الهند حتى الليلة السابقة — اليمين. وكان البرنامج المقرر لليوم كالتالي:
٨:٣٠ص | حلف الحاكم العام والوزراء اليمين في مقر الحكومة |
٩:٤٠ص | توجُّه موكب الوزراء إلى مقر الجمعية التأسيسية |
٩:٥٠ص | توجُّه الموكب الرسمي إلى مقر الجمعية التأسيسية |
٩:٥٥ص | تأدية التحية الملكية للحاكم العام |
١٠:٣٠ص | رفع العلم الوطني في مقر الجمعية التأسيسية |
١٠:٣٥ص | توجُّه الموكب الرسمي إلى مقر الحكومة |
٦:٠٠م | مراسم رفع العلم على بوابة الهند |
٧:٠٠م | إيضاء الزينات |
٧:٤٥م | إطلاق الألعاب النارية |
٨:٤٥م | عشاء رسمي في مقر الحكومة |
١٠:١٥م | حفل استقبال في مقر الحكومة |
وقد بدا أن الهنود مولعون بالأبهة والمراسم تمامًا مثل الحكام المغادرين؛ ففي جميع أنحاء دلهي — وفي مناطق أخرى من الهند — احتفلت الدولة والمواطنون، على حد سواء، بالاستقلال؛ حيث ذُكِر أنَّ مراسم رفع العلم تمَّت ثلاثمائة مرة في العاصمة وحدها. وفي المركز التجاري للبلاد — بومباي — أقام عمدة المدينة وليمة في فندق تاج محل الفخم. وفي أحد المعابد بمدينة باناراس المقدسة لدى الهندوس، من الجدير بالذكر أنَّ مسلمًا رفع العلم الوطني. وفي مدينة شيلُّونج الجبلية شمال شرقي البلاد، رأس الحاكم مراسم رفع أربعة أطفال للعلم — فتًى وفتاة هندوسيين، وفتى وفتاة مسلمَيْن — إذ إنه «من الناحية الرمزية حريٌّ بشباب الهند أن يرفعوا علم الهند الجديدة إذ تخرج إلى الوجود».
في الاحتفال بعيد الاستقلال الأول — الوهمي، إن جاز التعبير — يوم ٢٦ يناير من عام ١٩٣٠، كانت الحشود «جادَّة ومنظمة» (حسبما أشار نهرو)، ولكن عام ١٩٤٧، عندما جاء يوم الاستقلال الحقيقي، كانت المشاعر الظاهرة أكثر بدائية. ونستشهد هنا بقول أحد المراقبين الأجانب؛ إذ قال إنه في كل مكان «في مدينة بعد أخرى، فجَّرت الجماهير المشتعلة بالحيوية مشاعر الإحباط التي كانت تعتمل داخلها لسنوات طوال في حالة من النشوة الجماعية المشحونة بالمشاعر، فانسابت فورات المرح الغوغائية من أحياء المصانع إلى المناطق الساحلية المترفة وارتدَّت عائدة … وتفشَّت عدوى الاحتفالات المبتهجة متناسيةً عقود السخط والضغائن ضد المستعمرين البريطانيين».
وكانت الأحداث التي جرت في أكثر مدن الهند ازدحامًا بالسكان — كلكتا — نموذجًا دالًّا على المزاج السائد؛ فطوال الأعوام القليلة السابقة كانت تلك المدينة تعاني نقصًا في الأقمشة، تحوَّل آنذاك بمعجزة إلى «فيض من الأعلام كست المنازل والبنايات … والسيارات والدراجات، وفي أيدي الأطفال والرضَّع». وفي الوقت ذاته، كان ثمة حاكم هنديٌّ جديد يحلف اليمين في مقر الحكومة. أما مَن لم يَرُق له المنظر فكان السكرتير الخاص للحاكم البريطاني المغادر؛ فقد قال متبرِّمًا إنَّ «سمة التنافر العامة التي شابت التجمع من حيث الملبس انتقصت من وقاره إلى حدٍّ بعيد». فلم يكن ثمة سترات عشاء ورابطات عنق في مرمى البصر، لا شيء سوى الإزارات وقبعات غاندي البيضاء. وإذ «امتلأت قاعة الحكم بأشخاص غير مخوَّلين بالتواجد فيها»، كانت المراسم «نذيرًا بما سوف يحدث» بعد رحيل البريطانيين عن الهند. وقد بلغت الأمور الحضيض عندما وُضِعت قبعة بيضاء من قبعات غاندي على رأس حاكم البنغال المغادر — السير فريدريك بوروز — بينما كان في سبيله إلى مغادرة القاعة.
