المهمة!
في المقر السرِّي كان استدعاء الشياطين عاجلًا، حتى إنه لم يُتح لهم الوقت لتناول الإفطار بعد أدائهم التمارين الصباحية المنشطة.
توافَد الشياطين إلى داخل قاعة الاجتماعات مُسرعين.
جلسوا وهم يتبادلون النظرات متسائِلين عن طبيعة المهمة العاجلة التي استدعاهم رقم «صفر» لأجلها؟
أُضيء ركن في القاعة … وبدأت آلة العرض السينمائية في العمل.
كان المشهد يصور ميناءً سريًّا محاطًا بالحراسة القوية، وقد ظهرت مجموعة من الملاحين العرب، وهم يتسلمون غواصةً نووية كبيرة … وقد راحت الكاميرا تصور أدق المناظر … إلى أن غاصت الغواصة بركَّابها في قلب المحيط.
واختفت الصورة بعد لحظةٍ لتظهر خريطة العالم، وسهمٌ مضيء يتحرك من أحد الموانئ الأمريكية على المحيط الأطلنطي، حتى يصل بالقرب من رأس الرجاء الصالح … قبل أن يختفي نهائيًّا من فوق الشاشة.
تساءل «فهد» مقطِّبًا: هل اختفت الغواصة؟
أجابه رقم «صفر» من مكانٍ ما: بل اختُطفت!
وأُضيئت الأنوار … وكان واضحًا أن رقم «صفر» لم يصِلْ إلى القاعة بعدُ، ولكنه يشاهد ويسمع كلَّ ما يجري فيها، ويتحدث من خلال أجهزة اتصالٍ عالية.
أحمد: وإلى أين كانت هذه الغوَّاصة ذاهبة؟
رقم «صفر»: لعلكم استنتجتم من لهجة ملَّاحيها أنهم تابعون لدولةٍ عربية قامت بشراء هذه الغواصة بمبلغ وصل إلى مليار جنيه … لكي تنضم إلى أسطولها البحري … وقد تدرب ملاحو الغواصة العرب على قيادتها لشهورٍ طويلة قبل أن يتسلَّموها، فهذه الغواصة ليست مجرَّد غواصةٍ عادية، بل هي أحدث غواصةٍ في العالم، ولديها من الأجهزة ما يتيح لها رؤيةَ سطح الماء والشواطئ وهي في قلب المحيط … ويمكنها الاتصال بأيِّ مكانٍ في العالم، كما أنها تستطيع الغوص إلى أعماقٍ رهيبة يستحيل أن تصل إليها أية غواصةٍ أخرى … بالإضافة إلى سرعتها التي تصل إلى ضعف أحدث غواصةٍ أخرى … لأنها تعمل بالطاقة النووية.
تساءل «عثمان» في غضب: ومَن الذي اختطف هذه الغواصة؟
شرح رقم «صفر» الطريقة التي تم بها السيطرة على الغواصة واختطافها، وأنهى حديثه قائلًا: المفروض أن تتم عملية تسليم الغواصة في سرِّية كاملة، ولكن يبدو أن البعض قد تمكن من اختراق حاجز السرِّية هذا للوصول إلى أسرار هذه العملية … بل إن هؤلاء المختطفين تمكَّنوا من تحديد مسار رحلة العودة للغواصة، وقاموا بخدعتهم بالقرب من خط العودة.
إلهام: وهل أدى البحث في هذه النقطة إلى نتيجة؟
مرت لحظةٌ قبل أن يخطوَ رقم «صفر» إلى مكانه المظلم في القاعة، وهو يجيب: نعم … لقد توصلنا إلى أحد الخيوط.
وفتح أحد الملفات أمامه، وقال: تسلمت توًّا تقريرًا عن أحد العاملين بالميناء السرِّي الأمريكي. إن هذا الرجل ظهرت عليه بوادر ثراءٍ مفاجئة، وعند مراقبته ثبت أنه يقوم بالاتصال ببعض العملاء الذين ينتمون إلى منظمةٍ إرهابية عالمية تدعى «الأخطبوط»، وهذه المنظمة تضمُّ شخصياتٍ من الإرهابيين من كلِّ أنحاءِ العالم.
أحمد: ولكن، فمهما كان تنظيم هذه المنظمة الإرهابية وقدرتها؛ فإنها لن تستطيع التخطيط لاختراق الحواجز الأمنية السرِّية بمثل تلك الطريقة الساذجة، كما أنه يستحيل عليها اختطاف غواصةٍ نووية، ولا حتى التصرف فيها.
رقم «صفر»: لقد أصبت الحقيقة يا «أحمد».
وفي صوتٍ عميقٍ أضاف: لقد ثبت لنا من خلال مراقبة رءوس هذه المنظمة، أن لهم علاقة قويةً بأحد أجهزة المخابرات المعادية … وهذا الجهاز المشهور بالإجرام والإرهاب هو الذي تمكن من اختراق حاجز السرِّية المفروض على هذه العملية بوسائله الخاصة، وهو الذي خطط للمنظمة الإرهابية بما تقوم به وأمدَّها بكل المعلومات … وذلك بالطبع لحرمان إحدى الدول العربية من الحصول على مثل هذه الغوَّاصة الحديثة التي كانت ستستخدم لحراسة شواطئ هذه الدولة من الأعداء، أو محاولة الاختراق من قلب الماء.
