نهاية الرحلة!
تعجَّب «قيس» من تصرُّف «أحمد»، ونظر إليه نظرةَ دهشة. وقبل أن يتحدَّث …
تَقدم «أحمد» إلى الرجل الملقى على الأرض، ورفع البطانية التي كان يضعها على ساقَيه، فوجد مدفعًا رشاشًا صغير الحجم.
فقال «أحمد»: عندما ضربتُه، كانت يده في طريقها إلى المدفع هذا؛ فالكرسي لم يكن سوى خدعةٍ لكسب الوقت.
ابتسم «قيس» الذي كان منذ لحظاتٍ متعجبًا من تصرف «أحمد».
كانت الطلقة التي أطلقها «أحمد» قد دوَّت في المكان، حتى وصلت إلى حيث يوجد «بو عمير» و«إلهام» و«زبيدة». وارتسمَت علامات التوتُّر على وجوه الخدم، الذين كان أغلبهم من الزنوج.
فقال «بو عمير»: أرجو أن يلزم الجميع الهدوء، حتى لا يُصاب أحد.
سَمِعَت هذه الكلمة فتاةٌ صغيرةٌ سمراء، فبكت وسالت الدموع على وجنتَيها، فذهبَت «إلهام» إليها وقالت لها: لا تخافي أيتها الصديقة؛ فنحن هنا في مهمة سلام ولن نؤذي أحدًا.
وسارت، لكنها قبل أن تخرج، صاحت بها الفتاة: حسنًا … إنهم في البدروم.
التفت إليها الأصدقاء فعادت تقول: من تبحثون عنهم في البدروم! لا أعلم لماذا! ولكنهم أسفل!
أسرع الأصدقاء إلى الداخل، فقابلوا «أحمد» و«قيس»، وقالا لهما ما سمعوا.
فقال «بو عمير»: ولكن أين الطريق؟
فقال له «أحمد»: أظن أن بداية الطريق في الغرفة التي كنا بها منذ دقائق.
أسرعوا إليها، ولكنهم قبل الوصول إلى الباب، سمع الأصدقاء أزيز رصاصٍ صادر من مسدس كاتم للصوت. فارتمى «أحمد» و«قيس» أرضًا، في حين اختفى الباقون خلف بابٍ آخر.
عندما ارتمى «أحمد»، شاهد في مرآةٍ في الصالة خيال الرجل الذي يصوِّب عليهم مسدسه. وأشار «أحمد» إشاراتٍ خاصة فهمها «بو عمير»، الذي لم تمنعه ذراعه المربوطة، من أن يوجِّه قنبلةً في حجم علبة الكبريت، تثير الأعصاب، إلى الحجرة التي بها الرجل. وما هي إلا لحظات، حتى خرج الرجل من الغرفة، فأصبح هدفًا سهلًا لنيران «قيس»، الذي أصابه بطلقةٍ واحدة من مسدسه. وأسرع الشياطين إلى الغرفة فوجدوا بابًا سِحريًّا في الجدار، يؤدي إلى مصعد، فاستقلَّه الشياطين.
وصل المصعد وفتح «قيس» الباب، فوجدوا أمامهم ممرًّا طويلًا يؤدي إلى بابٍ مُغلق. سار الأصدقاء في اتجاه الباب الذي فُتح، وخرج منه رجلان؛ أحدهما يحمل حقيبةً. فلما وقع بصره على الشياطين، حاول هو وزميله العودة مرةً أخرى إلى الداخل، ولكن قفزةً واحدةً من «إلهام»، كانت أسرع من محاولتهما؛ فقد أصابت بقدمها الرجل الأول فسقط على الأرض، أما الثاني فحاول إخراج مسدسه، فعاجله «قيس» بضربةٍ قوية، ثم تبعها بضربةٍ أخرى فتأوَّه الرجل على أثَرها؛ فقد أصابته إصابةً شديدةً.
فتح «قيس» الباب، ففوجئ بمعملٍ كاملٍ بأجهزته العلمية ورجالٍ يعملون في صمت. وتَقدم الأصدقاء بهدوءٍ إلى الداخل، ولكن قطع الصمت صوتُ جرس إنذار، فعرف الشياطين أنهم قد ارتكبوا خطأً ما. وعلى الفور أُغلقت الأبواب، ونظر الرجال إلى الشياطين.
فقال «أحمد»: أرجوكم، لا تضطَرونا إلى إصابة أحدٍ منكم!