٢
كان مزاج غاندي متعكِّرًا للغاية؛ فعندما طلب منه مراسل صحفي من الصحيفة الرائدة لدى الحركة القومية — «هندوستان تايمز» — توجيه رسالة بمناسبة الاستقلال، أجابه غاندي بأنه «قد فرغت جعبته» وطلبت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) من سكرتيره أن يساعدها في تسجيل رسالة من الرجل الوحيد الذي رأى العالم أنه يُمَثِّل الهند بحق، فأخبرهم غاندي أن يتحدثوا إلى جواهر لال نهرو عوضًا عنه. لم تقتنع البي بي سي وأرسلت مبعوثها مجددًا، مضيفًا — على سبيل الحافز — أن تلك الرسالة سوف تُترجَم إلى لغات عديدة وتُذاع في جميع أنحاء العالم، فلم يتأثر غاندي وقال: «اطلب إليهم أن ينسوا معرفتي باللغة الإنجليزية.»
خصَّ غاندي يوم ١٥ أغسطس بالصيام أربعًا وعشرين ساعة؛ فقد جاءت الحرية التي لطالما حارب من أجلها بثمن غير مقبول؛ إذ استتبع الاستقلال تقسيمًا أيضًا. وشَهِدَت الشهور الاثنا عشر السابقة له شغبًا يكاد يكون متواصلًا بين الهندوس والمسلمين. بدأ العنف يوم ١٦ أغسطس ١٩٤٦ في كلكتا وامتدَّ إلى الريف البنغالي، ومن هناك انتقل إلى بيهار، ثم إلى المقاطعات الاتحادية، وأخيرًا إلى مقاطعة البنجاب؛ حيث تخطَّى نطاق العنف ومدى القتل حتى الفظائع التي سبقته.
في بداية الأمر، كان من أشعل فتيل العنف الذي ساد شهري أغسطس وسبتمبر لعام ١٩٤٦ «العصبة الإسلامية»؛ الحزب الذي غذَّى الحركة الداعية إلى إقامة دولة باكستانية منفصلة. تزعَّم تلك العصبة محمد علي جناح، الذي كان رجلًا صارمًا متحفِّظًا وإن كان بارعًا في التخطيط السياسي؛ فعلى غرار نهرو وغاندي، كان محاميًا تلقَّى تعليمه في إنجلترا، ومِثْلهما كان يومًا عضوًا في المؤتمر الوطني الهندي، ولكنه ترك الحزب لشعوره أنه كان تحت قيادة الهندوس ويعمل لصالحهم؛ فقد رأى جناح أنَّ الحزب — على الرغم من تصريحاته القومية — لم يعبِّر في الواقع عن مصالح أكبر أقلية في الهند: المسلمين.
