مكالمة من الرجل الغامض!
عاد «أحمد» إلى السيارة يحمل الساندويتشات، فاندهش لاختفاء «بو عمير»، فطاف ببصره في المكان، فرأى «بو عمير» مُلقًى على وجهه عَبْر الشارع في الناحية الأخرى، فجرى إليه ورفع رأسه، وهزَّها بهدوء، فبدأ «بو عمير» يُفيق من غيبوبته، وتحامل على نفسه ووقف بمساندة «أحمد»، وذهبا إلى السيارة، وقصَّ على «أحمد» ما حدث، وتعجَّب «أحمد» جدًّا من رواية «بو عمير» وقال: «إذن ﻓ «فريدة» موجودة في «واشنطن»، وربما اختُطِفَت عن طريق العصابة، التي تستعملها كوسيلة للضغط على والدها، لتسليم الاختراع إليهم.
ردَّ «بو عمير»: أعتقد ذلك، وأعتقد أيضًا بأننا قد أصبحنا في قلب المغامرة … وتحسَّس «بو عمير» رأسه وقال: آه! لو كنتُ رأيتُ هذا الرجل، لكنتُ علَّمتُه ألا يضرب أحدًا من الخلف مرةً أخرى.
وقبل أن يُدير «أحمد» محرِّك السيارة في طريق العودة إلى المنزل، سمع صوت أقدامٍ على أوراق الأشجار الجافَّة في الحديقة المجاورة. بدأَت هذه الأقدام تُسرِع حتى أصبحَت تجري، فنزل «أحمد» و«بو عمير» مسرعَين من السيارة وجرَيا خلف الرجل الذي كان يجري، وما هي سوى لحظاتٍ حتى تمكَّن «أحمد» منه، ووقع الرجل على الأرض، وأمسكه «أحمد» من ذراعه وثناه خلف ظهره، وفتَّشه بيده الأخرى. لم يكن يحمل سلاحًا أو أيَّ أداةٍ أخرى، عند ذلك تركه «أحمد»، فاعتدل الرجل، ونظر إلى الصديقَين نظرة خوفٍ ودهشة.
كان رجلًا في حوالي الأربعين من عمره، يرتدي ثيابًا قديمةً واسعةً عليه بعض الشيء، وقبَّعته التي طارت من على رأسه كانت تبدو أقدم. وكان يمسك زجاجةً ملفوفةً في كيسٍ قديم، وقعَت منه عند سقوطه. وتكلَّم الرجل وهو يلهث ويلتقط أنفاسه بصعوبة: لم أفعل شيئًا. إنني لستُ الرجل الذي ضربك على رأسك.
بو عمير: هل رأيتَ الرجل الذي ضربني؟
الرجل: نعم رأيتُه، ورأيتُ السيارة التي هرب بها أيضًا.
بو عمير: هل التقطتَ رقم السيارة، أو ماركتها، أو لونها؟
الرجل: لا، لم أتمكَّن من ذلك، ولكنني أعتقد أنني أعرف هذا الرجل.
نظر «بو عمير» إلى «أحمد» الذي قال: ما اسمُه وكيف تدلُّنا عليه؟
الرجل: هذا الرجل معروفٌ في هذه المنطقة، مع مجموعةٍ من الرجال يعملون معًا، ولكنني لا أعلم ما هو عملهم بالتأكيد، ولكنه يرتاد حانةً قديمةً في الحي الجنوبي، تُسمَّى «حانة القرصان». وإنني أراه هناك بصفةٍ منتظمةٍ ومعه مجموعةٌ من الرجال الذين قلتُ لكم عليهم، ولكنه انقطع منذ حوالي ثلاثة أسابيع عن زيارة الحانة، وكذلك أصدقاؤه.
قال «أحمد»: أعتقد أننا سنصدِّقك ونتركك في سلام. وسوف أعطيك خمسين دولارًا، ترتفع إلى مائة، إذا استطعتَ أن تدُلَّنا على هذا الرجل في أول فرصةٍ تراه فيها. وسأترك لك رقم تليفوني، تتصل بي إذا كان عندك أية أخبار … ومدَّ «أحمد» يده في جيبه وأخرج ورقةً مالية من فئة الخمسين دولارًا أعطاها له.