وفي هذه اللحظة، خرج رجلٌ أذهل الشياطين لفرط ضخامته، فعرف الأصدقاء أنه «توم الصغير» الحارس الخاص لمستر «وندرهاند». ويبدو أن هذا الرجل كان يستحق السُّمعة التي عُرف بها؛ ففي جزءٍ من الثانية كان قد أخرج مسدسه وبدأ يطلق الرصاص على الشياطين بطلقاتٍ محكمة، ولكن خفة الشياطين لم تمكِّنه من إصابة أحدٍ، وبادلوه إطلاق الرصاص. وهنا فُتح الباب الخلفي للمعمل، وخرج ثلاثة رجال يحملون مسدسات، وبسرعةٍ نفَّذ الشياطين خطةً طالما تدرَّبوا عليها، وهي أن يُقسِّموا أنفسهم قسمَين، يغطِّي أحدهما الآخر. وبدءوا في إطلاق وابلٍ من الرصاص على الجانبَين، فهرب «توم الصغير» إلى الداخل. ويبدو أن إصابة «بو عمير» لم تقلِّل من مهارته في إطلاق الرصاص، فقد استطاع أن يصيب رجلًا بطلقةٍ واحدةٍ، مما سهَّل على «إلهام» أن تصيب الرجل الذي في المقدمة. وأسرع الثالث بالفِرار، ولكنه لم ينجح في ذلك، فقد كانت طلقة مسدَّس «قيس» أسرع.
اتجه الشياطين إلى الباب الذي هرب منه «توم الصغير» فوجدوه مغلقًا من الخارج، فأخرج «أحمد» من حزامه جهازًا صغيرًا وضعه في مقبض الباب وابتعد قليلًا، فانفجر الجهاز وفتح الباب، ولكنهم وجدوا الغرفة خالية، فعرفوا أن بها بابًا سريًّا يؤدي إلى الخارج. ولم يستمر البحث سوى لحظات، ووجدوا الباب الذي كان مخفيًّا بإتقانٍ، ولكنهم فتحوه فوجدوا سردابًا طويلًا يؤدي إلى سلَّم، فصَعِدوا السلَّم الذي أوصلهم إلى السطح.
كان وصولهم في الوقت المناسب؛ فقد كانت هناك طائرة هليوكوبتر صغيرة تستعد للإقلاع، ولكن الشياطين لم يستطيعوا أن يُطلِقوا النار على الطائرة؛ فقد كان العالِم «فريد» يستعد لركوب الطائرة في نفس اللحظة، وكان خلفه أحد الحرس ومعه مدفعٌ صغير، فأشار «أحمد» إلى العالِم «فريد» إشارةً خاصةً، فهمها، وارتمى على الأرض، مما سهَّل على الشياطين إطلاق نيرانهم على حارسه، ولكن الطائرة أقلعت بسرعةٍ ولم تفلح مسدَّسات الشياطين في منعها من الطيران، وبسرعة توجَّه الشياطين إلى العالم «فريد» وقال «أحمد»: هل أنت بخيرٍ يا سيدي؟
ردَّ الرجل: نعم … ولكن أسرعوا فقد أخذوا «فريدة» معهم، وهناك طائرةٌ خاصة في انتظارهم بالمطار الخاص بالشركة، سوف تُقلع إلى نيويورك.
وعلى الفور قال «أحمد»: سوف أُسرع أنا بالسيارة الصغيرة إلى المطار، لعلي ألحق بهم قبل طيرانهم إلى «نيويورك»، وأنتم تلحقون بي بالسيارة الكاديلاك السوداء.
لم يضيَّع «أحمد» وقتًا، فنزل بسرعة إلى الشارع، وركب السيارة الصغيرة التي لم تخيِّب آماله فانطلقَت بسرعة الصاروخ. ولم يتوقَّع «أحمد» أن محرك هذه السيارة الصغيرة بهذه القوة.