لم يقف غاندي مكتوف اليدين أمام ذلك العنف؛ فعندما وردت أولى التقارير من ريف البنغال، نحَّى كل شيء جانبًا واتجه إلى تلك البقعة، وسار ذلك الرجل الذي كان يبلغ من العمر سبعة وسبعين عامًا على أرض وعرة مجتازًا الطين والحجارة؛ ليواسي الهندوس الذين لاقوا الأمرَّين من أحداث ذلك الشغب. وخلال جولة مدتها سبعة أسابيع قطع ١١٦ ميلًا سيرًا على الأقدام — أكثرها حافي القدمين — مخاطبًا قرابة ١٠٠ مجلس في القرى. وفيما بعد زار بيهار؛ حيث كان المسلمون هم أصحاب المصاب الأكبر، ثم ذهب إلى دلهي؛ حيث بدأ اللاجئون من البنجاب يتوافدون، من الهندوس والسيخ الذين خَسِرَوا كل شيء في المجازر التي وقعت. كانت تملؤهم مشاعر انتقامية، سعى غاندي إلى احتوائها؛ إذ خشي أن تسفر عن عنف انتقامي ضد المسلمين الذين اختاروا البقاء في الهند.
وقبل أسبوعين على اليوم المحدد للاستقلال، غادر المهاتما دلهي. قضى أربعة أيام في كشمير ثم استقلَّ القطار إلى كلكتا؛ حيث لم تكن نيران الشغب قد خبت بعد مرور عام على اشتعالها. وعصر يوم ١٣ أغسطس، استقرَّ في منطقة بيليجاتا ذات الأغلبية المسلمة، في «بناية آيلة للسقوط مفتوحة من كل جانب للجماهير»؛ ليرى إن كان «بإمكانه المساهمة في رد مدينة كلكتا الرئيسية إلى صوابها».
ويبدو أن التقارير الواردة عن ذلك التآلف العفوي قد رفعت معنويات غاندي بعض الشيء، فقرر أن يلقي بيانًا ذاك اليوم، لا عبر إذاعة بي بي سي، وإنما عبر وسيلة الاتصال الأثيرة لديه، وهي: مجلس الصلاة. حضر حشد — يبلغ عدده ١٠ آلاف شخص، وفقًا لأحد التقارير، و٣٠ ألف شخص، وفقًا لتقرير آخر — ليستمع إلى حديثه في ساحة راش باجان ميدان في بيليجاتا. قال غاندي إنه يأمل أن تكون مظاهر الأخوَّة بين الهندوس والمسلمين ذلك اليوم «نابعة من القلب وليست وليدة اللحظة»؛ فكلا الطائفتين تجرَّعتا «سم القلاقل». والآن وقد تصالحتا، قد يبدو مذاق «رحيق الودِّ» أكثر حلاوة، ومَن يدري، لعل ذلك يسفر عن أن كلكتا «تتحرر إلى الأبد من أي أثر لفيروس الطائفية!»
كان السلام الذي عمَّ كلكتا يوم ١٥ أغسطس مبعث راحة، وكذلك دهشة؛ فقد ساد المدينة جوٌّ من التوتر في الأسابيع السابقة على الاستقلال. وفقًا لحكم التقسيم، قُسِّمت البنغال، وصار الجناح الشرقي تابعًا لباكستان بينما بَقِيَ القسم الغربي في الهند. وبطبيعة الحال أصبحت كلكتا — المدينة الأولى في تلك المقاطعة — موضع خلاف؛ فقد اختارت لجنة الحدود منحها للهند؛ مما أشعل مخاوف من نشوب العنف ليلة الاستقلال.
وعلى الناحية المقابلة من شبه القارة الهندية، ثارت المتاعب في عاصمة البنجاب، لاهور. وعلى غرار كلكتا، كانت تلك المدينة متعددة الأديان والثقافات، وكان بها العديد من المباني البديعة، أروعها مسجد بادشاهي، الذي بناه أورنجزيب؛ آخر أباطرة المغول العظام، ولكن لاهور كانت أيضًا عاصمة إمبراطورية سيخية يومًا ما، وصارت بعدها مركز حركة إصلاح هندوسية تُدعى أريا ساماج. وفي ذلك الحين — كسائر المدن في مقاطعة البنجاب — بات مصيرها في أيدي البريطانيين، الذين كانوا سيقسِّمون المقاطعة، فأُعلِن عن تقسيم البنغال قبل يوم ١٥، ولكن الإعلان عن قرار تقسيم البنجاب كان قد تأجل إلى ما بعد ذلك التاريخ، فهل تُمنَح لاهور والمناطق المجاورة لها للهند أم باكستان؟
بدا الخيار الثاني أرجح، وكذلك أكثر منطقية؛ إذ كان المسلمون أكبر طائفة في تلك المدينة. وبالفعل كان حاكم جديد قد عُيِّنَ لمقاطعة البنجاب الغربية الباكستانية الجديدة، وانتقل إلى مقر الحكومة في لاهور. ومساء يوم ١٥ أغسطس، أقام حفلًا بمناسبة شغله ذلك المنصب.