لم يصدِّق الرجل عينَيه والورقة تتهادى في الهواء في طريقها إلى صدره وهو ملقًى على الأرض. وكتب «أحمد» رقم التليفون وتركه للرجل، مُكرِّرًا وعده له بالمبلغ، إذا أبلغهم بمكان الرجل المجهول.
ترك الصديقان الرجل، وانطلقا إلى السيارة وركباها في طريق العودة إلى مقرِّ الشياطين، في حي «أسترال» بلدج. وعندما دخلا كان باقي الأصدقاء قد ناموا والمقرُّ هادئ.
في الصباح كانت «إلهام» و«زبيدة» أول من استيقظ فجهَّزتا طعام الإفطار، في حين انتهى الشياطين الثلاثة من ارتداء ملابسهم.
وتجمَّع الأصدقاء في حجرة الطعام، وتبادلوا تحية الصباح، وقصَّ «بو عمير» ما حدث ليلة أمس. وأثار وجود «فريدة» في «واشنطن» دهشة الأصدقاء.
وقطع حديث الأصدقاء جرسُ الباب، فقام «قيس» ليرى مَن القادم، الذي لم يكن سوى «ستيف» الأسمر، فحياهم وشاركهم طعام الإفطار.
بعدها انتقل الأصدقاء إلى غرفة المعيشة، وتوجَّه «أحمد» إلى غرفة جهاز الاستقبال، وبعدها عاد إلى الأصدقاء، وطلب من «ستيف» أن يُعِدَّ له كل المعلومات الممكنة عن شركة بعنوان «الدولية للصناعات» وحانة «القرصان» وأية معلوماتٍ عنهما …
أمسك «ستيف» الورقة التي كتَب فيها «أحمد» المعلومات التي يريدها، وقرأها، وترك الأصدقاء وتوجَّه إلى التليفون.
وبعد عشر دقائق عاد «ستيف» يحمل ورقةً كَتب عليها بعض المعلومات، وأعطاها ﻟ «أحمد» الذي شكَره، وتوجَّه «ستيف» ليغادر المنزل على أن يتصل بهم في المساء.
وخرج «ستيف» وبدأ «أحمد» يقرأ الورقة على الأصدقاء:
«الشركة الدولية للصناعات» نشاطها واسعٌ في مجالات الاستيراد والتصدير، والأجهزة الكهربائية، والإلكترونية، والكيماوية، ويمتد حتى في مجال لُعب الأطفال. وهي شركةٌ مضمونة، بعيدةٌ عن أية شُبهات. تقاريرها نظيفةٌ حتى لدى البوليس والضرائب. رئيس مجلس إدارتها مستر «وندرهاند» في إجازة منذ أسبوع، سافر فيه إلى «سان فرانسيسكو» ليحضُر هناك مؤتمرًا اقتصاديًّا، ويخلُفه رجلٌ يُدعى «فرانك مالكولم». والشركة تحتفل اليوم بعيدها السنوي العاشر، وتقيم مسابقةً لأحسن طيارٍ شراعيٍّ في مطارٍ خاص بالشركة، وضيوف الشرف من الضباط الذين اشتركوا في حرب «فيتنام». أما حانة «القرصان» فهي حانةٌ رخيصة، مستواها متواضع، يرتادها بعض العاطلين وصغار العمال، وبالطبع بعض المنحرفين من الخارجين على القانون.
انتهى «أحمد» من قراءة الورقة، ونظر إلى الأصدقاء.
قال «قيس»: إنه من الذكاء أن تتخفَّى إحدى منظمات «المافيا» خلف ستار هذه الشركة المُسالمة النظيفة.
ردَّ «أحمد»: فعلًا … ولكن كيف نبدأ احتكاكنا بهذه الشركة للتوصل إلى مكان الدكتور «فريد»؟
سكت الأصدقاء بُرهةً، وردَّ «بو عمير»: أعتقد أنه يجب أن نقسم أنفسنا إلى قسمَين؛ قسم يذهب إلى حفلة الشركة في المطار، وقسم آخر يهتَم بحانة «القرصان»!
