رجلٌ آخر!
جاء صوت المذيع خلال مكبِّرات الصوت في مطار واشنطن الدولي، معلنًا وصول رحلة الخطوط الجوية البريطانية القادمة من لندن، والتي كانت تقلُّ الشياطين، فحمل الشياطين الخمسة حقائبهم، وعند خروجهم من باب المطار وجدوا شابًّا أسمر نحيلًا في انتظارهم، عرَّفهم بنفسه وكان يُدعى «ستيف جاكسون». كانت معه سيارةٌ أمريكيةٌ حديثةٌ ضخمةٌ لونها أزرق، استقلَّها الشياطين إلى مقرِّهم في «واشنطن»، وتولى «ستيف» القيادة. عبَر خلالها بهم نهر «البوفوميك» إلى حي «أسترال» بلدج، وهو حيٌّ نصفُ مزدحم. وساعدَهم في حمل حقائبهم إلى شقَّتهم الخاصة، وكانت مفروشة على الطريقة الحديثة بعكس التي كانوا يقطنون بها في لندن، وعرَّفهم مكان جهاز الإرسال والاستقبال، وأنه سوف يمرُّ عليهم ليلًا للتفاهم معهم، وأعطاهم مفاتيح السيارتَين المخصصتَين لهم للتنقُّلات في «واشنطن» … بعدها رحل «ستيف».
بدأ الشياطين يدخلون حجراتهم لتغيير ملابسهم، واستعادة نشاطهم بعد الرحلة الطويلة. وبعد دقائق، تجمَّع الشياطين مرةً أخرى في حجرة المعيشة، وفتح «أحمد» التليفزيون الذي كان يُذيع نشرةً إخباريةً مصوَّرةً عن أهم الأحداث الأخيرة في المدينة، وكان من بين هذه الأحداث حدَث اختفاء العالِم الجزائريِّ «فريد عبد الله».
تابع «أحمد» باهتمامٍ إذاعة الخبر واستجمع كلَّ المعلومات الهامة عن هذا العالِم وعن الظروف التي أحاطت باختفائه. وبعد إنهاء النشرة نظر «أحمد» خلفه، فوجد «بو عمير» و«إلهام» يقفان يتابعان النشرة باهتمام.
فقال «أحمد»: أعتقد أن هذه المعلومات الهامة قد تفيدنا في البحث عن «فريد عبد الله».
إلهام: ولكنها ليست كافيةً.
بو عمير: أظنُّ أن رقم «صفر» سوف يُمدُّنا بالمعلومات اللازمة عن «فريد عبد الله»، وظروف اختفائه.
وكان ردُّ «بو عمير» صحيحًا؛ فلم يكد ينتهي من حديثه حتى سمع الأصدقاء صفير جهاز الإرسال، معلنًا قدوم رسالة من رقم «صفر». أسرع الأصدقاء إلى غرفة الاستقبال لتلقِّي الرسالة التي كانت تقول: وصلَتني تقارير عن سرِّ اختفاء الدكتور «فريد عبد الله»، مدير شركة «المستقبل» للأبحاث العلمية … لقد اختفى الدكتور ومعه سرٌّ علميٌّ في غاية الخطورة … فقد استطاع مع مجموعةٍ من العلماء التوصل إلى جهازٍ يمكنه تسجيل كلِّ ما يدور في عقل الإنسان … وقد حاولَت الحكومة الأمريكية وكثيرٌ من الشركات شراء الجهاز الجديد، لكن الدكتور «فريد» رفض … وقال لبعضِ من حوله إنه سيذهب إلى «مصر» حيث تتوفَّر إمكانيات البحث العلمي، وحيث يجد الحماية. وفي تلك الأثناء، عَلِمَت عصابة المافيا الإرهابية الدولية بخبر الجهاز الجديد، فاتصلَت بالدكتور «فريد»، الذي رفض تمامًا أن يناقش مندوب العصابة في هذا الجهاز مقابل أي مبلغ تعرضه العصابة. وقد قام الدكتور «فريد» بعدة تجاربَ أثبتَت نجاح الجهاز الجديد. وعندما بدأَت الضغوط تتزايد عليه، قام بتفكيك الجهاز إلى قطع صغيرة، ووضعها في أماكنَ متفرقةٍ بحيث يصعُب تجميعه، ثم قام أيضًا بتصوير المعادلات الرياضية الخاصة بالجهاز، على شريط «ميكروفيلم»، وأحرق جميع الأوراق الخاصة بالاكتشاف … ثم اختفى ومعه الميكروفيلم عن الأنظار.