«لم يبالِ أحد بالسؤال.» ربما لم يبال أحد في حفل الحاكم، إلا أن المهاتما غاندي في بيليجاتا أعرب عن قلقه إزاء «استمرار ذلك الجنون في لاهور»؛ فمتى وكيف كان له أن ينتهي؟ ربما كان يمكن للمرء أن يأمل أن «يؤثِّر نموذج كلكتا النبيل — إن كان حقيقيًّا — على البنجاب وسائر بقاع الهند».
٣
وقد كان ثمة أوجه تشابه ملحوظة بين البنغال والبنجاب، المقاطعتين الرئيسيتين في أحداث عامي ١٩٤٦ و١٩٤٧؛ فكلاهما تميَّز بأغلبية مسلمة؛ ومن ثم طالبت بهما باكستان، ولكن كليهما تضمن كذلك ملايين الهندوس. وما حدث كان أن قُسِّمت المقاطعتان؛ حيث آلت المناطق ذات الأغلبية المسلمة إلى باكستان الشرقية أو الغربية، بينما آلت المناطق التي غلبت عليها الطوائف الدينية الأخرى إلى الهند.
إلا أنه كان ثمة اختلافات جوهرية بين المقاطعتين المذكورتين أيضًا؛ فالبنغال كان لها تاريخ طويل من صراع كان داميًا في كثير من الأحيان بين الهندوس والمسلمين، يرجع إلى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر على أقل تقدير. وفي المقابل، تعايشت مختلف الطوائف في البنجاب في سلام إلى حد ما، فلم تنشأ صدامات ذات بال بشأن قضايا دينية قبل عام ١٩٤٧. وفي البنغال، سعت قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى الهندوسية إلى التقسيم بحماس، فقد كانوا على أتمِّ استعداد لهجر المناطق ذات الأغلبية المسلمة، والاستقرار في عاصمة المقاطعة أو في المناطق المحيطة بها. ولعقود من الزمان، أخذ أصحاب المهن من الهندوس ينزحون إلى الغرب، بصحبة ملاك الأراضي الذين باعوا أراضيهم واستثمروا عوائدها في عقارات أو تجارة في كلكتا. وعلى النقيض منهم، كان أكثر الجماعة السكانية الهندوسية الكبيرة في البنجاب من التجار والمُقرضين وثيقي الصلة بطوائف الفلاحين، فلم يكونوا مستعدين للانتقال إلى مكان آخر، وظلُّوا آملين حتى النهاية في تفادي التقسيم بصورة أو بأخرى.
يتمثل الاختلاف الأخير — والأكثر دلالة — في تواجد السيخ في البنجاب؛ وهم العنصر الثالث في الصراع. كان ذلك العنصر الثالث غائبًا في البنغال؛ حيث دارت المعركة بين الهندوس والمسلمين فحسب. وعلى غرار المسلمين، كان السيخ يؤمنون بكتاب واحد، وإله واحد لا صورة له، وكانوا جماعة عقائدية مترابطة، إلا أنه من الناحية الاجتماعية، كان السيخ أقرب إلى الهندوس؛ فقد نشأت بينهم علاقة تزاوج وتزاوُر، وعانوا مثلهم الاضطهاد على يد المغول.
