حادثٌ … في مستشفى الملكة!
عندما وصل «أحمد» إلى مقرِّ الشياطين في لندن يتبعه «بو عمير» في سيارته، كانت «إلهام» تقف خلف النافذة في انتظار عودتهما.
دخل «أحمد» وقد ارتسمَت على وجهه ابتسامة، أما «بو عمير» فجلس صامتًا، وحكى «أحمد» ما حدث منذ بداية المطاردة، حتى نقل الفتاة إلى مستشفى الملكة «إليزابيث» وهي في حالة إغماء.
وبدأَت مناقشةٌ حادةٌ حول ما حدث، وقالت «إلهام»: ولكن ما سبب مطاردة فتاةٍ لك في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟!
ردَّ «أحمد»: لا أعلم! وحتى بعد تفتيش سيارتها، لم أجد معها أيَّ نوعٍ من أنواع الأسلحة، أو حتى أجهزة الإرسال. كذلك أعتقد أن أسلوبها في المطاردة بدائيٌّ جدًّا، ولا يتبعه أحدٌ من المحترفين؛ فقد كان من الممكن كشفها من البداية … وعادةً يستخدم المحترفون سيارتَين في حالة مطاردة شخصٍ ما … سيارة تتبعه وتختفي، وتحلُّ الأخرى محلها وهكذا.
سألَت «زبيدة»: ما بك يا «بو عمير»؟! … فمنذ عودتك لم تتكلَّم، بل ويبدو عليك شرود الذهن!
بو عمير: السبب أني أُركِّز تفكيري جدًّا … فأنا واثق أن ملامح هذه الفتاة ليست غريبةً عني!
أحمد: الشيء الغريب، أنني أعتقد أيضًا أنني قد رأيتها من قبلُ!
زبيدة: شيءٌ مدهشٌ … لا بد من التذكُّر.
بو عمير: هذا ما أُحاوله دون جدوى.
تدخَّل «أحمد» في الحديث قائلًا: على كل حال في الصباح الباكر، ستذهب أنت و«زبيدة» إلى المستشفى، وربما عندما تراها جيدًا تتذكَّرها!
ابتسم «بو عمير»، وقالت «إلهام»: هل تناولتما طعام العشاء؟
ردَّ «أحمد»: ليس بعدُ.
فقامت «إلهام» و«زبيدة» إلى المطبخ لتجهيز الطعام، بينما جلس الشياطين الثلاثة في الصالة، في حديثٍ متصلٍ لإيجاد تبريرٍ لمطاردة الفتاة ﻟ «أحمد».
سأل «أحمد» «قيس»: هل تحرَّيتم عن رقم السيارة المرسيدس؟
ردَّ قيس: نعم!
ثم ذهب ليُحضِر ورقة الكمبيوتر. قرأ «أحمد» الورقة ونظر إلى «بو عمير» وأعطاها له، وبرقَت عينا «بو عمير» ونظر ﻟ «أحمد» نظرةً فيها أكثر من معنًى، وقال بصوتٍ عالٍ: تذكَّرتُها! تذكَّرتُ الفتاة، إنها «فريدة» ابنة العالِم «فريد عبد الله». كنتُ سأُجنُّ لو لم أتذكَّرها؛ فقد قابلتُها مرةً في مكتب أبيها في «واشنطن» في الصيف الماضي … ولم نتحدث طويلًا … لكنها حدثتني عن أبيها، وعن دراستها لعلم البكتيريا في جامعة في إنجلترا … ولكن، ما الذي يدعو فتاةً مثل «فريدة» لمتابعتي، وأنا أعتقد أنها فتاةٌ هادئة، وأعتقد أنه ليس لها اتصالاتٌ مشبوهة، ولم يُعرف عنها أنها منضمة إلى عصابة أو أي شيء من هذا القبيل.
قطع الحديثَ دخولُ «إلهام» و«زبيدة» بالعشاء، وكان «أحمد» أول من أمسك بساندويتش وبدأ يأكل وهو ينظر ﻟ «بو عمير»، ثم بدأ باقي الأصدقاء في تناول الطعام.