وجُنَّ جنون عصابة «المافيا»، عندما اختفى «فريد»، وبدأَت عمليةَ بحثٍ واسعة النطاق عنه … وقد أوكلَت مهمة البحث عنه إلى شركةٍ من شركاتها الوهمية، يُطلَق عليها اسم «الشركة الدولية للصناعات» … وقد انطلقَت في أثَر «فريد» ولا نعرف إذا كانت قد وصلَت إليه أم لا. ويدير هذه الشركة الوهمية رجلٌ ذو نفوذٍ واسع، اسمه «وليم وندرهاند». وسمِّي بهذا الاسم لأنه يضع يده اليسرى دائمًا في جيب سترته. و«وندرهاند» رجلٌ سمينٌ وقصيرٌ يتحدث ببطء رغم أنه عصبيٌّ جدًّا، وهو مُحاط بثلاثة من الحرس الخاص، أحدهم يتبعه كظله في كل مكان حتى في غرفة نومه، ويُسمَّى «جون الصغير». وسُمي هكذا من باب السخرية؛ لأنه ضخم الجُثة ويجيد استخدام كلتا يديه في القتال، وكذلك في استخدام المسدس، وأعتقد أنه في حالة الوصول إلى «وليم» هذا، نكون قد اقتربنا من طرف الخيط المُوصل لمكان «فريد عبد الله».
إذا طلبتم أية معلوماتٍ أخرى، فاطلبوها من «ستيف» الأسمر؛ فهو رجلكم في «واشنطن».
صمت الجهاز قليلًا، ثم سأل: هل هناك أي استفسار أو سؤال؟ ولم يسأل أحد من الشياطين شيئًا، فردَّ رقم «صفر»: حسنًا، أعتقد أن هذه المعلومات شِبه كافية لكم لبدء العمل في البحث عن «فريد»، حظًّا سعيدًا وإلى لقاء في التقرير القادم.
انطفأَت اللمبة الحمراء في أعلى الجهاز، بعدها توجَّه الشياطين إلى الصالة الرئيسية في شقَّتهم، وفي رأس كلٍّ منهم العديد من الأفكار.
ارتفع جرس التليفون فذهب «قيس» للرد عليه، وكانت المكالمة من «ستيف» صديقهم الأسمر النحيل.
كان «ستيف» يسأل عن أي مساعدة يقوم بها للأصدقاء، فشكره «قيس»، فقال «ستيف»: إنه سوف يمرُّ عليهم صباحًا لقضاء أيِّ عمل يُوكِلونه إليه.
بعد المكالمة قال «أحمد» الذي كان ينظر في ساعته: الساعة الآن تقترب من العاشرة مساءً، وما زال في إمكاننا القيام بجولة في المدينة.
ردَّت «إلهام» و«زبيدة»: سوف نذهب نحن إلى الفراش لأننا نحتاج إلى الراحة.
نظر «بو عمير» إلى «قيس» الذي قال: سأبقى هنا لتجهيز الأسلحة … وانتظار أي تقاريرَ جديدةٍ من رقم «صفر» …
قال «أحمد»: حسنًا، سأكون رفيقك الوحيد في هذه النزهة.
نزل الصديقان إلى الشارع، وركبا سيارة «داتسون» برتقالية اللون، وتولى «أحمد» القيادة، وطاف الصديقان في المدينة. وفي أحد شوارع حي «مديسون» الهادئ، أوقف «أحمد» السيارة لشراء بعض الساندويتشات من محل «روي»، وهو من المحلات الشهيرة في أمريكا التي تصنع «الهمبرجر».
نزل «أحمد» ودخل إلى المحل، في حين انتظره «بو عمير» في السيارة. وفي الجانب الآخر من الشارع، وجد «بو عمير» سيارةً بيضاء. وعلى المقعد المجاور للسائق كانت تجلس فتاة، نظر إليها «بو عمير» جيدًا، فلم يُصدِّق عينَيه؛ فلم تكن إلا «فريدة» ابنة العالِم المفقود «فريد»، الذي يقومون بالبحث عنه.
بسرعة، نزل «بو عمير» وجرى إلى السيارة، التي لم يكن قائدها بها، واقترب ليتأكَّد من أنها «فريدة» فعلًا. وتحدَّث إليها «بو عمير» وسألها: كيف خرجتِ من المستشفى؟!
فريدة: لقد حضرت إليك!
لم يكمل «بو عمير» حديثه؛ فالفتاة لم تنظر إليه، وإنما كانت عيناها مثبَّتتَين على الطريق أمامها، فاستنتج «بو عمير» أنها تحت تأثير حُقنةٍ مخدِّرة، فمدَّ «بو عمير» يده يهزُّها من كتفَيها، ولكنها لم تلتفت إليه. وبدأ يفتح الباب ليُنزِلها، وقد أدرك أن الحظ الحسن قد هداهما إلى هذا المكان بالذات، لمشاهدة «فريدة» والإمساك بطرف الخيط … ولكن أحلامه تبدَّدَت، بضربةٍ قويةٍ نزلَت على رأسه، فدار حول نفسه ثم سقط على أرض الشارع … وانطلقَت السيارة مبتعدةً وهي تحمل «فريدة» إلى مصيرها المجهول.