تطورات سريعة!
عندما وصل «أحمد» و«قيس» إلى المقر، كانت «إلهام» و«زبيدة» قد قامتا باستخراج الرصاصة من كتف «بو عمير»، الذي كان لا يزال تحت تأثير المخدر، فسألها «أحمد»: ما مدى إصابته يا «إلهام»؟
ردَّت «إلهام»: استقرت الرصاصة في عضلات الكتف، لكنه نزف كثيرًا.
وقالت «زبيدة»: حمدًا لله أنه لا يزال حيًّا؛ فالرصاصة من مدفعٍ رشاش.
وبعد لحظات، انطلقَت صفارة جهاز الإرسال المتقطعة، لتعلن وصول رسالة من رقم «صفر» إلى الشياطين، وبدأ «قيس» في تلقي الرسالة التي كانت تقول:
أعتقد أن العالِم «فريد» قد وقع فعلًا في أيدي العصابة؛ فمنذ قليل، تلقت إحدى البلاد العربية البترولية، تهديدًا من المنظمة التي حدثتُكم عنها، لابتزاز مبلغ ٣٠٠ مليون من الجنيهات وإلا تعرَّضَت شخصيةٌ كبيرةٌ لنوعٍ من السيطرة الذهنية عن طريق العصابة، يمكن أن تؤدي إلى كارثةٍ حقيقيةٍ لهذا البلد، والبلدان المجاورة … وهذا يؤكد، أن العالِم «فريد» قد اضطُر إلى تسليم معادلاته للعصابة، تحت كل ظروف الضغط التي استُخدمَت ضده … فما هي آخر التطوُّرات عندكم … وهل توصلتم لشيءٍ عن هذا الموضوع؟
تولى «قيس» شرح الموقف لرقم «صفر»، في حين خرج باقي الشياطين إلى حجرة «بو عمير» الذي بدأ يفيق من تأثير المخدر، وبصعوبة بدأ يحكي ما حدث، منذ مقابلته مع الرجل، فسأله «أحمد»: هل تظن أن الرجل قد وشى بك إلى الأخرس؟
ردَّ «بو عمير»: لا أظن ذلك، ولكنني أعتقد أنه قام بتحرِّيات، جعلَت «مايكل» يشُك فيه، مما أدى إلى مراقبته ومحاولة قتلي معه!
قال له «أحمد»: على كل حالٍ يجب أن نسرع قليلًا؛ فأعتقد أن العالم «فريد» قد سلَّم اختراعه إلى المنظَّمة فعلًا.
ردَّ «بو عمير»: كيف ذلك؟
ردَّت إلهام»: هناك تطوُّرات تدُل على هذا!
قال «أحمد»: أعتقد أننا نسينا شيئًا هامًّا لم نُعِره اهتمامًا كافيًا؟
بو عمير: ما هو؟
ردَّ «أحمد»: المكان الذي رأيت «فريدة» فيه ليلًا! لم نسأل أنفسنا، ماذا كانت تفعل في هذا المكان!
صمت قليلًا ثم قال: ربما خُبِّئَت «فريدة» في هذه الفيلا، التي كانت السيارة أمامها.
قال «بو عمير»: ممكن جدًّا.
قال «أحمد»: إذن، فأظن أنه من الأفضل أن نضع الفيلا غدًا صباحًا تحت المراقبة، التي تتولاها «إلهام» و«زبيدة»؛ فالعصابة لن تشُك في فتيات محل «روي».
ثم قال: إذن، فالأفضل أن تتوجَّها غدًا إلى المراقبة، وسوف أُضطَر أنا الآن إلى التوجُّه مرةً أخرى إلى فندق «أمريكانا»، حيث أقضي ليلتي هناك؛ فربما اتصلَت بي الشركة غدًا.
نزل «أحمد» واستقلَّ تاكسيًا إلى فندق «أمريكانا»، ولكنه نزل على مبعدةٍ منه، ونظر إلى المكان جيدًا فلم يجد ما يشُك فيه. وعلى سبيل الاحتياط، فقد توجَّه إلى الداخل من الباب الخلفي، وصَعِد إلى غرفته، فوجدها كما هي.
فخلع حزامه الذي علَّق فيه مسدسه وجهاز الإرسال والاستقبال، ووقف قليلًا في الشرفة يراقب المدينة في الليل حتى غلبه النُّعاس فنام.