فلو اضْطُرَّ السيخ للاختيار، لكانوا انحازوا إلى صفِّ الهندوس، ولكنهم لم يرغبوا مطلقًا في الاختيار؛ فقد كان ثمة جماعات كبيرة من المزارعين السيخ على جانبي المقاطعة. وفي مطلع القرن العشرين، طلب البريطانيون من السيخ المقيمين في البنجاب الشرقية أن يستوطنوا مناطق في الغرب، كانت قد زُوِّدت حديثًا بشبكات ريٍّ؛ ففي غضون بضعة قرون كان السيخ قد بنَوا مستوطنات مزدهرة في «مستعمرات القنوات» تلك، فلماذا يتركونها الآن؟ وكانت مدينتهم المقدسة — أمريتسار — في الشرق، ولكن نانكانا صاحب (مسقط رأس مؤسس ديانتهم) كانت في الغرب، فلِمَ لا تُتاح لهم حرية الوصول إلى المكانين؟
خلافًا لهندوس البنغال، تأخَّر سيخ البنجاب في استيعاب معنى التقسيم وحقيقته؛ فقد أصرُّوا بعِندٍ في البداية على البقاء في محلهم، ثم إنهم — إذ ارتفع احتمال التقسيم — طالبوا بإقامة دولة مستقلة لهم، كانوا سيُطلقون عليها «خالستان». لم يأخذ أحد ذلك المطلب على محمل الجد، لا الهندوس ولا المسلمون ولا البريطانيون قطعًا.
ظلَّت الأمطار عصِيَّة، وبلغت الحرارة ١٠٠ درجة (فهرنهايت) في الظل. كان في ذلك مشقَّة على المسلمين بصفة خاصة — الجنود منهم والمدنيين — إذ صاموا من الفجر إلى الغروب في شهر رمضان، الذي امتدَّ ذلك العام ما بين ١٩ يوليو و١٦ أغسطس. وقد سأل ريس سائقه المسلم عن سبب شحِّ الأمطار؛ فأجابه: «الله أيضًا غير راضٍ عنَّا.»
أُعلِن قرار التقسيم أخيرًا يوم ١٦ أغسطس، فأثار سخط المسلمين الذين كانوا يرون أن منطقة جورداسبور كان ينبغي أن تُخَصَّص لباكستان لا الهند، وكان السيخ أكثر غضبًا منهم؛ إذْ صارت مدينة نانكانا صاحب المحببة إليهم معزولة في دولة إسلامية. تصاعدت وتيرة الأعمال الوحشية على جانبي الحدود؛ ففي البنجاب الشرقية راحت عصابات مسلَّحة من السيخ تطوف أنحاء الريف وتفتِّش عن المسلمين وتذبحهم أينما وجدتهم؛ ففرَّ من استطاع منهم عبر الحدود إلى البنجاب الغربية، حتى يضيفوا إلى حلقة القصاص والانتقام. تدفَّق المسلمون من أمريتسار وما حولها إلى الملاذ الآمن (بالنسبة إليهم) المتمثل في لاهور. وإنَّ «قصص هؤلاء اللاجئين — النازعة إلى التعظيم والتهويل في المبالغة — تستند بالفعل إلى حقائق قاسية، ولديهم قدر وافر من الأطراف المبتورة وما إلى ذلك التي يمكنهم عرضها — ويعرضونها بالفعل — على إخوانهم المسلمين في لاهور وغربها».
طبقًا للأرقام التي ذكرها ريس نفسه، فإنَّ أعداد ضحايا أحداث البنجاب من المدنيين من مارس إلى نهاية يوليو تُقدَّر بنحو ٤٥٠٠ قتيل، و٢٥٠٠ مُصاب. لكن في شهر أغسطس وحده، بلغ عدد القتلى حسب التقارير الرسمية للقوات ١٥ ألف قتيل، وأقرَّ ريس بأنَّ الرقم الفعلي «كان — على الأرجح — ضِعف هذا الرقم أو ثلاثة أمثاله».