وبدأت مطاردةٌ غريبةٌ بين الطائرة الهليوكوبتر وبين السيارة، في اتجاه مطار الشركة التي أدى فيه «أحمد» مسابقة الطيران. وبعد عشرين دقيقة وصل «أحمد» المطار، ولكنه فوجئ ببعض الرجال يقفون أمام الباب الحديدي للمطار يمنعون الدخول، ولكنه تقدَّم دون تردُّد وبكل سرعتِه في اتجاه الباب، مندفعًا بالسيارة كالقنبلة فحطَّم الباب الحديدي، ودخل إلى أرض المطار، فوجد الطائرة الهليوكوبتر على الأرض، وبعض الرجال يركبون الطائرة التي تقف بجانبها، ومحرِّكاتها دائرة، وعلى استعدادٍ للطيران. وعلى بُعد حوالي ٣٠٠ متر أغلقَت الطائرة أبوابها، وبدأَت في التحرُّك، وكانت آخر فرصة ﻟ «أحمد» أن يتوجَّه صوب الطائرة نفسها، في محاولة للاصطدام بها لمنعها من الطيران، ولكن الطيار كان ذكيًّا جدًّا، فقد دار دورةً كاملة وأعطى ظهره ﻟ «أحمد»، وبدأ في زيادة سرعة الطائرة، و«أحمد» في أثَره بسرعةٍ كبيرة.
كاد «أحمد» أن يلامس عجل الطائرة الخلفي بمقدمة سيارته، ولكن الحظ لم يحالفه؛ فقد كانت سيارة الحرس في أثَره، وقد أصابت عجله الخلفي رصاصة، فانفجر الإطار وبدأَت عجلة القيادة تختل في يده، فانحرف بالسيارة بقوة، فاصطدمَت بها سيارة الحرس من الخلف.
قفز «أحمد» من السيارة بسرعةٍ كبيرة، وأخرج مسدسه وأطلق الرصاص على الرجل الذي فتح بابه وحاول الخروج من السيارة، ولكن الحظ عاد وابتسم مرةً أخرى ﻟ «أحمد»؛ فقد وصل الشياطين في الكاديلاك السوداء بسرعةٍ كبيرة إلى أرض المطار، وأشار «أحمد» ﻟ «قيس» الذي كان يقود السيارة أن يتبع الطائرة على ممرِّ الإقلاع.
كانت الطائرة قد وصلَت إلى نهاية الممر دون أن تُقلع، فعادت مرةً أخرى لتأخذ سرعتها على الممرِّ ولتبدأ في الإقلاع، فأصبحَت في مواجهة الكاديلاك السوداء، وتوقفَت نتيجة المباراة بين قوة أعصاب الطيار و«قيس» الذي يقود الكاديلاك، ولكن «قيس» المدرب على هذه العمليات الانتحارية والذي كان على درجةٍ عالية من المهارة والثبات، لم تهتَز شعرة في رأسه، وزاد من سرعة السيارة في اتجاه الطائرة، التي لم يستطع قائدها التحكم فيها، فانحرفَت من الممر إلى جانب الطريق، لتتفادى الاصطدام بالسيارة في آخر لحظة.
عند ذلك، توقَّف «قيس» ونزل الشياطين من السيارة، وحاصروا الطائرة بأسلحتهم، ومرت لحظاتٌ بطيئة حتى فُتح باب الطائرة ونزل قائدها واضعًا يدَيه على رأسه علامةً على الاستسلام للشياطين، يتبعه «توم الصغير» الذي ألقى بمسدَّسه على الأرض، ونزل على السلَّم، ثم مستر «وندرهاند» الذي تخلَّى عن عادته، وأخرج يده وربما للمرة الأولى، من جيبه ليضعها خلف رأسه.
وفي النهاية خرجت «فريدة» التي كان يبدو عليها الإعياء الشديد، فجرى إليها والدها واحتضنها، ثم صَعِد إلى الطائرة، وهبط حاملًا صندوقًا متوسط الحجم وقال: حمدًا لله … فإنهم لم يستطيعوا أن ينفِّذوا تهديدهم.
وفي لحظات، كان الموقف قد انتهى لصالح الشياطين، ومعهم «فريد عبد الله»، الذي عاودَته الابتسامة مرةً أخرى، ومعه ابنته التي كانت تحتضنه في حب … فلم تكن تتوقع أن تراه مرةً أخرى.
وبعد عدة أيام وفي المقرِّ السريِّ للشياطين، اجتمعوا في صالة الاجتماعات وجاء صوت رقم «صفر» الذي يعرفونه جيدًا ليقول: مرحبًا بكم أيها الشياطين، لقد قمتم فعلًا بعملٍ هائل، وأعتقد أن من حقكم أن تقضوا بعض الوقت على سبيل الإجازة.
ابتسم الشياطين؛ فهم يعرفون جيدًا أن الشياطين لا ينالون إجازاتٍ؛ فإن حياتهم ووقتهم مكرسٌ لخدمة وطنهم، حتى يحقِّقوا له الأمن والقوة.