وبعد دقائق، جاء صوت جهاز الإرسال الموجود في الحجرة الداخلية للمقرِّ، يُصدِر صفيره الحادَّ المتقطع، مُعلنًا وصول رسالةٍ للأصدقاء من رقم «صفر». فتوجه الشياطين إلى غرفة الاتصال، وبدأ «أحمد» يتلقى رسالة رقم «صفر» التي كانت تقول: تحية إلى الشياطين … هناك أخبار أظنُّ أنها سوف تقطع عليكم هدوء إجازتكم في «لندن»، هناك رجلٌ تعرفونه وبالأخص «أحمد» و«بو عمير» يُدعى «فريد عبد الله» وهو الرجل الذي تعاقدنا معه في الصيف الماضي لشراء بعض الأسلحة الكيماوية الخاصة للشياطين. هذا الرجل اختفى منذ أسبوع من عمله، ومن مسكنه، وحتى من كلِّ الأماكن التي كان يتردَّد عليها. إن مصادري الخاصة في «واشنطن» تؤكِّد أنه لا يزال على قيد الحياة، ولكنه إما مختطف، أو هاربٌ … وتؤكد معلومات عملائنا، بأنه حاول الاتصال بهم قبل أن يختفي. وسوف تصلني أخبارٌ أخرى غدًا مساءً. وأعتقد أنه من الأفضل أن تسافروا فورًا إلى «واشنطن»، وسوف أتابعكم بالمعلومات الجديدة هناك، لمعرفة ما إذا كان «فريد» هاربًا أو مختطفًا … فهو كما تعلمون على علاقةٍ طيبة بنا، وهو من العلماء العرب الذين نفخر بهم جميعًا … إلى اللقاء في «واشنطن» لمتابعة خطة العمل هناك.
انطفأَت اللمبة الحمراء، مُعلنةً انتهاء رسالة رقم «صفر»، التي كان أثرها على الشياطين قويًّا، بعد أحداث المطاردة الليلية، وفتاة المرسيدس الحمراء.
قال «بو عمير»: مؤكَّد أن هناك علاقةً بين اختفاء «فريد عبد الله»، ومطاردة «فريدة» لك في الليل!
قال «أحمد»: وهل كانت لديها معلوماتٌ من أبيها تريد أن تدُلَّنا عليها؟ أو ربما كانت تعرف الجهة المسئولة عن اختفاء والدها، وعندما رأتني وتذكَّرتني، حاولَت أن تتبعني وتتصل بي لتعرض عليَّ الأمر!
قالت «إلهام»: على كلِّ حالٍ، الساعة الآن قد تجاوزَت الواحدة صباحًا، ولم يعُد هناك إلا ساعاتٌ قلائل على طلوع النهار. وغدًا في المستشفى، سوف نعلم كل شيءٍ منها شخصيًّا.
ردَّ «أحمد»: هذا صحيحٌ، وسأذهب مبكِّرًا مع «بو عمير» إلى المستشفى. وعلى «قيس» أن يقوم بعمل ترتيبات سفرنا في طائرة المساء إلى «واشنطن».
هزَّ «قيس» رأسه دليل الموافقة، وقام الأصدقاء إلى غرفهم للنوم.
استيقظَت «إلهام» في التاسعة صباحًا، وخرجَت من غرفتها فوجدَت «بو عمير» ينظر من خلف نافذة الصالة إلى الشارع، وقد ارتدى ملابسه، وبدا عليه كأنه لم يذُق طعم النوم. فألقت «إلهام» عليه تحية الصباح، فردَّ عليها «بو عمير»، الذي قال إنه في انتظار أن يُكمِل «أحمد» ارتداء ملابسه ليتوجَّها إلى المستشفى.
وفي هذه اللحظة خرج «أحمد» مرتديًا ملابسه، وطلب منها بعض الأشياء لتجهيزها لرحلة «واشنطن»، وخرج مع «بو عمير» إلى المستشفى.
عند باب المستشفى، وجد «أحمد» و«بو عمير» بعض رجال الشرطة يقفون في حالة من الترقُّب، ويقومون بالتأكُّد من شخصيات الداخلين. ورغم ذلك نجح «أحمد» و«بو عمير» في الدخول إلى المستشفى، ولاحظا اضطرابًا واضحًا في الطرقات، لم يطمئنَّا إليه. وعند الدور الثاني، حيث تركا «فريدة» ليلة أمس، وجدا بعض رجال البوليس، ومعهم مفتش في حوالي الأربعين من العمر يتحدَّث إلى أحد الأطباء. وأوقفهما رجل شرطة وسألهما عن قصدهما، وعندما سمع المفتش أنهما اللذان نقلا المصابة ليلة أمس، توجَّه إليهما ليستفسر منهما عن بعض النقاط.
وعندئذٍ سأل «أحمد» المفتش: هل كل هذه الاستفسارات، لمجرد وجود فتاةٍ مصابة في حادثٍ عادي؟
نظر المفتش إلى «أحمد» ثم «بو عمير» ثم قال: هذه الأسئلة ليست بخصوص حادث السيارة، وإنما بخصوص اختطاف الفتاة ليلة أمس من المستشفى!