قطارًا خاليًا خاصًّا للاجئين يدخل محطة فيروزبور متأخرًا عصر يوم. كان السائق قد طار صوابه هلعًا؛ إذ كان الحارس مسجًّى على الأرض قتيلًا في عربته، بينما كان الوقَّاد مفقودًا. سرت على طول رصيف القطار، ووجدت عربات القطار كلها عدا عربتين ملطَّخةً بالدماء بأكملها، وكان ثمة ثلاث جثث راقدة وسط بركٍ من الدماء في إحدى عربات الدرجة الثالثة؛ فقد أوقفت مجموعة من المسلمين المسلحين القطار بين لاهور وفيروزبور وقامت بتلك المجزرة المكتملة الأركان في وَضَح النهار.
بدأ غاندي الصيام يوم ٢ سبتمبر، وبحلول اليوم التالي توافدت إليه عصابات الهندوس والمسلمين وسلَّموا أسلحتهم، وخرجت مسيرات مختلَطة داعية إلى الوِفاق الطائفي في أجزاء مختلفة من المدينة، وأكَّد وفد من الساسة البارزين — الممثلين لحزب المؤتمر الوطني والعصبة الإسلامية والمنظمة الهندوسية ذات النفوذ المحلي هندو ماهاسابها — لغاندي أنَّ الشغب سيتوقف. وحينها أنهى المهاتما صيامه، الذي دام ثلاثة أيام.
السلطات التي قصدها كانت حزب المؤتمر وحكومة الهند. أما الأشخاص فنهرو وغاندي، اللذان شعر اللاجئون المتعاطفون مع منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج بمشاعر عدائية قوية تجاههما، وكانت اجتماعات غاندي تتعطَّل بسبب لاجئين معترضين على تلاوة آيات من القرآن، أو آخرين هتفوا بشعارات تتساءل عن سبب عدم حديثه عن معاناة الهندوس والسيخ الذين ما زالوا يعيشون في باكستان. الحقيقة أنَّ غاندي — كما كتب تندولكار — «كان منشغلًا بالقدر ذاته بمعاناة الأقلية في باكستان، وودَّ لو أمكنه الذهاب لنجدتهم، ولكن كيف يتجرَّأ على الذهاب هناك الآن، في حين أنه لا يستطيع أن يكفل الإنصاف الكامل للمسلمين في دلهي؟»
مع استمرار الهجمات على المسلمين، قرَّر غاندي أن يلجأ إلى الصيام مجددًا؛ فبدأ صيامه يوم ١٣ يناير، موجِّهًا إياه إلى ثلاث جهات مختلفة: أول جهة كانت شعب الهند؛ فإليه أشار ببساطة أنه إذا كان لا يؤمن بنظرية الدولتين، فعليه أن يُثبِت في عاصمته المختارة — «المدينة الخالدة» دلهي — أنَّ الهندوس والمسلمين يمكن أن يتعايشوا في سلام وأُخوَّة. أما الجهة الثانية فكانت حكومة باكستان، فقد سألها: «إلى متى يمكنني أن أركن إلى صبر الهندوس والسيخ، على الرغم من صيامي؟ على باكستان أن تضع حدًّا لذلك الوضع» (أي، إخراج الأقليات من أرضهم).
وأخيرًا وجَّه غاندي صيامه إلى حكومة الهند؛ فقد احتجزت حصة باكستان من «تسوية الاسترليني» التي كانت بريطانيا تدين بها للدومنيونين؛ وهو دَين تحمَّلته مقابل إسهامات الهند إبَّان الحرب العالمية الثانية. كانت التسوية قدرها ٥٥٠ مليون روبية، وهو مبلغ لا بأس به؛ فرفضت نيودلهي الإفراج عن النقود؛ لأنها كانت غاضبة من باكستان إثر محاولتها الأخيرة الاستيلاء على ولاية كشمير. رأى غاندي أن ذلك تصرُّف كيدي لا داعِ له؛ لذا اشترط منح باكستان المال المُستحَق لها لإنهاء صومه.