قال «أحمد»: معقول … ولكني أفضِّل أن ننتظر مكالمة الرجل الذي طاردناه ليلة أمس؛ فسوف تكون أكثر فائدةً لنا.
وافق الأصدقاء على رأي «أحمد». وفعلًا قَسَّم المجموعة إلى قسمَين، فسوف يذهب هو و«قيس» و«إلهام» إلى الاحتفال، في حين يظلُّ «بو عمير» و«زبيدة» في المنزل في انتظار مكالمة الرجل التليفونية. بعد ذلك، قام الأصدقاء فغيَّروا ملابسهم استعدادًا للذهاب للشركة.
استقلَّ الشياطين الثلاثة السيارة البرتقالية الصغيرة، وتولى «أحمد» القيادة، وتوجَّهوا إلى الحفل. وعندما وصلوا وجدوا عددًا كبيرًا من الزوار، وذهب «قيس» واشترى ثلاث تذاكر للدخول.
كان هناك العديد من الموائد التي جلس عليها المدعوُّون، من رجال الأعمال وبعض العائلات. وكان هناك أيضًا مائدةٌ خاصة لزوَّار الشرف من ضباط حرب «فيتنام»، وكان يتوسَّط المائدة بعضُ أعضاء مجلس إدارة الشركة.
أخذ الشياطين الثلاثة يطوفون بأرجاء المعرض الذي يُقام فيه الحفل، وبعد ذلك أعلن الميكروفون أن الحفل سوف ينتقل إلى المطار، لكي يتم اختيار أحسن طيار، وسوف تكون جائزة الفائز عقدًا مع الشركة لقيادة إحدى طائراتها، التي تُستعمل في أغراض الدعاية.
عند ذلك قال «أحمد»: سوف أشترك في المسابقة!
ردَّت «إلهام»: ولكن …!
وقبل أن تكمل حديثها، قال «أحمد»: أعتقد أنها أحسن طريقة لدخول الشركة، لو أنني فُزت بهذه المسابقة.
وفعلًا قام «أحمد» من مكانه، وتوجَّه إلى الغرفة التي يُسجِّل فيها المتسابقون أسماءهم. وكان المتسابقون ثمانية، وكان «أحمد» آخر من ضم اسمه إلى القائمة، وعندما أُعلن عن أسماء المشتركين، ارتفعَت بعض الهمهمات، عندما قال منظِّم المسابقة إن آخر المتسابقين … «عربي».
بدأَت المسابقة، وكان أول المتسابقين قد بدأ يأخذ مكانه على متن الطائرة المخصَّصة للمسابقة، وهي طائرةٌ أمريكيةٌ صغيرة، زرقاء اللون، وتحمل اسم الشركة باللون الأصفر. وبدأَت محرِّكاتها في الدوران، واتجه بها قائدها إلى ممرِّ الإقلاع استعدادًا للطيران.
في هذا الوقت في المقر، كان «بو عمير» و«زبيدة» يجلسان أمام رُقعة الشطرنج، وكلٌّ منهما يقدح زناد فكره؛ لأن «بو عمير» كان يعلم جيدًا بأن «زبيدة» منافِسةٌ قويةٌ. وقبل أن يُحرِّك «بو عمير» الوزير لحصار الملك، رنَّ جرس التليفون، فجرى إليه «بو عمير»، وكان محدثه — كما توقع — الرجل الذي طارداه في الحديقة ليلة أمس، كان يتحدث بسرعة إلى «بو عمير» قائلًا: ألا تذكُرني؟
بو عمير: بالطبع أذكُرك، هل وجدتَ الرجل؟
الرجل: نعم وجدته، ولكن هل أنت عند وعدك، بخصوص الخمسين دولارًا الأخرى؟
بو عمير: نعم عند وعدي!
الرجل: حسنًا … قابلني الساعة التاسعة مساءً في شارع «ملبوري»، وسوف أدلك على مكانه. وصمت لحظةً ثم قال: سوف أُضطَر لغلق السماعة الآن؛ فبعضهم قادمٌ نحو كابينة التليفون.