في الصباح الباكر، اتصل «ستيف» بالشياطين في المقر، فطلبَت منه «إلهام» أن يهيِّئ لها و«زبيدة» عملًا، في محل «روي» الموجود في حي «مديسون».
وفعلًا في التاسعة صباحًا توجَّهَت «زبيدة» و«إلهام» إلى المحل، ولبستا ثياب العاملات فيه، وكان عملهما يقتصر على خدمة عملاء السيارات، الذين يأتون إلى المحل بعرباتهم، ويتناولون الطعام فيها، لكي تسهل عملية مراقبة الفيلا المقابلة للمحل.
وحتى الساعة الحادية عشرة لم يحدُث في الفيلا ما يثير الشكوك، حتى جاءت سيارة كاديلاك سوداءُ كبيرة، نزل منها سائقها، ورجلٌ آخر يجلس بجانبه، ضخم الجسم، يرتدي بدلة سوداء، ويظهر انتفاخٌ في جانبها الأيسر، مما يدل على أنه يحمل مسدسًا ضخمًا. وفتَح الباب الخلفي، فنزل منه رجلٌ قصير القامة، يرتدي بدلةً رمادية اللون، وقبعةً من نفس لون البدلة، ونظارةً شمسيةً.
ولفت نظر «إلهام» أنه يضع يده في جيب سترته بصفةٍ دائمة، فلم تشُك لحظة أنه مستر «وندرهاند» زعيم المنظمة. وتوجَّه الرجلان إلى داخل الفيلا، في حين ظل السائق أمام الباب ليرقُب الموقف في الخارج.
في ذلك الوقت، كانت سيارة قد مرت على «أحمد» في الفندق، وأوصلَته إلى مقرِّ الشركة، الذي صُمم كله من الخارج من الزجاج، فأصبح ككتلةٍ من الذهب تحت أشعة الشمس. وتوجَّه «أحمد» مع مرافق إلى الداخل حيث يقع مكتب المدير «فرانك مالكوم»، الذي قابله بحرارةٍ شديدة، وأخبره أن هناك تطوراتٍ تستدعي سفره اليوم إلى «نيويورك» مع بعض رجال الشركة، ليشترك في المهمة التي اتفقوا عليها في الشرق الأوسط، فعرف «أحمد» أنهم على وشك تنفيذ تهديدهم، وأنه سوف يصبح أداة المنظمة في تنفيذ وعيدها.
أظهر «أحمد» سعادةً بالغةً بذلك، وقال إنه سوف يكون جاهزًا للسفر في الموعد الذي ستُحدِّده له الشركة.
قال «مالكوم»: سوف تغادر الطائرة إلى «نيويورك» في الخامسة مساء. وفي الطريق سوف توضَّح لك أكثر، شكل مهمتك … التي ستقتصر في الأغلب، على تشكيل نوعٍ من الاستعراض الجوي في سماء دولةٍ عربيةٍ، كنوعٍ من الدعاية للشركة، وإلقاء بعض الهدايا من الطائرات.
عرف «أحمد»، أن من ضمن هذه الأشياء التي ستُلقى، شيئًا ما بخصوص الخطة التي وضعَتها العصابة، فأعلن أنه سوف يكون جاهزًا في الثالثة.
خرج «أحمد» من مقر الشركة واستقلَّ تاكسيًا، وتوجَّه مباشرةً إلى مقر الشياطين، بعد أن تأكد من أنه غير مراقَب. كان عقله يعمل بسرعة؛ فالساعة الآن الثانية عشرة، ولم يعُد أمامهم إلا ساعات، وتبدأ المنظمة في تنفيذ خطتها.
في هذا الوقت، في محل «روي» في حي «ماديسون» وقفَت سيارة شيفروليه بيضاء كبيرة، ونزل منها ثلاثة رجال؛ اثنان منهم ضخما الجثة، يبدوان كحرسٍ مسلَّح. والثالث أكبرهم سنًّا، يضع نظارةً طبية، ويرتدي ثيابًا بسيطة، ويبدو في حالةٍ سيئة، فشَعرُه غير منظَّم، تشبه ملامحه ملامح العالم «فريد»، وربما جاء لمقابلة «وندرهاند» لسببٍ ما.
أسرعَت «زبيدة» إلى جهاز الإرسال في السيارة، واتصلَت ﺑ «بو عمير» في المقر، ووصفَت له الرجل الذي رأته مع «إلهام»، وشكَّت في أنه العالم «فريد».