قررت حكومة الهند ليلة ١٥ يناير أن تفرج عن الأموال المستحَقة لحكومة باكستان، وفي اليوم التالي وقَّع أكثر من ألف لاجئ إقرارًا مفاده أنهم سيرحبون برجوع المسلمين المهجَّرين من دلهي، ويسمحون لهم بالعودة إلى ديارهم، ولكنَّ غاندي كان يرغب في ضمانات أكثر موثوقية. في ذلك الوقت، راحت صحته تتدهور بسرعة، فبدأ يعاني فشلًا كُلَويًّا، وانخفض وزنه، وصار الغثيان والصداع ملازمين له. أصدر الأطباء تحذيرًا قائلين: «من واجبنا أن نخبر الناس أن يتخذوا خطوات فورية لاستيفاء الشروط اللازمة لإنهاء الصوم دون إبطاء.»
فهل ستتكرر «معجزة كلكتا» في دلهي؟ بدا أن قادة الجماعات المتشددة قد هدأت حِدَّتهم إثر صيام غاندي، إلا أن أتباعهم ظلوا عدائيين. في زيارات سابقة لدلهي، أقام غاندي في حي الكنَّاسين، إلا أنه نزل تلك المرة في دار أحد محبيه وهو المليونير جي دي بيرلا. وحتى أثناء صيامه، كانت جماعات من اللاجئين تمر من أمام منزل بيرلا هاتفة: «دعوا غاندي يموت.» ثم ألقى لاجئ من البنجاب يُدعى مادان لال قنبلة يوم ٢٠ يناير على غاندي داخل منزل بيرلا بينما كان يقود الناس في مجلس صلاة، فانفجرت القنبلة على مسافة قريبة منه، ولحسن الحظ لم يُصَب أحد بأذًى.
لم تنل محاولة قتل غاندي من عزيمته؛ إذ ظل يجتمع بالناس، واجتمع أيضًا مع اللاجئين الغاضبين. ويوم ٢٦ يناير تحدَّث أثناء مجلس الصلاة عن أنَّ ذلك اليوم كان يُحتَفَل به في الماضي كعيد الاستقلال، والآن أتت الحرية، ولكن الأشهر القليلة الأولى فيها جاءت مخيِّبة للآمال بشدة، إلا أنه كان يثق بأن «المرحلة الأسوأ قد ولَّت»، وأنَّ الهنود سيعملون معًا على تحقيق «المساواة بين الطبقات والعقائد كافة، لا لسيادة الأغلبية وتفوقها على الأقلية أبدًا، مهما كانت ضآلة الأقلية، سواء من حيث العدد أو النفوذ». وقد سمح لنفسه أيضًا بأن يأمل «أنه على الرغم من انقسام الهند جغرافيًّا وسياسيًّا إلى شطرين، فسنكون دائمًا في قلبنا أصدقاء وإخوة يساعد أحدنا الآخر ويحترمه، ونبقى متحدين أمام العالم الخارجي».
٤
جلب موته فيضانًا جارفًا من الأسى؛ فأشاد بذكراه ألبرت أينشتاين — الذي طالما اعتبره أعظم شخصية في القرن العشرين — بكلمات تهز المشاعر، وكذلك أشاد بذكراه جورج أورويل — الذي كان يعتبر غاندي دجالًا يومًا، ولكنه بات يراه قديسًا. وصدر عن جورج برنارد شو ردُّ فعلٍ أرعن خليق به؛ إذ قال: «هذا دليل على مدى خطورة أن يكون المرء صالحًا»، وآخر دنيء من محمد علي جناح خليق به؛ إذ قال إن وفاة خصمه القديم خسارة بالنسبة إلى «المجتمع الهندوسي» فحسب.