قالت «ريما» في غضب: هؤلاء المجرمون … إنهم يبتكرون في وسائلهم الإجرامية بطريقةٍ مذهلةٍ … ثم تساءلت بعد لحظةٍ: ولكن الصيد كبيرٌ هذه المرة، فكيف سيتمكنون من التصرف فيه؟
رقم «صفر»: إنهم بالطبع لن يقوموا ببيع الغواصة، فلن توجد دولة تشتري غواصة مسروقة مهما كان الإغراء؛ لأن مثل ذلك الأمر لن يبقى سرًّا طويلًا، ولذلك فمن المؤكد أن تلك الدولة المعادية سوف تضم الغواصة النووية إلى أسطول غواصاتها … ولكن بعد أن تحولها إلى غواصةٍ مسلحةٍ بالصواريخ النووية لتصبح سلاحًا رهيبًا موجهًا ضدنا … وكما استطاعوا اختطاف الغواصة، فلن يصعب عليهم سرقة بعض الصواريخ النووية من أي مكان، وإجراء التعديلات اللازمة على الغواصة لتصبح قاذفةً للصواريخ.
عثمان: هؤلاء الملاعين.
أحمد: وهل حصلت هذه الدولة المعادية على الغواصة؟
رقم «صفر»: ليس بعد … ولكنهم سيحصلون عليها قريبًا.
زبيدة: والملاحون العرب الذين كانوا يقودون الغواصة … ماذا فعلوا بهم؟
رقم «صفر»: ليست هناك معلومات مؤكدة بشأنهم … وإن كنا نعتقد أنهم لا يزالون أحياء، حيث سيتم تسليمهم مع الغواصة لمخابرات الدولة المعادية.
مرت لحظةُ صمتٍ، ثم تساءل «قيس»: والغواصة، أين هي الآن؟
أجاب رقم «صفر»: هذا هو السؤال … الذي عليكم الإجابة عليه!
تبادل الشياطين النظرات … وأكمل رقم «صفر» يقول: ومهمتكم أيضًا هي استعادة الغواصة وملاحيها … إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة.
مصباح: إنني أعتقد أن هذه الغواصة تختفي في مكانٍ قريب من رأس الرجاء الصالح؛ بدليل أن المختطفين قاموا بعمليتهم في هذا المكان.
رقم «صفر»: ولماذا لا يكون اختيار هذا المكان من قبيل التمويه فقط؟ … بل إننا على العكس نظن أن الغواصة قد ذهبت إلى مكانٍ بعيد عن مكان اختطافها … ولكن إلى أين؟! فهذا هو السؤال!
تساءلت «هدى» في حيرةٍ: أليس هناك أيُّ خيطٍ يمكن تتبعه؟
أجاب رقم «صفر»: هناك بالطبع … فإن منظمة «الأخطبوط» الإرهابية تتخذ مقرًّا لها في إحدى الجزر الواقعة أمام شواطئ «هافانا» عاصمة «كوبا»، وهذه الجزيرة تكاد تكون مكانًا مغلقًا على الزوار، وممنوع الاقتراب منها نهائيًّا، ولا يسمح لأي مخلوقٍ الاقتراب من هذه الجزيرة … ولكن من المؤكد أن هذا المعسكر يضم أغلب الإرهابيين التابعين لمنظمة «الأخطبوط» … ولا شك أنكم هناك ستعثرون على خيطٍ يؤدي إلى معرفة مكان الغواصة … قبل إبحارها إلى بلاد الأعداء.
وومضت لمبةٌ حمراء إلى يسار رقم «صفر»، فضغط زرًّا بجواره يحمل رقم ٣، وفي الحال أُضيئت شاشة كمبيوتر صغيرة أمامه، وانطبعت كلمات على الشاشة، ألقى عليها رقم «صفر» نظرةً، ثم التفت إلى الشياطين قائلًا: لقد حصل «جاك إرنست» على إجازة منذ بضعِ ساعات … واستقلَّ طائرةً إلى «هافانا».
في صوتٍ عميق أضاف: إنه ذلك العامل المشبوه في الميناء السرِّي الأمريكي … وضغط رقم «صفر» زرًّا بجواره، فانطبعت صورة «جاك إرنست» فوق شاشة بيضاء كبيرة إلى اليسار.
كانت له رأس كبير وجبهة صلعاء، بشارب قصير وأنف كبير معقوف، وحاجبين غليظين وعينين ضيقتين خبيثتين، كانت له ملامح لا تُنسى.
غمغم «عثمان»: إذن فالبداية من «هافانا»؟
رقم «صفر»: هناك خمسُ تذاكر تم حجزها لكم على أول طائرة مغادرة إلى «هافانا»، وهي بأسماء «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» و«خالد» و«قيس» … وسوف يساعدكم هناك عميلنا رقم «١٧٧ب»، وسيسعى للتعرف عليكم في الوقت المناسب.
نهض الشياطين وتبادلوا النظرات …
ثم بدأت المهمة.