في هذه اللحظة وصل «أحمد» إلى المقر، وأبلغه «بو عمير» بما سمع، فقال له: إنه لا بد من مهاجمة الفيلا الآن، لإنقاذ العالم «فريد»، وإفشال خطة العصابة؛ فلم يعد هناك مجالٌ للانتظار. وفعلًا، استعد «أحمد» و«قيس»، وقبل خروجهما من المقرِّ ظهر «بو عمير» وقد ارتدى ثيابه، وقال إنه مُصرٌّ على المشاركة في المعركة.
نزل الشياطين الثلاثة إلى السيارة الفضية، التي كان يستقلُّها «بو عمير» ليلة أمس. وبعد دقائق، وصلوا إلى محل «روي» في حي «ماديسون»، ووقفوا بجانب السيارات التي تقف عادةً لتناول الطعام السريع، وجاءت الفتاتان إلى الشياطين، وتعجَّبتا من وجود «بو عمير»، الذي بدا شديد الشحوب. وأوجزَت «إلهام» الموقف في الفيلا، وعدد الحرس الذي رأته، مع احتمال وجود عددٍ آخر في الداخل.
قال «أحمد»: على كل حالٍ لا بد أن نخوض المعركة مهما كانت الظروف.
نظر الشياطين إلى الفيلا البيضاء التي يهاجمونها، فوجدوها تتكوَّن من ثلاثة طوابق، ومحاطة بسورٍ حديديٍّ مرتفع، وكذلك بسورٍ آخر من النباتات، لها مدخلٌ أماميٌّ كبيرٌ وآخر جانبيٌّ أصغر. وكان ثمَّة حارسٌ يقف أمام الفيلا، لا بد من التخلص منه حتى لا يعطي إشارة إنذار.
وبسرعة، عرضَت «زبيدة» فكرةً بسيطة، أُعجب بها الأصدقاء، وبدأَت هي في تنفيذها. جلسَت أمام عجلة قيادة السيارة الصغيرة، وبدأَت السيارة في السير للخلف، وازدادت السرعة بطريقةٍ مفاجئة بعرض الشارع، واصطدَمَت مؤخرتها بجانب السيارة الكاديلاك السوداء، التي كانت تقف أمام الفيلا، فأسرع الحارس، ليرى ما حدث لسيارته، وقبل أن يخرج من باب الفيلا، كان «أحمد» في سرعة الفهد قد عبَر الطريق، وعاجلَه بلكمةٍ أفقدَته الصواب في الحال، وحملَه إلى داخل سور الفيلا قبل أن يراه أحدٌ. وعادت «زبيدة» بالسيارة مرةً أخرى إلى الجانب الآخر، لكيلا يستدعي منظر الحادث تدخُّل البوليس.
وبسرعة، قَسَّم الشياطين أنفسهم إلى قسمَين، ليتولَّوا الهجوم على باب الفيلا، فكان «أحمد» و«قيس» من الأمام، و«بو عمير» الذي أمسك مسدَّسه بيده اليمنى، في حين رُبطَت اليد اليسرى إلى صدره، ومعه «إلهام» و«زبيدة» من الباب الجانبي.
وعند اللحظة المناسبة المتفق عليها، كان الهجوم على جانبَي المكان؛ فعندما دخل «بو عمير» تتبعه «إلهام» و«زبيدة»، وجدوا الباب يؤدي إلى مطابخ، وقاعات الخدم المُلحقة بالمنزل، وكان بعضهم يزاول عمله العادي في الغسل والطبخ.
أما «أحمد» و«قيس»، فكان الباب الذي اقتحماه يؤدي إلى مدخلٍ واسعٍ فخم، لا أحد فيه، ثم إلى ردهةٍ طويلة، على جانبَيها بعض الأبواب المغلَقة، فتحَها «أحمد» بابًا تلو الآخر، وكانت جميعها غُرفًا خاليةً، إلا الغرفة الأخيرة؛ فعندما فتحها «أحمد»، وجد رجلًا يجلس على كرسيٍّ متحرك، ويبدو عليه أنه مشلول، وكانت ملامحه هادئة، فنظر إلى «أحمد» قائلًا: هل أنت الذي أرسلك الدكتور «مارك»؟
قال «أحمد»: نعم.
وفي نفس الوقت، أطلق «أحمد» رصاصة، جعلَت الرجل يسقط على الأرض دون أن ينطق بحرفٍ واحد.