إلا أن أهم ردَّيْ فعل معلَنَيْن صدرا عن أبرز — بل أقوى — تابعين لغاندي، وهما: فالابهاي باتيل وجواهر لال نهرو؛ فباتيل الذي كان آنذاك وزير داخلية الحكومة الهندية، كان جوجاراتي كغاندي وانضم إلى صفه منذ عام ١٩١٨، وكان منظِّمًا وواضع استراتيجيات ممتاز، واضطلع بدور رئيسي في جعل المؤتمر الوطني حزبًا قوميًّا. وفي مجلس الوزراء الهندي، كان هو الرجل الثاني مباشرةً بعد رئيس الوزراء جواهر لال نهرو. كان نهرو قد انضمَّ لغاندي بعد باتيل بعامين، وكان يستطيع محادثته بلغتين فقط من لغاته الثلاث (الهندية والإنجليزية)، إلا أنه جمعته به رابطة عاطفية عميقة، ومِثل باتيل كان يطلق على غاندي عادةً «بابو»؛ أي، «أبي»، ولكنه كان الابن الأثير من عدة نواحٍ (أعزَّ بكثير من أبناء المهاتما الفعليين الأربعة)، وكان أيضًا وريثه السياسي المختار.
دعا نهرو وباتيل، على حد سواء، إلى الوحدة والتسامح، ولكن الرجلين في واقع الأمر كانا قد دخلا في خلاف مرير في الآونة الأخيرة؛ ففي الأسبوعين الأخيرين من ديسمبر كان نهرو قد خطَّط لزيارة بلدة أجمير التي ثار فيها الشغب، وفي اللحظة الأخيرة ألغى رحلته وأرسل سكرتيره الخاص عوضًا عنه، فشعر باتيل بإهانة بالغة؛ إذ قد شعر أنه بما أن وزارة الداخلية أرسلت فريق تحقيق خاص إلى أجمير، فقد دلَّت رحلة مرءوس رئيس الوزراء على عدم ثقته في وزارة الداخلية. أوضح نهرو أنه اضْطُرَّ إلى إلغاء زيارته نظرًا لحدوث حالة وفاة في العائلة؛ ولذا أرسل سكرتيره حتى لا يخيب أمل من توقَّعوا مجيئه بالأساس، ولكنه على أي حال، كان يحق له بصفته رئيس الحكومة أن يذهب أينما شاء وقتما شاء، أو أن يرسل أحدًا آخر ينوب عنه، فردَّ باتيل قائلًا إنه في النظام البرلماني لا يعدو رئيس الوزراء أن يكون الأول بين أنداد؛ فهو ليس أعلى من زملائه الوزراء ولا يسيطر عليهم.
ازداد الجدل احتدامًا يومًا بعد يوم، وفي إحدى اللحظات عرض الرجلان أن يقدما استقالتهما، ثم اتُّفِق على أن يعرضا وجهتيْ نظرهما أمام غاندي. قبل أن يتسنَّى تحديد موعد مناسب بدأ المهاتما صيامه الأخير. وفي الأسبوع التالي كان باتيل مسافرًا خارج دلهي، ولكن المسألة كانت ملِحَّة على فكره، كما كانت ملِحَّة على فكر نهرو. وبالفعل، التقى غاندي باتيل يوم ٣٠ يناير قبيل مجلس الصلاة المصيري ذاك، وطلب أن يسوِّيَا خلافاتهما هو ونهرو، وقال أيضًا إنه يود الاجتماع بهما في اليوم التالي.
لم يفلح غاندي في التوفيق بين الهندوس والمسلمين في حياته، ولكنه وفَّق — بسبب مماته — بين جواهر لال نهرو وفالابهاي باتيل. كان ذلك صلحًا ذا أهمية كبيرة بالنسبة إلى الدولة الجديدة الفائقة الهشاشة.